بتاريخ الواحد والعشرين من آذار الماضي، قامت نعمة الحباشنة بالترشح لطلب هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» العربي للمشاركة في فترة خاصة عن الأمهات العربيات بمناسبة «عيد الأم»، وكانت الحباشنة من بين السيدات اللواتي تم اختيارهن من بين سيدتين اثنتين للحديث. «تحدثت عن المصاعب التي تواجه الأم الأردنية المتزوجة من غير أردني، وقد تمنيت على الحكومة أن تمنح الأردنية حقها في منح أولادها الجنسية الأردنية وأقل القليل أن تراعي الخلاف بين الدستور وقانون الجنسية». لا توفر الحباشنة المتزوجة من غير أردني ولديها خمسة أبناء وقتا إلا وتبحث فيه عن قنوات مختلفة للتعبير عن ما تعانيه من «إشكالات» تتعلق بتبعات إقامة أولادها في الأردن دون جنسية أردنية والتعبير صراحةً عن المخالفة القانونية للدستور..»تحدثت مرارا في إذاعات وتلفزيونات وصحف لأذكر من ما أعانيه وتعانيه سيدات يشابهني في الحال «. تنص المادة السادسة فقرة ألف من الدستور الأردني..(الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين) و (تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين). فيما حصرت المادة الثالثة من قانون الجنسية الأردنية حق منح الجنسية الأردنية لأبناء الذكر فقط، «من ولد لأب متمتع بالجنسية الأردنية» ليخالف قانون الجنسية الأردنية الدستور الأردني. فالأصل في نص المادة في الدستور «أردني» وتعني «ذكرا كان أم أنثى» دون تفصيل للجنس، غير أن قانون الجنسية الأردنية وفي تعديلاته للعام 1954 جرد الأردنية حقها في منح جنسيتها لأبنائها. كلمة ( أردني ) تعني كل شخص حاز على الجنسية الأردنية بمقتضى أحكام هذا القانون. المحامي ربيع حمزة يرى أن هناك «شبهة مخالفة دستورية» في النص القانوني الذي «يميز بين الذكر والأنثى» ويخالف المادة السادسة «فالقانون يجب أن يطبق على الجميع بالتساوي». تطالب الحباشنة والتي تقيم شبكة علاقات اجتماعية مع العشرات من السيدات الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين من السلطة التنفيذية «بتفسيرٍ جاد» حول «التمييز الواضح» بحقهن. على أن الأردن ملتزم بالعهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة وأيضا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فالتعارض مع ما وقعه يقع في حال لم يمنح الأردنية حق منح الجنسية الأردنية. «طالما ارتضى الأردن أن يصادق عليها وينشرها في الجريدة الرسمية ويوجب السلطة التنفيذية تطبيق أحكام هذه الاتفاقيات والمواثيق على كافة المواطنين، إذا، لما لا تقوم بتطبيقه، هي الآن، تخالف تلك التي صادقت عليها، وهذا يرتب على الحكومة إلغاء مواد في القوانين تتعارض مع نصوص تلك الاتفاقيات والعهود»، يقول الناشط الحقوقي فوزي السمهوري. يفسر الميثاق الوطني الأردني في مادته الثامنة أن (الأردنيون رجالا ونساء أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين. وهم يمارسون حقوقهم الدستورية ويلتزمون بمصلحة الوطن العليا وأخلاق العمل الوطني، بما يضمن توجيه طاقات المجتمع الأردني وإطلاق قدراته المادية والروحية لتحقيق أهدافه في الوحدة والتقدم وبناء المستقبل). بهذا التوضيح تكون السلطة التنفيذية ملزمة بتطبيق قانون الجنسية –وفق السمهوري- باختصار أن أبناء الأردنية المتزوجة من غير أردني هم أردنيو الجنسية حكماً. يعود صدور الميثاق الوطني إلى التاسع من نيسان 1990 حيث صدرت الإرادة الملكية بتشكيل اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني، وكان الراحل