أثارت وما زالت قضية استيراد المواشي من أثيوبيا جدلاً واسعاً بين أوساط صحية وزراعية واقتصادية.
خيوط هذه القضية بدأت بالتكشف والظهور إلى العلن، فوزارة الزراعة بفتحها باب استيراد المواشي من السوق الاثيوبية التي تحجم دول العالم عن التعامل معها نظراً لانتشار أمراض وأوبئة خطيرة، تعللت بأن الهدف من وراء هذه الخطوة هو تخفيض أسعار اللحوم وبالتالي التخفيف على المواطن وأن اجراءاتها تضمن سلامة المواشي المستوردة، اتضح لـ عمون زيف وبطلان التبريرين.
مصدر في وزارة الزراعة أكد لـ عمون أن تلك الخطوة لم تحقق هدفها الذي تذرعت به الوزارة- تخفيض أسعار اللحوم- وان اجراءاتها لم تضمن سلامة المواشي المستوردة حيث تبين وجود اصابات بمرض الحمى القلاعية بين عدد من تلك المواشي التي وصلت الى المملكة.
وتبين في وقت قياسي أن المستفيد الأول والأخير من فتح باب الاستيراد من دولة أكدت المنظمة العالمية للصحة الحيوانية على موقعها الالكتروني مدى حجم انتشار الأمراض والأوبئة فيها لدرجة أنها صنفت من الدول التي لا تكشف عن حجم الإصابات الحيوانية فيها، هي شركة كبرى لاستيراد اللحوم.
ومن قضية الغش- المخطط له مسبقاً- التي ارتكبها مستوردون للماشية الأثيوبية تحت نظر وسمع الجهات الحكومية في بيعها حية ومذبوحة على أنها لحوم بلدية كشفتها وسائل إعلام وجمعية حماية المستهلك الأمر الذي دفع وزارة الزراعة إلى اتخاذ إجراءات خجولة بحق تلك الشركات والتي لم تؤت ثمارها باعتراف رئيس قسم التراخيص بوزارة الزراعة فلاح العواملة في حديث لصحيفة الرأي إلى عدم اتخاذ إجراءات وقائية حيال الأمراض التي ثبت أن أحدها – الحمى القلاعية- ظهرت بتلك الشحنات –حسب مصدر من داخل الوزارة-.
تلك الشركات تمكنت إما بالخداع أو الاتفاق مع أذرع حكومية بالسيطرة على السوق ولم تلتزم بالاتفاق المبرم بينها وبين وزارة الزراعة بذبح المواشي الأثيوبية في المسالخ المنتشرة بالمملكة بل قامت لذر الرماد في العيون بذبح ما يقارب 1500 رأس من أصل الكمية المستوردة إلى الأردن والتي تصل إلى 14 ألف رأس في لعبة تهدف إلى زيادة أرباحها ببيع تلك المواشي بعيد الأضحى المبارك على أساس أنها خراف بلدية.
نقيب الأطباء البيطريين السابق الدكتور عبد الفتاح الكيلاني أكد وجود شبهة فساد في فتح باب استيراد المواشي الاثيوبية، مبيناً أن أن هنالك تخوفاً أن تكون المواشي المستوردة من أثيوبيا تحمل نوعا جديدا من الفيروس مشيراً إلى أنه في حال كان الحجر الصحي للمواشي المستوردة من أثيوبيا معتمدا دوليا فإن لا تخوف من الأمر وبخلاف ذلك فالخوف مبرر.
وبين الكيلاني أنه لا يوجد بالأردن محاجر صحية دولية مؤكدا أنه تم إلغاء المحجر في ميناء العقبة منذ عشر سنوات وهذا ما اعتبره استهتارا وعدم اكتراث من قبل الجهات المختصة مشيراً إلى أن سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة تجني الارباح من بيع اراضي العقبة ولا تبالي بانشاء محجر صحي من شأنه حماية الثروة الحيوانية.
واكد الكيلاني أن القرار بفتح باب الاستيراد لم ينعكس على المواطن بل جاء لتنمية ارباح التجار والدليل ان اسعار اللحوم لم تنخفض ولو بفلس واحد.
أحد العارفين بخفايا الأمور تحدى وزارة الزراعة ان تقدم للاعلام نتائج فحوصات تثبت انها قامت بفحص كامل الكمية التي تم استيرادها من الاغنام والعجول الاثيوبية في بلد المنشأ والعقبة وانها تخلو من أية أمراض أو اصابات مؤكداً لـ عمون أن الفحوصات تمت بشكل عشوائي في البلدين وأن وزراة الزراعة تتحرى عن 3 امراض كحد اقصى في حين تتجاهل اجراء الفحوصات على باقي الامراض المنتشرة في اثيوبيا .
من ناحيته قال مدير عام اتحاد المزارعين محمود العوران لـ عمون إن الحكومة في فتح باب الاستيراد من أثيوبيا حاولت البحث عن أسعار مواش اقل كلفة على جيب المواطن إلا أن استغلال بعض الشركات حال دون تحقيق هذا الهدف من خلال بيعها على أنها لحوم بلدية مما انعكس سلبا على المواطن.
وأبدى العوران تخوفه من انخراط أصناف من الماشية "المشبوهة" بين الخراف المحلية، مؤكداً أنه إذا لم يتم فحص تلك الخراف المستوردة من أثيوبيا تحديداً وبشكل صارم سينقلب إلى كارثة صحية.
