صحيفة العرّاب

والد يزن يعترف من السجن لزوج خالته: قمت بكي مؤخرة ابني علاء وكفيه بأعقاب السجائر

فيما يعود الأطفال إلى منازلهم بعدما ينهون يومهم الدراسي، أو بعدما يفرغون من لعبهم، فيلوذون بأسرتهم ويتحسسون دفء أبويهم، ومن ثم يذهبون إلى فراشهم وادعين، مايزال جسد الطفل "يزن" بعد تشريحه، مسجى في ثلاجة الموتى في مستشفى البشير، بانتظار أن يتسلمه أحد أقربائه ويواري جسده الغض الثرى، علّ التراب يكون أكثر حنانا على الفتى ذي الأعوام الخمسة الذي ذاق أفظع أشكال التعذيب قبل أن يمضي في غيبوبة نتيجه نزيف دموي في الدماغ لفظ على إثره أنفاسه الأخيرة في السابع عشر من الشهر الحالي.

 "الغد" حاولت أن تتبع بأثر رجعي رحلة العذاب والمكابدة التي شقّت قلب الطفل وسلطت أضواء ساطعة على التهديدات المحيقة بالنظام التعليمي والقيمي والأخلاقي الذي غفل ومايزال عن جريمة تختزل عذابات الطفولة وآلامها.
 
في بيت أسرته المتهالك في أحد أزقة جبل النزهة شرق عمّان، لم يدلّ على رائحة الطفل المغدور سوى لعبة (حصان) بلاستيكية بيضاء كان يتأرجح عليها أحيانا كي يتناسى معاناته مع والديه وزوجة أبيه الذين تركوه بعدما زُج بهم في السجن بسبب اتهامهم بـ"ارتكاب ممارسات غير أخلاقية"، كما تقول المصادر الأمنية.
 
في بيت تحت الأرض وبوابة حديدية حمراء تبدو عليها آثار طعنة سكين واضحة المعالم، كان يقطن "يزن" وأخوه غير الشقيق "علاء"، داخل حجرتين لا تهوية فيهما، وسقف سقطت (قصارته) من شدة التعفن والرطوبة التي تنبعث عطونة رائحتهما من المنزل الرث الذي أصبح أقرب الى مكرهة صحية لدرجة أن إحدى الجارات أبلغت "الغد" بأنها كانت تعتقد بأن "هناك جثة متحللة داخل هذا المنزل".
 
محتويات البيت وأوانيه كانت مبعثرة ، فيما لاحظت "الغد" أن حشرات وقوارض "كالفئران والصراصير"تنشط في المكان" الذي تكاثرت فيه أحذية مترامية هنا وهناك وأريكة قديمة ملقاة في إحدى الحجرتين المخصصة باعتبارها غرفة معيشة. أما في الحجرة الأخرى فكانت هناك ملابس رثة معلقة على أحبال غسيل منصوبة بشكل قطري. وكان ثمة العديد من "الفرشات" الاسفنجية على الأرض تنبعث منها روائح تزكم الأنوف.
 
وأعرب الجيران عن انزعاجهم الكبير والمستمر من هذا المنزل الذي أضحى "مصدر قلق لأهل الحارة" الذين كانوا يحتجون دائما على "سلوك والدة يزن ومن يتردد عليها منذ 17 عاما، تزوجت خلالها أربع مرات كان من بينها ارتباطها بوالد الطفل علاء. وآخر زيجاتها كانت من والد الطفل المرحوم يزن الذي كان بدوره تزوج للمرة الثالثة.
 
إحدى الجارات قالت "لم نكن نشاهد من طفليها المعنفين سوى ابنها الأكبر علاء" ذي عشرة أعوام، بينما "كان يزن يتنقل لدى العديد من السيدات لغايات حضانته عندما تدخل والدته السجن، أو عندما تخرج لمتابعة عملها" التي وصفته بـ"المشبوه".
 
وبينما كانت هذه الجارة تسرد الحكايات عن عائلة الطفل "يزن"، تجمعت العديد من النسوة، وبدأت كل واحدة تتحدث بقصة تثير علامات استفهام حول تردي البيئة التي كان الطفلان يعيشان في أتونها. الجارة الأولى تقول إن "هذه السيدة كانت مصدر قلق لرجال الحارة وشبابها، وسبق في مرات عديدة أن قدموا مضبطة" للحاكم الإداري عسى أن يتخذ إجراءات بترحيلها، لكن من دون جدوى". ثم أردفت "في كل مرة كانت تطلع زي الشعرة من العجين".
 
