من جهته قال الشاعر فاروق جويدة كنا نظن أن الأجيال القادمة يمكن أن تحظي بسلام عاجل في هذه المنطقة من العالم ولكن الواضح أن الكل سوف يدفع الثمن من المستقبل والحاضر أيضا. ما يحدث في غزة الآن في تقديري الشخصي سوف يغير أشياء كثيرة ليس في هذه المنطقة ولكن علي مستوي العالم كله، فمنذ وقعت مصر معاهدة كامب ديفيد ونحن لا نتحدث إلا عن السلام حتي تصورنا لفترة أو لزمن ما أن السلام أصبح حقيقة وكل شىء قد انتهي وعلي شعوب المنطقة أن تنعم في ظل هذه الكلمة الجميلة بكل ما فيها من بريق.
واستدرك قائلا: لكن الواضح الآن مما يحدث في غزة أن علي كل عاصمة عربية أن تنتظر دورها في هذه المشنقة الجماعية، وأن هذا السلام الذي توهمه البعض في يوم من الأيام لم يكن إلا أكذوبة كبري أمام مجتمع انتهازي حول كل أحقاد السنين وافرغها في شعب اغتصبت أرضه واغتصب تاريخه.
وأضاف جويدة أن ما يحدث في غزة بداية جديدة لمرحلة جديدة علينا أن نعيد فيها ترتيب أوراقنا حتي نحمي أطفالنا مما يحدث الآن. كل أم في هذا الوطن يجب أن تفكر مائة مرة وهي تري شهداء غزة. ربما كانت الأجيال الحالية لا تتذكر ما حدث في بحر البقر، قانا، صبرا وشاتيلا، ودير ياسين، وما كان يحدث في مدن الاسماعيلية وبورسعيد.
واعتقد جويدة أن هذه الصورة للدولة المسالمة التي تسمي إسرائيل صورة كاذبة وينبغي أن توضع في أرشيف التاريخ وفي ظل مستقبل آخر نقدر فيه علي حماية أبنائنا ووطننا ؛ لأن قدرنا أن نتجاور مع عدو لا يعرف رحمة ولا إنسانية . إسرائيل ستبقي مصدر تهديد لهذه الأمة، ولا يعقل أن نستسلم بهذه الصورة لمجموعة أكاذيب وشعارات تحدثت فترة طويلة من الزمن عن أكذوبة اسمها السلام العربي الإسرائيلي!
بدأ الشاعر قراءاته بآخر قصيدة كتبها بعنوان "حفلة وداع لبوش.. ارحل وعارك في يديك" لهذا الرجل الذي لم يفسد دولة وإنما أفسد الكون بأكمله، على حد وصفه.
شهداء في المجزرة
ارحل وعارك في يديك
كل الذي أخفيته يبدو عليكْ
فاخلع ثيابك وارتحل
اعتدتَ أن تمضي أمامَ الناسِ دوماً عارياً
فارحل وعارُكَ في يديكْ
لا تنتظر طفلاً يتيماً بابتسامته البريئة
أنْ يقبلَ وجنتيكْ
لا تنتظر عصفورةً بيضاءَ تغفو في ثيابكَ
ربما سكنتْ إليكْ
لا تنتظر أمََّا تطاردها دموع الراحلينَ
لعلها تبكي عليك ْ
لا تنتظر صفحاً جميلاً
فالدماء السودُ مازالت تلوث راحتيكْ
وعلي يديكَ دماءُ شعبِِ آمنِِ
مهما توارتْ لن يفارق مقلتيكْ
كل الصغار الضائعين
علي بحارِ الدم في بغدادَ صاروا..
وشمَ عارِِ في جبينكَ
كلما أخفيته يبدو عليكْ
كل الشواهد فوقَ غزةَ والجليلَ
الآن تحمل سخطَها الدامي
وتلعنُ والديكْ
ماذا تبقي من حشودِ الموتِ
في بغدادَ.. قلْ لي
لم يعد شيء لديك
هذي نهايتك الحزينة
بين أطلال الخرائبِ
والدمارُ يلف غزةَ
والليالي السودُ.. شاهدةً عليكْ
ارحلْ وعاركَ في يديكْ
هذي سفينَتك الكئيبةُ
في سوادِ الليلِ ترحلُ
لا أمانَ.. ولا شراعْ
تمضي وحيداً في خريف العمرِ..
