صحيفة العرّاب

تيار السلفية الجهادية يتشظى من داخله بعد غزوة الزرقاء

 - لا تجد أجهزة الدولة الاردنية هذه الأيام صعوبة في احتواء أو توجيه السلفية الجهادية كيفما أرادت. وهي اليوم, الصياد الذي تمكن بالفعل من اصطياد طريدته وربطها, وأن ما ينتظره هو بيعها كما باعها سابقا, أو الإجهاز عليها نهائيا.


وإذا كانت مسألة الإجهاز النهائي على الطريدة السلفية أمرا لا ترغب الدولة الأردنية فيه, بهدف تسهيل عملية بيعها المستمرة منذ عقود, إلا أن مسألة ربطها بها, بعد عمليات الاحتواء الناجحة, أمر لم تعد سوى مسألة وقت, وخاصة بعد غزوة الزرقاء كما يرغب أعضاء التيار الجهادي في تسميتها في نيسان الماضي, عندما اتهمت أجهزة الأمن الأردنية سلفيين جهاديين بالتخطيط وتنفيذ عراك أطلق عليه أعضاء التيار وصف غزوة استخدمت فيه السيوف والسكاكين والبلطات ضد أفراد من رجال الأمن.

ووصل أمر هذا الاحتواء إلى اتهامات صدرت من سلفيين جهاديين ممن اعتزلوا الفوضى ونزول المقاتلين إلى الشوارع كمعتصمين بأن الدولة جرّتهم بالتخطيط للخروج الى الشارع. 

على أية حال لم يكن أحد يعلم ومنهم الدولة نفسها أن خيوط اللعبة في الساحة الأردنية هذه الايام تتبدل لصالح زوال تيار السلفية الجهادية وتحوله إلى مجرد فلول أفراد هنا وهناك بعد ان كادوا يوما أن يصبحوا تنظيما له وزنه على الساحة الاردنية, من دون أن يعني ذلك إمكانية أن يحقق بعض أفراد السلفية الجهادية نجاحا هنا وهناك, ولكنه دوما سيكون النجاح الفردي وليس التنظيمي.

لقد نجحت الدولة في إقصاء تعاطف الشارع الأردني مع السلفية الجهادية, بعد أن استخدمت الحكومة صور السلفية بعيونهم الجاحظة وسيوفهم أذكى استخدام.

الجديد غير المكشف عنه حتى الآن استنادا الى مصادر موثوقة من داخل التيار هو توعد أفراد من التيار إخوانَهم ممن شاركوا بفاعلية في غزوة الزرقاء ثم اعتقلوا, بالمحاكمة الشرعية, لكونهم أعادوا سمعة التيار في الشارع لعشرين عاما إلى الوراء, واضروا بمصالح الأخوة المعتقلين منذ سنوات, حتى أنهم لم يشملهم العفو العام الأخير على حد قول المصادر, التي تخشى في المقابل من ذلك, بل وعلى النقيض منه أيضا من أن تفهم الكوادر التي سجنت في أحداث الزرقاء المرحلة بطريقة مختلفة إلى الحد الذي تطالب فيها بأن تتسلم القيادة, أو تتصرف تأسيسا على ذلك, وبهذا تبدأ مرحلة جديدة من التشظي للتيار كما سبق وتفسخ بعد مقتل ابو مصعب الزرقاوي.

ولم تجد الدولة الاردنية أية صعوبة في ضرب مفاصل هذا التيار وتكسيره أو حتى اللعب فيه, واستخدامه أحيانا, وذلك لافتقار هذا التيار لقيادات تمتلك كريزما القيادة ومهاراتها, وذلك منذ موت أبو مصعب الزرقاوي بعد رحيله إلى العراق. ولهذا نجحت في توريطهم لخوض غزوة الزرقاء.

وتقول المصادر: كل من هم موجودون اليوم على الساحة الأردنية من التيار السلفي الجهادي أشخاص وضعتهم الظروف وفراغ الساحة في المقدمة رغم افتقارهم إلى الكثير من اللوازم القيادية وعلى رأسها الانضباط.

وتضيف, جلّهم يعانون الصخب والفوضى أينما حلّوا, ويفتقرون إلى الفاعلية والتفاعل مع المحيط, إضافة إلى المبادرة, وحسن التنبؤ استنادا إلى المستجدات, بل أن المفارقة التي وضعتها المصادر على طاولة حديثها هي التالي: حتى لو وجدت القيادة فأين هي الكوادر المستعدة للطاعة.
المفارقة الأخرى في أزمة القيادة هذه هي انه وبينما حرص أبو مصعب الزرقاوي خلال وجوده في العراق على عدم تفريغ الساحة الأردنية من أعضاء السلفية الجهادية, نسي انه في الحقيقة بابتعاده عن أراضي المملكة وانتقاله إلى العراق إنما فرّغ بالفعل الساحة الأردنية ولكن من القيادات, خاصة وأن أبو محمد المقدسي عُرف عنه ومنذ نحو عقدين انه موجود في المعتقل أكثر منه خارجه.