الملك الحسين أطلق قبل ذلك فكرة الميثاق وحدد الهدف والغاية منها، وضمت اللجنة ستين عضوا برئاسة دولة احمد عبيدات. الفصل السابع من الميثاق، يوضح العلاقة الأردنية الفلسطينية، «الهوية العربية الفلسطينية هوية نضالية سياسية، وهى ليست في حالة تناقض مع الهوية العربية الأردنية ويجب ان لا تكون». الاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة كافة تلزم الدول بضرورة إيجاد ضمانة لحقوق المرأة، فطالما أن للرجل الحق في منح الجنسية لزوجته العربية بعد 3 سنوات والأجنبية بعد 5 سنوات إذا ينبغي أن يكون هناك حق المساواة بين الرجل والمرأة بعد مرور المدة القانونية المنصوص عليها بالقانون. يقول الحقوقي السمهوري إن ما يحصل الآن «هو غياب إرادة حقيقية لدى السلطة التنفيذية لضمان حقوق المرأة وفقاً للدستور الأردني والمواثيق الدولية التي صادق عليها الأردن، وعليه فهناك انتهاكات صارخة بحق المرأة الأردنية». يدرك النائب السابق حمادة فراعنة تعارض قانون الجنسية مع المبادئ الدستورية، ويقول «المشرع وضع قيم ومفاهيم ومعايير الدستور لمراعاة مصلحة المواطن لا أن تكون عقِاباً عليه، فالأصل هو المساواة بين الأردنيين بصرف النظر عن أصولهم ودياناتهم». و»الخلل» كما يراه فراعنة يكمن «بالحكومات المتعاقبة» التي تحكم صياغة القوانين ومن هنا تطاولت الحكومات المتعاقبة على القيم الدستورية ولم تتجاوب معها. كما يوضح أن الأسباب تكمن «بغياب الديمقراطية ردحا من الزمن وسيادة الأحكام العرفية»وأيضا «قوانين الانتخاب صاغت مجالس نيابية تفتقد الإدراك المطلوب في فهم الدستور وتوجهات المشرع الأردني بما يتلاءم مع قيم العصر». لكن العين السابق أسامة الملكاوي، يرى أنه ينبغي الأخذ بأبعاد القضية، «فلا أحد يرفض مساواة المرأة بالرجل، لكن هذه المساواة محكومة دوما بالمصالح العليا. ويجب أن لا ينظر إلى قانون الجنسية على أنه حق الإنسان في الحصول على حقوق معينة، فحق منح الجنسية الأردنية يتعلق بحق سيادة الدولة، ويجب أن ينظر للموضوع ببُعد وشمولية وبحاجة إلى تقييم». ويوضح العين الملكاوي أن مهمة الدستور والقوانين «حماية الكيان العام للدولة»، وبناء عليه «تتغير وفقا للاحتياجات» متحدثا بمثال أنه «لا يجوز أن يكون حق الزوجة وسيلة لعمل يشبه الاتجار من حيث وجود حالات تقوم بالزواج لأخذ اللجوء الإنساني». لكن الناشطة الحقوقية والمحامية مرام مغالسة ترى أن حق المرأة الأردنية «أصيل» ويأتي بعد حق الحياة..مستذكرة توقيع الأردن على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي ضوء التزامه بذلك «على الحكومة أن تعطي المرأة حقا موازيا وتصادق على الدستور مثلها مثل الرجل تماماً». ولا يجد ناشطون حقوقيون بالدستور الأردني الذي صيغ في العام 1952 سوى أنه كان أكثر تقدمية وعصرية واستجابةً لمصالح الأردنيين من تطبيقات الحكومات الأردنية وتوجهاتها القانونية في الثمانينات والتسعينيات القرن الماضي. بل أن المحامي أنيس القاسم يتحدث عن قانون الجنسية الأردنية «متقدم» بالنسبة لمعايير حقوق الإنسان؛ «فتجريد الجنسية الأردنية من الأردني لا تتم إلا بمصادقة من الملك والمقصود من ذلك هو وضع قيود كبيرة على تجريد الأردني من جنسيته لكن الحكومة هي التي تتحكم بذلك ومن هنا يفقد القانون ميزته». استقبل المركز الوطني لحقوق الإنسان، في العام 2008 خمسة وأربعين شكوى تتعلق بحق الجنسية فيما التي سجلت للنساء كانت 12 شكوى. غير أن الرقم مرشح إلى الازدياد في ظل الإحصاءات الرسمية الصادرة عن دائرة الجوازات