في بلد لا زال اهله يقسمون على رغيف الخبز ، ويحلفون بالنعمة ، تكون ملامح الورع والتقوى مدخلا للقبول الاجتماعي ونقطة تحسب لصالح الفرد ، لكن طيبة اهلنا لم تمنع الجناة من الاعتداء على هذا الوجدان الطيب الذي لا زال يسمى الراتب «معاشا».
فقد اختار سارق المكاتب في الزرقاء توقيتا مقدسا لجرائمه وهو وقت «آذان الفجر» وهذا ما ساهم كما يقول مصدر في البحث الجنائي الى تكرار عملية السرقة لـ(75) حادثة وسط متابعة حثيثة من رجال الامن العام لفك هذا اللغز.
الجاني الذي ارتدى ثوب رجال الدين ، في سرقاته كان يمر من امام دوريات الامن الراجلة والمحركة دون خوف ، وكلما اوقفته دورية كان يجيبها بانه ذاهب لاداء صلاة الفجر ، ويقول المصدر ان اكثر من دورية اوقفت الجاني الذي يحتفظ بسجل خالي من الجرائم مما سهل عليه عملية المرور بل ان كثيرا من الدوريات كانت تنهي مراجعتها الامنية على اسمه بجملة «ادع لنا يا شيخ».
تكرار مشاهدة الجاني بالقرب من العمارات التي تسرق مكاتبها دفعهم للشكوك ، خاصة وان الجاني احترف سرقة المكاتب بعد رصدها نهارا ومعرفة موجوداتها من اجهزة حاسوب وهواتف ومقاسم فهو متخصص بالاجهزة التقنية وبما يوجد في المكاتب من مبالغ مالية ان وجدت
ظاهرة الحكم على الاشخاص من مظهرهم الخارجي ما زالت مستفحلة في مجتمعنا الطيب الذي ينحاز الى ملامح الورع والتقوى اولا وقبل اي مظهر خارجي حتى لو كان باديا عليها الثراء ، فالمجتمع ما زال يمنح رجل الدين او الملتزم دينيا ميزة خاصة تتطابق مع وجدان الناس المؤمن.
المظهر الخارجي كمدخل للحكم على الافراد يرفضه الدكتور توفيق درادكة استاذ الطب النفسي في جامعة العلوم والتكنولوجيا ومستشفى الملك المؤسس لانه ادارة لا يمكن قياسها ويصعب تمييز الافراد تبعا لمظهرهم الخارجي.
ويضيف ان الشخصية «اللاجتماعية» وهي الوصف العلمي لشخصية السارق او المنحرف تتمتع عادة بذكاء حاد وهنا يفجر الدكتور الدرادكة قنبلة بأن «لورنس العرب» كان احدى هذه الشخصيات ويقول ان كثيرا من الدراسات الاجتماعية المنشورة في لندن تؤيد ذلك حيال «لورنس».
وبالعودة الى التفسير العلمي فان هذه الشخصيات التي تعتمد على المظهر الخارجي لتقديم ذاتها غالبا ما تعاني من افراط ومبالغة في رسم شخصيتهم الافتراضية فهم من دواخلهم يقومون بكل الاعمال التي تنافي الاخلاق والعادات ولكنهم من الخارج يرسمون شخصية اخرى تماما ولا يستبعد الدكتور الدرادكة ان تكون هذه الشخصية قد ارتكبت خطأ متعمدا يفضي الى الامساك بها حتى يعاقب نفسه ، وهذا جزء من حالة مرضية تؤدي بالمجرم الى الشعور بالذنب وتاليا ارتكاب الاخطاء.
مسلسل التكاذب او التجمل لن تتوقف قاطرته عند لص الزرقاء وعليه فان الجميع مطالب بأن يخرج المظهر الخارجي من دائرة حساباته في الحكم على الاشخاص. الدستور