ويبدو أن اعتقاله - أي ابو محمد المقدسي - يأتي في سياقات كثيرة من بينها هذا: منع إيجاد قيادة تمتلك العلم الشرعي والسياسة والكاريزما. 
ولكن مصادر من داخل التيار ومرة أخرى تؤكد أن الحديث عن أن أزمة تيار السلفية الجهادية هي أزمة قيادة, غير دقيق رغم أن التيار يعاني منه اليوم.

وقالت: ما تعانيه السلفية الجهادية هي أزمة انقياد. وبالنسبة إلى تلك المصادر الفرق شاسع. ففي الأولى أي (أزمة قيادة) تعني أن أعضاء التيار يعجزون اليوم عن إيجاد بدائل تقودهم في المرحلة الراهنة بعد غياب أبي مصعب الزرقاوي والتغييب المستمر لأبي محمد المقدسي, وهو وإن كان صحيحا, فالأصح منه - والقول للمصادر - هو أن التيار يعاني (أزمة انقياد) فكوادر التيار غير قابلة للطاعة أصلا, وهي غير مدربة عليه.

تقول المصادر: المقدسي نفسه اختلفوا معه وعليه كثيرا, ولولا اعتراف أعدائه به من الأنظمة العربية, لوجد الكثير من الصعوبات من حيث اعتلائه منصب القيادة في التيار.

أما أبو مصعب الزرقاوي فهو القائد الذي كان لكوادر التيار خلافات شاسعة معه, ولم يستقر الرأي على قيادته إلا عندما سافر إلى العراق واستقر فيها, ومن ثم بدأ اسمه بالسطوع الى حد حديث المسؤولين الأمريكان عنه.

ولكن هل هذا يعني أن أبا محمد المقدسي أو أبا مصعب الزرقاوي لم يكونا قياديين في التنظيم? تجيب المصادر بالتأكيد إنهما من أكابر التيار, ولكن المشكلة في قدرة الكوادر على استيعاب معنى القيادة والخضوع لها أو الانقياد لمتطلبات ما يجب ان تكون عليه الكوادر.

الإشارة الجديدة التي شددت المصادر بالتأكيد عليها هي أن كل وليس معظم كوادر التيار لم ينهوا دراستهم الأكاديمية, وليس من بينهم واحد .. مجرد واحد فقط, يحمل شهادة الثانوية العامة, وهو ما يعني افتقارهم لمخرجات التحصيل العلمي, رغم أن تلك الكوادر تجعل من هذه السلبية ايجابية لهم, كونهم استعاضوا عن التحصيل الاكاديمي بالتحصيل الشرعي. ولكن هنا بالضبط تكمن مشكلة معظمهم.

فالمصادر تنفي نجاح الكوادر في استبدال التحصيل العلمي الدنيوي بالتحصيل العلمي الشرعي وتقول: من يمتلكون من التيار علما شرعيا متينا لا يزيد عددهم عن أصابع اليد الواحدة.

ولكن ما علاقة هذا الحديث بمستقبل التيار? تجيب المصادر: القول بان أعضاء التيار يرفضون التعليم المدرسي أو الجامعي استنادا الى التأسيس الشرعي مغالطة ينفيها الواقع فهم فشلوا في التحصيل العلمي الأكاديمي قبل التحاقهم بالتيار بزمن طويل, وهو ما يعني أن قدراتهم الاكاديمية متواضعة إلى حد بعيد. ولهذا فان المصادر ذاتها تقول: الجماعة الوحيدة التي لا يوجد لديها نخب مفكرة, وكلها من العوام هي السلفية الجهادية في الأردن, وإن وجدت هذه النخبة بفعل الصدفة البحتة فإن البيئة العامة لهذا التيار طاردة لهذه النخب وليس جاذبة لها.

كلهم عوام, وفيهم نسبة كبيرة من التائبين الذين لم يلجوا الدين برفق ممن أرادوا تقليد حياة أبو مصعب الزرقاوي بانتقاله إلى التوبة ثم قيادة السلفية الجهادية, ولهذا فان ما يجري هو محاولات لممارسة التقليد ولكن في سياقات شرعية.

(العرب اليوم)