لا عرشٌ لديكَ.. ولا متاعْ
لا أهَل.. لا أحبابَ.. لا أصحابَ
لا سنداً.. ولا أتباعْ
كلُّ العصابةِ فارقتكَ إلي الجحيمِ
وأنت تنتظرُ النهايةَ..
بعد أن سقط القناعْ
الكونُ في عينيكَ كان مواكباً للشرّ..
والدنيا قطيعٌ من رعاعْ
الأفق يهربُ والسفينةُ تختفي
بين العواصفِ.. والقلاعْ
هذا ضميرُ الكون يصرخُ
والشموعُ السودُ تلهثُ
خلفَ قافلةِ الوداعْ
والدهر يروي قصةَ السلطانِ
يكذبُ.. ثم يكذبُ.. ثم يكذبُ
ثم يحترفُ التنطُّع.. والبلادةَ والخداعْ
هذا مصيرُ الحاكمِ الكذابِ
موتٌ.. أو سقوطٌ.. أو ضياعْ
.. ويقول
أطفالُ غزة يرسمونَ علي
ثراها ألفَ وجهِِ للرحيلِ..
وألفَ وجهِِ للألمْ
الموتُ حاصرهم فناموا في القبورِ
وعانقوا أشلاءهم
لكن صوتَ الحقِ فيهم لم ينمْ
يحكون عن ذئبِِ حقيرِِ
أطلقَ الفئرانَ ليلاً في المدينةِ
ثم أسكره الدمارُ
مضي سعيداً.. وابتسمْ..
في صمتها تنعي المدينةُ
أمةً غرقتْ مع الطوفانِ
واسترختْ سنيناً في العدمْ
يحكون عن زمن النطاعةِ
عن خيولِِ خانها الفرسانُ
عن وطنِِ تآكل وانهزمْ
والراكعون علي الكراسي
يضحكون مع النهاية..
لا ضميرَ.. ولا حياءَ.. ولا ندمْ
وألقي جويدة قصيدته "مت صامدا" لروح شهداء غزة وفلسطين، وفيها يقول:
مت صامدًا......
واترك عيون القدس تبكي
فوق قبرك ألف عام...
قد يسقط الزمن الردئ
ويطلع الفرسان من هذا الحطام
قد ينتهي صخب المزاد....
وتكشف الأيام أقنعة السلام
إن نامت الدنيا...
وضاع الحق في هذا الركام
فلديك شعب لن يضل ..ولن ينام..
مت صامدًا..
واترك نداء الصبح يسري هادرًا
وسط الجماجم والعظام
اترك لهم عبث الموائد
والجرائد والمشاهد والكلام
اترك لهم شبق الفساد
ونشوة الكهان بالمال الحرام
وأطلق خيولك من قيود الأسر
من صمت المآذن
والكنائس والخيام
إن الشعوب و إن تمادي الظلم
سوف تدق أعناق
السماسرة العظام
إن الشعوب وإن توارت
في زمان القهر
سوف تطل من عليائها
ويعود في يدها الزمام
فارفع جبينك نحو ضوء الشمس
إن الصبح آت
لن يطول بنا الظلام
"الخيول لا تعرف النباح" كانت القصيدة الثالثة التي ألقاها جويده في أمسيته وفيها يقول:
المقاومة الفلسطينية
أتيتُكِ نهرا حزينَ الضفافِ
فلا ماءَ عندي..ولاسنبله
فلا تسألي الرّوضَ كيف انتهيتَ
ولا تسألي النهر من أهمله
أنا زهرةٌ من ربيعٍ قديم..
