يقدم الشيخ همام سعيد زعيم النسخة الأردنية من الأخوان المسلمين خدمة سياسية جليلة لسلطات بلاده وهم ينسجم معها لأول مرة تقريبا في الموقف من الملف السوري حيث يرفع كبير الأخوان المسلمين في عمان الفيتو في وجه أية أفكار حول تدخل أجنبي في سوريا لكنه يقترح التجهيز لقوات عربية لوقف شلال الدم النازف كما قال محذرا من تدويل الأزمة وتدخل الأجانب.
ويمكن ببساطة رصد مساحات الإشتراك والتناغم بين موقف الشيخ سعيد والموقف الرسمي لبلاده فكلاهما يبحث اليوم بتفاصيل ما بعد رحيل وتنحي الرئيس بشار ألأسد ,والإختلاف على بعض التفاصيل فبعد ساعات فقط من ولادة تصريحات ومقترحات الشيخ سعيد عبر الموقع الإلكتروني للجماعة الأخوانية خرج وزير الخارجية ناصر جوده ليكمل حلقة نصائح التنحي الشهيرة التي أصبحت سقفا للعمل العربي المشترك اليوم مبديا الإستعداد أردنيا للمشاركة في الحفلة .
والحفلة هنا هي مراقبة الوضع الداخلي في سوريا فالوزير جوده أعرب عمليا عن إهتمام عمان بأن تكون جزءا من حلقة الرقابة على الوضع الداخلي إذا ما قررت الجامعة العربية ذلك خصوصا بعدما فضل رئيس الوزراء البريطااني العمل ضد النظام السوري عبر لافتة الجامعة العربية مع إرجاء مقترحات أردنية تحدثت عنها صحيفة الغارديان وتمثلت في تشكيل لجنة عمل مشتركة بين الغرب والعرب.
إذا تعكس تطورات الملف السوري على الواجهة الأردنية تناغما مباشرا يقترب من مستوى الكيمياء بين الأخوان المسلمين والسلطات الأردنية بحكم مستجدات الموقف من النظام السوري وهي مستجدات تناسب تماما مقاسات الحركة الإسلامية الوطنية التي مالت بوضوح مؤخرا للهدوء و(ترشيد) حراك الشارع داخل المملكة حتى تضمن نجاح الأجندة السورية الجديدة التي يرى البعض بان النظام الأردني يجازف ويغامر وهو يتصدى لرهاناتها.
لكن السقف الأخواني الجديد الذي يعبر عنه الشيخ سعيد يمكنه التحول إلى قاعدة إنطلاق للتفاهم على الملف السوري ولو تكتيكيا فالأردن يعارض علنا أي عمل عسكري من أي نوع ضد النظام السوري لكن مؤخرا لوحظ بأنه زاد من نشاطه عبر قواعد العمل العربي ومؤسساته وبدأ يناور ويبادر بشكل يرضي الأخوان المسلمين عمليا ويدفعهم للتعاون حتى في الملفات الداخلية المثيرة للإشكال والخلاف.
وفي الأثناء يتأسس موقف شعبي عام في الأردن يعبر عن جوهر موقف غالبية الإتجاهات لحماية التحول الرسمي الأردني الذي يطالب الرئيس بشار الأسد بترتيب أوراق النظام ولم تعد ترعى محاولات الرد عليه عبر إستهداف السفارة الأردنية في دمشق التي تبقى كما يفيد مصدر دبلوماسي مطلع تحدث للقدس العربي قناة للإتصال والتواصل يمكن إستخدامها عند الحاجة القصوى.
ويعبر هذا التبلور عن نفسه بالتناغم الملموس والعلني مع الأخوان المسلمين بخصوص الملف السوري وكذلك بالبيان الصادر عن مجلس التنسيق الحزبي الأردني الذي يضم خمسة أحزاب قررت السبت بأن النظام السوري الحالي فقد شرعيته ولا بد من رحيله .
وهذه التناغمات بين الموقفين الرسمي والشعبي عمليا توسع دائرة المعارضة في الأردن لنظام الرئيس السوري وتقلص من نفوذ نخبة مثقفين بعثيين ويساريين وقوميين شكلوا منذ أشهر لجنة نشطة لمناصر الرئيس بشار الأسد بعنوان التصدي للمؤامرة على سوريا وهي لجنة خف حضورها ونشاطها الجماهيري مع توسع قاعدة الإنتقاد الشعبية لتصرفات النظام السوري.
في الوقت نفسه لا يبدو أن الحدود الأردنية السورية يراد لها أن تتأثر بالتحولات الأخيرة في موقف عمان ويبدو أن دمشق إشترت ولو تكتيكيا ومؤقتا الرواية الأردنية للأحداث او تحاول قدر الإمكان (ملاعبة) الأردنيين وإبقاء القنوات مفتوحة معهم حتى تتكشف المزيد من خيوط اللعبة ما دامت عمان تتحدث في الكواليس عن رفضها لإقامة منطقة عازلة جنوب سوريا.
وبسبب تكتيك التربص والإنتظار السوري يعتقد بأن دمشق عادت وسمحت نهاية الأسبوع الماضي لنحو 400 شاحنة أردنية بالعبور وسعت لإظهار حسن النوايا وتجنبت مفاجآت سيئة أو إجراءات حدودية عقابية على الحدود وسط أنباء بأن دمشق تلقت شروحات أردنية لفكرتها حول (التنحي) مما دفع الرجل الثاني في الخارجية السورية فيصل مقداد للإعتذار فقط للأردن دون غيره عن إقتحام سفارته كما دفع لاحقا لإستثناء مفاجيء لمقر السفارة الأردنية في موجة الهجوم التالية على السفارات والتي تطالت ست سفارات عربية وأجنبية شائت الصدف أن لا تكون الأردنية بينه