ورأى العوران أن تلك الشركات تمتلك القدرة المالية والبنى التحتية وعليه تستطيع أن تحتفظ بالمواشي الأثيوبية لحين حلول عيد الأضحى وبيعها للمواطن على أنها بلدية وهذا ما اعتبره غبناً للمواطن ولأصحاب المواشي المحلية.
وحمل العوران المسؤولية لوزارتي الصناعة والتجارة والزراعة والبلديات، مطالباً الجهات المختصة بالكشف عن الضمانات التي أخذتها على تلك الشركات بذبح المواشي الأثيوبية في المسالخ الحكومية لتحقيق الهدف الأساسمن استيرادها والحد من جشع وطمع بعض التجار الذي أعطى غياب الرقابة الحكومية لهم الشرعية في التغول على جيب المواطن.
وانتقد العوران القرار الحكومي بإعفاء تجار اللحوم المستوردة من الجمارك ورسوم الاستيراد وخصم 50% على الأرضيات في الميناء مشيراً إلى أن تلك التسهيلات سواء كانت بقصد أو من دون ساهمت بتردي سوق اللحوم المحلية وازدياد أرباح الشركات الخاصة، لافتاً إلى أن الحكومة تدرك تمام الإدراك أن الاستيراد مقصور على شركات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.
وفيما يتعلق بالضرر الواقع على الثروة الحيوانية المحلية جاء القرار ليزيد من حجم ذلك الضرر حيث أن الإنتاج المحلي منها لا يتجاوز في أحسن حالاته 25% من احتياج السوق المحلي.
وطالب العوران الحكومة بمساندة مربي المواشي الأردنيين عوضا عن دعم كبار التجار وتحصيل الرسوم المعفاة من المستوردين غير الملتزمين بأثر رجعي كونها لم تصب في مصلحة المواطن وصب تلك الأموال في دعم القطاع المحلي للمواشي.
وأضاف أن قطاع الثروة الحيوانية بدأ بالانحدار نتيجة القرارات الحكومية التي تجاهلت دور هذا القطاع الذي يدعم الاقتصاد الوطني والاجتماعي، مشيراً إلى قيام بعض كبرى الشركات بشراء المواشي البلدية مع دفاتر العلف المدعومة من مربيها خصوصاً الإناث منها وذبحها وبيعها في السوق المحلي مع الاحتفاظ بدفتر العلف المدعوم.
وبين أن هنالك شركات كبرى تسعى للسيطرة على القطاع من خلال تجفيف منابع القطاع، مشيرا إلى أن قرار فتح باب الاستيراد من أثيوبيا كان ضربة قاصمة لمربي المواشي.
وتابع أن الحكومة ملزمة بتوفير الدعم الحقيقي بأي صورة كانت لمربي الأغنام خاصة في ظل الظروف السيئة التي يعانون منها.
من الجدير ذكره أن وزارة الزراعة اغلقت عام 2006 باب استيراد اللحوم من "اسرائيل" بعد اكتشاف إصابة واحدة بمرض التدرن العقدي مما يضع علامات استفهام حيال فتح باب الاستيراد من دولة مثل اثيوبيا ينتشر فيها أكثر من 4 ملايين اصابة من هذا المرض حسب تقرير المنظمة العالمية للصحة الحيوانية.
مصدر موثوق أكد لـ عمون ان فترة الحجر الصحي انخفضت من 21 يوما إلى 10 أيام بناء على شكوى تقدم بها كبار المستوردين للماشية الأثيوبية لوزير الزراعة خلال اجتماعه معهم بمسلخ عمان في الأيام الأولى من الشهر الكريم تحت ذريعة ارتفاع الكلف عليهم نتيجة طول فترة الحجر.
وتابع المصدر ذاته أن اللجنة المختصة بالكشف على باخرة نقلت إحدى الشحنات في العقبة وجدت عدم مطابقة جزء من أرقام الخراف التي تم فحصها في أثيوبيا مع الخراف التي وصلت إلى المملكة مضيفاً انه تم مشاهدة حشرة "القراد" على متن ذات الباخرة وهذه الحشرة تنقل المرض بين الخراف بواسطة الدم.
وزارة الزراعة تحاول جاهدة إخفاء المعلومات عن وسائل الإعلام والتعتيم على القضية إذ حاولت عمون جاهدة الحصول على رد إلا أنها لم تنجح في ذلك.
وتبقى تساؤلات برسم إجابة وزارة الزراعة:
لماذا تراجع وزير الزراعة عن قراره بوقف الاستيراد بعد 48 ساعة؟
لماذا تغلقون باب الاستيراد من روسيا بسبب وجود بؤرة صغيرة من الحمى القلاعية بعيدة عن روسيا مسافة 2000 كم وتسمحون بالاستيراد من اثيوبيا المليئة بالامراض والاوبئة؟
ماذا اتخذتم من اجراءات بحق التجار الذين خالفوا التعليمات بعد بيع الاغنام وضرورة ذبحها في المسالخ المعتمده؟
ما هو السبب القاهر الذي دفع الوزارة للاستيراد من دولة عليها مئات علامات الاستفهام مثل اثيوبيا؟
أين الوثائق التي تدل على قيام الوزارة بفحص كل رأس على حدة من الماشية المستوردة وما هي الأمراض التي تم التحري عنها؟