أحَبَّ الجمال..وكم ظلله
حقائب عمري بقايا سراب
وأطلالُ حلمي بها مهملة
وجوهٌ على العينِ مرَّت سريعا
فمن خان قلبي..ومن دلله
ولا تسألي الشعر من كان قبلي
ومن في رحاب الهوى رتّله
أنا عابدٌ في رحاب الجمال
رأى في عيونك ما أذهله
يقولون في القتلِ ذنبٌ كبيرٌ
وقتل المحبينَ مَن حلّلَه
أناديكِ كالضوء خلف الغيوم
وأسأل قلبكِ من بدلَّه
وأصبحتُ كالنهر طيفا عجوزا
زمانٌ من القهرِ قد أثقله
فهذا الحريق الذي في يديكِ
يثير شجوني ..فمَن أشعله
وهذا الشموخ الذي كان يوما
يضيء سماءكِ مَن أسدله
أعيدي الربيع لهذي الضفاف
وقومي من اليأس..ما أطوله
فخير الخلائق شعبٌ عنيد
إذا ما ابتدا حلمهُ..أكمله..
***
تعالي أحبُّكِ ما عاد عندي
سوى الحب والموت والأسئلة
فما كان مني..وما كنت له
خيولٌ تعرَّت فصارت نعاجا
فمن روّج القُبحَ..ومَن جَملّه
ومن علَّم الخيلَ أنَّ النباحَ
وراء المرابينَ..ما أجمله
هنا كنَّا بالأمس صوتُ الخيولِ
على كل باغٍ له جلجله
فكم أسقط الحقُّ عرشَ الطغاة
وكم واجَهَ الزيفَ كم زلزلة
فكيف انتهى المجدُ للباكياتِ
ومن أخرس الحقَّ..من ضلله
ومن قال أن البُكا كالصهيل
وعدو الفوارس كالهروله
سلامٌ على نسر جسور
يرى في سماءِ العلا منزله
واختتم الشاعر الأمسية برائعته "اغضب" والتي تقول:
مظاهرات غاضبة حول العالم
اغضب فإن الله لم يخلق شعوباً تستكين
اغضب فإن الأرض تـُحنى رأسها للغاضبين
اغضب ستلقىَ الأرض بركاناً ويغدو صوتك الدامي نشيد المُتعبين
اغضب
فالأرض تحزن حين ترتجف النسور
ويحتويها الخوف والحزن الدفين
الأرض تحزن حين يسترخى الرجال
مع النهاية .. عاجزين
اغضب
فإن العار يسكـُنـُنا
ويسرق من عيون الناس .. لون الفرح
يقتـُل في جوانحنا الحنين
ارفض زمان العهر
والمجد المدنس تحت أقدام الطغاة المعتدين
اغضب
فإنك إن ركعت اليوم
سوف تظل تركع بعد آلاف السنين
اغضب
فإن الناس حولك نائمون
وكاذبون
وعاهرون
ومنتشون بسكرة العجز المهين
اغضب
إذا صليت .. أو عانقت كعبتك الشريفة .. مثل كُل المؤمنين
اغضب
فإن الله لا يرضى الهوان لأمةٍ
كانت - وربُ الناسِ- خير العالمين
فالله لم يخلق شعوباً تستكين
ويقول :
اغضب
فإن بداية الأشياء .. أولها الغضب
ونهاية الأشياء .. آخرها الغضب
والأرض أولى بالغضب
سافرت في كل العصور
وما رأيت .. سوى العجب
شاهدت أقدار الشعوب سيوف عارٍ من خشب
ورأيت حربا بالكلام .. وبالأغاني .. والخـُطب
ورأيت من سرق الشعوب .. ومن تواطأ .. من نهب
ورأيت من باع الضمير .. ومن تآمر .. أو هرب
ورأيت كـُهانا بنوا أمجادهم بين العمالة والكذب
ورأيت من جعلوا الخيانة قـُدس أقداسِ العرب
ورأيت تيجان الصفيح تفوق تيجان الذهب
ورأيت نور محمد يخبو أمام أبى لهب
فاغضب فإن الأرض يـُحييها الغضب
اغضب
ولا تُسمع أحد
قالوا بأن الأرض شاخت .. أجدبت
منذ استراح العجز في أحشائها .. نامت ولم تُنجب ولد
قالوا بأن الله خاصمها
وأن رجالها خانوا الأمانة
واستباحوا كل عهد
الأرض تحمل .. فاتركوها الآن غاضبة
ففي أحشائها .. سُخط تجاوز كل حد
تـُخفى آساها عن عيون الناس تـُنكر عجزها
لا تأمنن لسخط بركان خمد لو أجهضوها ألف عامٍ
سوف يولد من ثراها كل يومٍ ألف غد