تجلى الأداء الكوميدي للفنان أحمد حلمي وظهرت إمكانياته الفنية في أفلامه السابقة 'عسل اسود، ألف مبروك' عندما كان هناك سيناريو جيد يجمع في خفة ورشاقة بين المضمون الهادف والفكرة المبتكرة ويسمح للبطل باستعراض ملكاته ويزيد من قدرة المخرج على تطويع الممثل والإمساك بكافة الخيوط الدرامية ليصب الناتج الايجابي في صالح الفيلم وينعكس ذلك بالطبع على الجمهور فيخرج من قاعة العرض مملوءا بالفكرة مبهورا بالأداء.
لقد استطاع حلمي ان يغير مفهوم الكوميديا في السنوات الأخيرة ويذكرنا بتجليات الفنان العربي الكبير دريد لحام في أفلامه المتميزة 'الحدود، التقرير، الآباء الصغار'.
ذلك أن الأخير لم يتعامل مع الكوميديا بمنطق 'المهرج' الذي يبذل قصارى جهده ليضحك الناس بأي شكل، وفي النهاية يظل كما هو مجرد 'مهرج'! أي أن الضحك على أي شيء وفي أي وقت ليس هو الهدف ولن يكون مبررا لقبول السخافات، للأسف الشديد إنساق أحمد حلمي وراء هذه الغاية وتنازل عن الكثير من قناعاته في فيلمه 'إكس لارج' ظناً منه أن كتابات أيمن بهجت قمر هي الأقرب الى روح الشباب والأجواء الحالية للسينما، ولا ننكر أن بعضاً من هذا الظن يمكن أن يكون في محله ولكن العبرة فيما يتوافق مع الذوق العام من إبداع قمر الخفيف فليس معنى أنني أخاطب الشريحة الشبابية أن أتفه الأشياء وأسطحها واتخذ من النموذد الكاريكاتيري موضوعا أمط وأنفخ فيه كي يتحول بالقوة الى فيلم مدته ساعتان مع إن الفكرة كلها لا تحتمل أكثر من عشرة دقائق ويكفي أن تكون حشوا لفيلم من النوع التجاري المتداول بالأسواق، غير أن رغبة الثلاثي المخرج والسيناريست والبطل في تحويل الهزل الى كوميديا فرضت علينا القبول بالأمر الواقع وظللنا متسمرين على الكراسي في انتظار الجديد بالأحداث التي بدأت بأزمة الشاب البدين وانتهت به دون أي تطور أو الخروج من الدائرة الدرامية الضيقة جدا التي حبس فيها السيناريو البطل وحدد تحركاته في المنطقة ما بين شقته وبيت خاله ومطار القاهرة وصولاً إلى المقابر وفي كل مرة يذهب محملاً بالمأكولات والمشروبات والمشهيات حتى في شهر رمضان لم يتخل 'مجدي' عن عاداته السيئة في التهام كل ما تطوله يداه، إشارات غير بليغة للإفراط في الأكل والتجاوب مع كل ما يسبب البدانة، النوم والكسل والحب من غير أمل، تلك كانت محنة أحمد حلمي أو مجدي أو عادل فالفنان الكوميدي اضطر للقيام بدورين، دور معلن تمثله شخصية 'مجدي' ودور منتحل يمثله عادل الذي يريد أن يثير إعجاب دنيا سمير غانم من غير أن يعترف لها من أن مجدي هو نفسه عادل الشاب الذي يتساوى طوله مع عرضه والذي استقبلها في المطار عند عودتها من أمريكا مدعياً أنه صديق مجدي الذي يراسلها يوميا على النت، حكاية طويلة عريضة تصلح لأن تكون مسلسلا لأنها تحتاج الى حلقات للشرح والتفسير، ناهيك عن بقية الشخصيات، خال البطل ابراهيم نصر الذي يظهر فجأة في الكادر دون سابق انذار ويختفي فجأة من غير استئذان ويموت ايضاً فجأة دون أن يترك أثرا الحزن أو الفرح!