سيدة أخرى أفادت "خلال الصيف الماضي خرج شخص غريب من منزلها وهو خالع ملابسه كلها ويحمل بيديه ملابس داخلية نسائية". وزادت "ذات مرة أقدم زوجها، والد يزن، على ضربها بالسيف عدة ضربات بسبب خلافات بينهما، وكنا نعتقد أن هذه ستكون نهايتهما".
 
وطالبت جارة ثالثة من الجهات المسؤولة أن تودع طفلها الأكبر "علاء" لدى إحدى المؤسسات المتخصصة في رعاية الأطفال "حتى يبتعد عن هذه الأجواء التي سيكون لها أثر بالغ في نفسيته".
 
ويجلس الطفل "علاء" حاليا على مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية. ويوصف بأنه "مرهوب الجانب بين أقرانه من أطفال الجيران"، وبخاصة أنه "ضخم الجسم وقوي البنية". تقول إحدى الجارات: "للأسف الشديد كانت والدته تستخدمه في إدخال الأشخاص الذين كانوا يرتادون منزلها، بل وكان أحيانا يتولى مراقبة مداخل ومخارج الحارة عندما ينوي إخراج أحدهم من المنزل". ويقاطع الجارة أحد الأطفال: "كنا نشاهده يحمل سكينا، بالإضافة إلى أنه كان يدخن ما يعثر عليه من أعقاب السجائر"، علاوة على أنه "كان يردد ألفاظا نابية، ولهذا كنا نبتعد عنه ونحرص على ألا نلعب معه".
 
 أحد شباب الحارة قال "لقد أصبحت حارتنا مشبوهة ودائما على ألسنة الناس، فنحن نخشى أن ندخل مع هذه العائلة بمشاكل نحن في منأى عنها، ولهذا سلمنا بالأمر الواقع بعد أن فشلنا من إبعادها خارج الحارة".
 
 ويؤكد زوج خالة "يزن" الذي قضى الطفل نحبه في منزله مزاعم الجارات. ويزيد "هذا الطفل ضحية أبويه، وتحديدا والدته التي اعتادت أن تترك طفلها في أكثر من منزل لغايات حضانته عندما تكون خارج منزلها أو عندما تقضي عقوبة لها في السجن".
 
وأضاف "سبق وأن أقام يزن وأخوه علاء في منزلي أربعة أشهر بسبب قضية أخلاقية أدت الى توقيف والديهما في السجن، حيث قمت بحضانتهما بالرغم من ضيق الحال وصغر منزلي الذي يحتوي على حجرة واحدة الى جانب المنافع الأخرى".
 
ويتذكر زوج الخالة أنه في إحدى المرات أصيب يزن بجرثومة بالدم، حيث لم يكن بمقدوره معالجته، لكن بعد أن خرجت والدة يزن من السجن بعد أيام من مرض طفلها أخبرتها بأن ابنها بحاجة الى علاج.
 
ويروي زوج الخالة أنه عندما تم توقيف والدي يزن، بالإضافة الى زوجة أبيه هذه المرة، للتحقيق معهم في إطار قضية أخلاقية مطلع الشهر الماضي، أجرت والدة يزن مع شقيقتها، أي زوجته، اتصالا طلبت فيه منها أن تحتضن طفليها "علاء ويزن" طوال فترة توقيفها، حيث أبلغتنا بأن علاء متواجد عند جارتها (أم شريف)، بينما يزن متواجد عند سيدة تدعى(أم أسامة)، حيث تم إحضارهما الى بيتي. وهنا، يتابع زوج خالة يزن " فوجئت بأن سلوك علاء يختلف عن باقي الأطفال بالرغم من أن عمره عشرة أعوام".
 
وأشار الى أن علاء "كثيرا ما كان يهرب من منزله، ويرفض العودة الى بيت خالته"، ويتوجه الى بيت "أم شريف" التي تقطن بجوارهم أو يقضي وقته على دوار النزهة، "حيث نقوم بالبحث عنه الى أن نعيده الى المنزل".
 
