عند إلقاء نظرة فاحصة في تاريخ مصر عبر العصور سوف نجد أن هناك بونا شاسعا بين القاعدة الشعبية والحكام في العصور المختلفة .
بل إن هناك مدرسة تاريخية كبيرة تقول أن مصر لم يحكمها مصريون سوى فترات قليلة، فمن عصر الهكسوس إلي الإحتلال الفرنسي والإنجليزي، ومنذ أن عرف الفرس طريقهم إلي مصر في نهاية عصر الأسرات، حتي العصر الحديث، لم يتمكن المصري من حكم بلادهم. ولو نظرنا للتاريخ العثماني ، سنجد مدرستين، إحداهما تعتبر دولتهم غزوا استعماريا للبلاد المصرية، وهي في الغالب مدرسة ذات ميول غربية، ومدرسة أخرى ترى أن دولتهم خلافة إسلامية، انتصرت على الغزو الإستعماري، ولكنها أصيبت في أخريات حياتها بالضعف والوهن، فأصبحت مستباحة للجيوش الغربية . ألباني يحكم مصر لاحظنا هتافات بعض الشباب الإسلاميين بعودة الخلافة العثمانية، والتي تواكبت مع زيارة رئيس الوزراء التركي رجب أردوجان لمصر ، وهو ما يذكرنا بتولى محمد علي الألباني حكم مصر برضا الشعب، في ظل غياب رمز وطني فاعل. ويذكرنا ذلك بمجيء محمد علي كضابط ألباني متطوع في الحملة العثمانية لإخراج الفرنسيين، وموافقة المصريين على توليه أمرهم آنذاك. ولنستعيد القصة من بدايتها .. بعد أن ترهلت الدولة العثمانية ، شرعت فرنسا في إقامة مشروع استعماري لها في المنطقة – من خلال مصرـ مع نهاية القرن الثامن عشر . وقد أخفق المشروع الفرنسى بسبب تدخل إنجلترا ، التي كان لها مصالح متنامية مع الدولة العثمانية والمنطقة العربية ، ومع ذلك ظل للمشروع الفرنسى تأثيره الواضح على القوى السياسية الحاكمة فى مصر وكذلك القوى الاستعمارية المتطلعة إليها (1). و بعد جلاء الفرنسيين نهائيًا عن مصر عاد التنافس الذي كان بين المماليك وخاصة بعد وفاة مراد بك في إبريل عام ١٨٠١، فانحصرت المنافسة على الزعامة في ذلك الوقت بين "عثمان بك البرديسي" و"محمد بك الألفي" ولكن رغم ذلك عمل العثمانيون على تنصيب "محمد خسرو باشا" واليًا على مصر في يناير ١٨٠٢، ولكنه فشل في مهمته حيث دار الصراع بين قواته والمماليك كما ثار عليه طائفة الارناؤود ( الألبانيين) بقيادة "طاهر باشا" . وفي ٦ مايو ١٨٠٣ أعلن العلماء والمشايخ اختيار طاهر باشا قائم مقام ولكنه لم يظل طويلاً حيث تم اغتياله في مايو عام ١٨٠٣ على يد الانكشارية. فتولى بعده "محمد على" قيادة الحامية الألبانية في ١٨٠٣ وكانت مصر في حالة من الفوضى، فرأى محمد على أن عليه التحالف مع "عثمان بك البرديسى" للتخلص من الحاكم العثماني الجديد "أحمد باشا" والزعيم المملوكي المنافس "محمد بك الالفى" وبالفعل تمكن محمد على من هذا التحالف من طرد الوالي أحمد باشا بعد أن حكم يوم واحد (2). بعدها بدأت سلطة محمد على تظهر في الميدان، وبعد حوالي شهر اختلف مع البرديسي الذي أحدثت فداحة ضرائبه ثورة في القاهرة. فانتهز محمد على هذه الفرصة لمصلحته، وانضم إلى المشايخ وكسب عطف الشعب وثقة علمائه ، فأسقط جميع الضرائب ، وأمر جنوده بمهاجمة المماليك بالقاهرة فخرجوا منها وذهبوا إلى الصعيد، ونجح بعد ذلك في تعيين خورشيد باشا محافظ للإسكندرية واليًا على مصر وكان خامس من تولى ولاية مصر في خلال سنتين. واستمرت الحرب بعد ذلك سجالا بين المماليك وجنود الوالي ومحمد على إلى أن ارتدوا عن القاهرة وانسحبوا مرة ثانية إلى الصعيد. وبعد مطاردة المماليك إلى الصعيد انهار التحالف القائم بين محمد على وخورشيد.