العامة التي تشير إلى أن الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين يتجاوب 53 ألفا. ويذكر النائب فراعنة مساعي الملكة رانيا العبدالله في العام 2002 وخلال يوم المرأة العالمي لإيجاد المناخ المناسب في المساواة بين الأردني والأردنية في الحقوق والاستحقاقات ودفعت باتجاه تنظيم هذا الفهم، لكن ما حصل على أرض الواقع، «القوى الطاردة والنافذة والمتخلفة في المجتمع وقفت ضد المعايير وتوجهات الملكة وفرضت قيماً محافظة ورجعية في المجتمع الأردني تتنافى مع الدستور». ويدعو الفراعنة المتمسكين بالمعايير الدستورية إلى «النضال المتواصل والدؤوب» من أجل اجتثاث «الاتجاهات الرجعية المتخلفة» في أذهان بعض الأردنيين وانتصار الأردنيين إلى القيم النبيلة التي تساوي بين الأردنيين ذكورا وإناثا. لكن العين الملكاوي يتحدث عن إمكانية «دراسة الجنسية» ويعاد النظر فيها «وفقا للظروف العامة للدولة» لكن يقول أن الوقت الحاضر «ليس هو الوقت الملائم لإجراء مثل هذه التعديلات». وطن بديل وشماعة التوطين عن «الوطن البديل» والخوف المستمر حيال «توطين الفلسطينيين»، يستغرب الناشط الحقوقي السمهوري ذلك ويقول إن الأردن وقع على معاهدة وادي عربة رغم أنها تنص صراحة «بالمساعدة على التوطين» بذلك فعلى الشخصيات المتحدثة دوماً عن الوطن البديل أن يبادروا ويعدلوا هذه المادة لا أن يتخذوا «الوطن البديل» ذريعة لعدم إحقاق الحقوق السياسة والمدنية. المادة الثامنة من معاهدة السلام المعنونة ب»اللاجئون والنازحون» تنص على جملة نقاط منها: «اعترافا بالمشاكل الإنسانية الكبيرة التي تسببها النزاع في الشرق الأوسط بالنسبة للطرفين، وبما لهما من إسهام في التخفيف من شدة المعاناة الإنسانية فأنهما سيسعيان إلى تحقيق مزيد من التخفيف من حدة المشاكل الناجمة على صعيد ثنائي». «أكبر خطر يهدد الوجود الفلسطيني في الأردن هو معاهدة وادي عربة والتي اعتبرت قضية اللاجئين الفلسطينيين قضية إنسانية ووافق الموقف الأردني الرسمي ضِمنا على التوطين وهذا ما يثير الأسى إذا ما نظرنا بعدم منح الأردنية الجنسية لأولادها»، وفق المحامي أنيس قاسم الرئيس السابق للدائرة القانونية بمنظمة التحرير الفلسطينية. «على الحكومة أن تعلن صراحة ما هي المخاطر من وراء تجنيس أبناء الأردنية وتستمر بانتهاك القانون»..يقول السمهوري الذي يدلل أيضا على أن «المادة الخامسة والأربعين من الدستور الأردني تنص على أن الحكومة هي التي تصدر نظاما يمنحها ويحدد صلاحياتها». وكل من يتحدث عن «الوطن البديل» أصبحت لديه شماعة يرمي عليها «عدم استجابته لقيم العصر» ويضيف الفراعنة أنها تبرر عدم استجابتهم للمعايير الدستورية ودفع استحقاقات الأردنيين وحقهم في المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص. ويقول الفراعنة إن «من حق الأردني من أصل فلسطيني أن يختار المستقبل الذي يريد وحين تتاح له الفرصة في حرية الاختيار باستعادة فلسطينيته لا شك أن القانون والدستور الأردني لا يمنع من ذلك، ويمكن أن يكون هناك أفقا مفتوحا يتيح الازدواجية بين الجنسية الأردنية والفلسطينية من باب الامتداد الديمغرافي والقيم المشتركة والعروبة». «هذا وطن ليس ريشة تُهّز من أي ريح. الأردنيون ليسوا مجرد مستقبلين للإجراءات التوسعية الإسرائيلية إنما لديهم الشجاعة وبسالة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. الإسرائيليون غير قادرين على ابتلاع الضفة والقطاع فكيف لهما محاولة التمدد إلى خارج فلسطين»، يقول النائب حمادة الفراعنة.