أما الأصدقاء إيمي سمير غانم الباحثة عن عريس بأي مواصفات لطرد شبح العنوسة فهي الأكثر حيوية بين بقية الشخصيات الثانوية والأساسية، حيث تتلون وتتحول حسب الطلب، مرة فتاة متحررة 'آخر حاجة' ومرة شابة مسلمة قابضة على جمر الطاعة والالتزام، وعند الضرورة بنت عادية مطيعة ترغب في الزواج ولديها الاستعداد للتنازل عن الشبكة والمقدم والمؤخر، تنويع فكاهي على أزمة العرسان وحالات الزواج عن بعد التي تتراجع شروطها قسرا بحكم القوانين الجديدة التي تسنها الفرص المتاحة على الشبكة العنكبوتية، وهذه جزئية كان بإمكان المخرج شريف عرفة استثمارها لأنها تحتمل مستويات كثيرة من الكوميجيا السوداء والبيضاء و'الأورنج'.
الأفكه في فيلم 'إكس لارج' هو ذلك الغياب لأحمد حلمي بشحمه ولحمه عن الشاشة وحضوره بالصوت فقط طوال الفيلم اللهم إلا بضعة دقائق ظهر فيها بصورته الأصلية لنرى تأثير الرجيم القاسي على الشخصية الدرامية فبدا ظهوره كأنه اكتشاف جديد، حيث جرت المقارنة على مدى 0 دقيقة بين أحمد حلمي الأصل والصورة لتتأكد براعة الأداء التمثيلي من ناحية وقدرة خبراء المكياج والجرافيك من ناحية أخرى، فلولا اننا نعرف ان البطل هو أحمد حلمي ما كان يساورنا شك في أنه شخص آخر، فالمدهش حقاً تمثل في سهولة حركة الشخصية امام الكاميمرا بمنتهى المرونة كما لو أن الجسم المترهل والعضلات المرتخية لرجل يعاني بالفعل من إفراط في السمنة وليس كل ما يحمله فوق جسمه جسم إضافي تم تصميمه بعناية فائقة، ولكن يبقى هناك تشابه كبير بين الشخصية التي قُدمت في 'إكس لارج' وبين ما قدمته مي عز الدين في فيلم 'حبيبي نائماً'. قبل سنوات فكلا النموذجين يعاني من البدانة ويسعى لممارسة حياته بشكل طبيعي ويواجه في سبيل ذلك عقبات ومشكلات عويصة، وربما أدت أسبقية مي في أداء الشخصية بشكلها المضحك الساخر الى التقليل من حالة الانبهار بالنمط المقدم في 'إكس لارج' بأداء أحمد حلمي، بيد أن الاختلاف بينهما في الأجواء الكوميدية لم يميز أحدهما عن الآخر بل جعل المقارنة بينهما مقصورة على المفاضلة بين شكلين كاريكاتوريين بلا محاولة للربط بين مضمون كل منهما سواء الإنساني أو اللايت كوميدي.
ويمكن القول بأن المستخلص من التجربتين المذكورتين لا يعدو كونه نوع من التجريب والتدريب - التجريب بالمعنى الخارق للمألوف في استحداث رؤى مختلفة للمعالجات السينمائية الإنسانية وتدريب الممثل على تقمص شخصية مغايرة تماما من الناحية الشكلية والموضوعية واتباع اسلوبها في الحركة والسلوك والتفاعلات النفسية وهذا ما يعد قمة الموهبة في الإتقان وهو الجانب الذي حصل فيه أحمد حلمي على درجة الامتياز مع مرتبة الشرف كممثل لأن ما قام به من الصعوبة بمكان مزاولته لفترة طويلة لذا يتوجب علينا الاعتراف به عمل شاق وإبداع مختلف.
كما يحسب ايضا لشريف عرفة كمخرج مقدرته الفنية في السيطرة على حركة الشخصية في كل مراحلها وضبط ايقاع الفيلم، بحيث لم يحدث قصور في الجوانب الأخرى المتعلقة بالتقنيات والمؤثرة بالضرورة على الأداء العام كالديكور والموسيقى والإضاءة والملابس والإكسسوار والمونتاج والمكساج وغيرها من أوجه الصورة السينمائية، غير انه استطاع التغلب على الكثير من نقاط الضعف في السيناريو حتى جاء الفيلم بهذه الإمكانية ووصل إلى الجمهور متجاومزا الحد الأدنى من القبول.