وأضاف "يوم سقوط الضحية يزن على رأسه في حمام منزلي، تأخر علاء كعادته بالحضور الى البيت، في الوقت ذاته بدأنا أنا وأولادي بالبحث عنه، وأثناء ذلك كانت زوجتي تغسل ملابس العائلة، وتستفسر لحظة بلحظة دائما عن مكان وجود علاء". وتابع "بينما كانت زوجتي منشغلة بغسيل الملابس فوجئت بأن يزن قد دخل الى الحمام، وهناك سقط على رأسه".
 
وهنا تتدخل خالة "يزن" قائلة "أسرعت على الفور برفعه عن أرض الحمام فوجدت نزيفا دمويا من أنفه ولاحظت دخوله في غيبوبة، حيث أحضرت العطر والبصل واستخدمت كل الوسائل التي أعرفها لإيقاظه لكن من دون جدوى".
 
وعلى ضوء ما حدث لـ"يزن"، طلب زوجها منها أن ترسله الى مستشفى البشير "حيث كان في غيبوبة مطلقة" حسب ما أبلغها الاطباء، موضحا أنه اغلق بعدها محله التجاري وتوجه الى المستشفى ليطمئن على وضع "يزن"، حيث طلب منه رجال الامن في المستشفى ان يراجع إدارة حماية الأسرة.
 
وزعم أنه عندما راجع "حماية الأسرة" وجد هناك زوجته، بالإضافة الى الطفل علاء، مشيرا الى ان "علاء زعم في رواية اختلقها امام حماية الاسرة بأنني اضربه وأقوم بتوثيقه بالحبل هو وشقيقه يزن، بالاضافة الى ادعاءات اخرى"، مشيرا الى ان المحقق في حماية الاسرة بعد ان توسع في التحقيق معه اكتشف ان إدعاء "علاء" غير صحيح، لكن رغم ذلك طلب المسؤولون في إدارة حماية الاسرة منه ان يحضر كفيلا لإخلاء سبيل زوجته، بينما تم تحويله الى المدعي العام الذي أوقفه بتهمة الإيذاء.
 
ويدعي زوج الخالة انه عندما ادخل الى سجن الجويدة بتاريخ 9/4/2009 بقرار من المدعي العام ، التقى هناك فجأة مع والد يزن في "المهجع" نفسه، حيث اخبره بأن ابنه سقط على ارض الحمام في منزل خالته ونتيجة لذلك دخل في غيبوبة او موت سريري. لكن رغم ذلك فإن والد يزن الذي كان موقوفا على قضية اغتصاب وافدة اندونيسية الجنسية بالاشتراك مع زوجتيه، وفق مصادر الأمن، كتب تنازلا عن حقه الشخصي، وبناءً على ذلك تم الإفراج عنه بعد توقيف دام ثلاثة أيام.
 
ونفى زوج الخالة ان يكون تابع بعد سجنه ما حدث للطفل يزن، لكنه يؤكد أن "أشقاء والد يزن علاقاتهم مقطوعة مع والده بسبب سوء سلوكه". كما أفاد بأن بنات والدة يزن من أزواجها السابقين قاطعنها للأسباب ذاتها.
 
ويلفت زوج الخالة إلى أمر آخر، إذ يكشف أن والد يزن أخبره أثناء فترة وجوده في السجن بأنه قام "بكي مؤخرة الطفل علاء، بالاضافة الى كفيه بأعقاب السجائر، عندما تنامى لعلمه بأن علاء يقوم بالتدخين".
 
ويفيد بأن "علاء" بدوره كان يقوم باعتداءات متواصلة ضد شقيقه يزن، حيث طعنه ذات مرة بالسكين في يده، لكن عندما اسعف، اضطر والداه لإخبار المستشفى بأنه "سقط على قطعة زجاجية كانت على الارض".
 
وكانت هذه الحادثة جزءا صغيرا من العذابات التي أثخنت جسد الطفل يزن الذي أثبت تقرير الطب الشرعي أنه "تعرض قبل وفاته لحروق لهبية، بالإضافة إلى كي بالسكين وإطفاء لأعقاب السجائر في مختلف أنحاء جسده". كما شخّص التقرير الطبي سبب الوفاة بأنه "ناتج عن اصطدام رأس يزن بجسم صلب ادى الى نزيف دموي في الدماغ والوفاة".
 
يشار الى ان مدعي عام عمان أحال، أول من أمس، القضية الى مدعي عام الجنايات الكبرى بعد أن ثبت له "وجود شبهة قتل" أودت بحياة طفل لم يعايش في حياته القصيرة سوى الألم، ولم يصاحب إلا العذاب والمرارة والخذلان. الغد