طفت على السطح في الفترة الأخيرة المواد الصحافية التي تتناول موضوع الإساءة لكل من الطفل والمرأة في المجتمع الأردني, وتصدرت قضية الطفل يزن أحاديث الناس عبر تناول التقارير الصحافية المتابعة لحالته, إلى جانب أرقام تم الإعلان عنها في نهاية العام المنصرم, الأمر الذي يرسم في مخيلة الكثيرين الانطباع بأن ثقافة وأساليب العنف تتفشى في مجتمعنا وباتت تهدد أمن أفراده, وبالذات أطراف المعادلة الأضعف; أي النساء والأطفال, والسؤال الذي يتوجب طرحه أمام ما سبق; هل حقاً بات العنف متفشياً في مجتمعنا ?
قبل الوصول إلى الإجابة التي يملكها المعنيون في مجال العنف الأسري علينا أن نتصفح أرقام الحالات التي تعاملت معها وزارة التنمية الاجتماعية عبر مديرية الدفاع الاجتماعي التابعة لها, والتي تقوم مكاتبها بالعمل بناء على مبدأ الشراكة مع إدارة حماية الأسرة منذ العام ,1997 فيقول مساعد مدير مديرية الدفاع الاجتماعي "عامر حياصات" ل¯ "العرب اليوم" بأن دور الحماية والرعاية التابعة للوزارة تعاملت في العام 2008 مع (3190) حالة ما بين أطفال ونساء تعرضوا للعنف وواردة إليهم من إدارة حماية الأسرة, كان عدد الأطفال (أقل من سن 18 سنة) (1352) حالة, وفي العام 2007 بلغ عدد الحالات (2480) حالة, فيما بلغ العام الذي سبقه (2421) حالة.
ولا يتوقف "حياصات" عند ظاهر الأرقام بل إنه يرى أن السبب يعود إلى الوعي الذي بدأ ينتشر بين أفراد المجتمع الأردني, إلى جانب تعدد وسائل الاتصال بالجهات المعنية وبالتالي سهولة الوصول إليها, فكل ذلك أدى - حسب وجهة نظره - إلى اللجوء إلى الجهات المعنية وبالتالي إرتفاع أرقام اللاجئين إلى إدارة حماية الأسرة, وبالتالي فإنه يرى فيها مؤشراً لزيادة الوعي.
"الظاهرة لا تتنامى في فراغ" بذلك بدأت رئيسة إتحاد المراة " آمنة الزعبي" حديثها مؤكدةً أن أغلب الحالات المعنفة التي تعامل معها إتحاد المرأة كانت بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة, فالمرأة والطفل المعنفان من رب الأسرة يتعرضان للعنف بسبب الظروف الاقتصادية, معتبرة ان الفقر السبب الرئيس الذي يقف خلف ظاهرة العنف في مجتمعنا, مطالبة بعدم عزل الظاهرة عن إطارها الموضوعي, وتضيف "بأن الأرقام المعلنة لا تعبر عن الواقع فهنالك حالات أخرى لا تصل بسبب عدم الرغبة في الحديث وعدم المعرفة في وجود مؤسسات معنية بهذا الشأن"
واعتبرت أن المؤسسات الحكومية والاعلامية تتحمل مسؤولية عدم وجود التوعية لدى الناس, مشيرة إلى سعي الاعلام للحوادث الجذابة إعلامياً واحجامه عن تناول قضايا العنف بصورة موضوعية من شأنها تقديم التوعية لدى الناس.
من جهة أخرى فإن تعدد الجهات التي يمكنها تقديم أرقام عن حالات العنف يشكل عائقاً أمام تحديد واقع العنف الاسري, وحول الحاجة لأرقام موحدة من كافة الجهات العاملة في مجال الحماية من العنف الاسري لتحديد واقع العنف في مجتمعنا, قالت "الزعبي" بأن هذا مطلب مهم لكنه لا يتأتى في الوقت الحالي بسبب عدم وجود آلية موحدة تهدف تحصيل الأرقام من الجهات المختلفة, مشيرة في هذا السياق إلى عدم وجود تعاون بين الجهات, مؤكدة ضرورة تطوير آلية عمل مشترك جامعة لكل الجهات وأهمية وجود ميثاق يجمعها.
وحول ذلك تقول الأمينة العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة "د. هيفاء أبو غزالة" بأن الجهة المعنية بإصدار الأرقام المعتمدة حول العنف هي ادارة حماية الأسرة, لكنها وأثناء الحديث عن أهمية وجود إطار جامع يضمن أرقاماً تترجم واقع العنف الأسري في الأردن أشارت "أبو غزالة" إلى البرنامج الإلكتروني الداخلي الذي بدأ المجلس بإعداده بعد توجيهات جلالة الملكة الأخيرة والذي يهدف إلى ربط الوزارات والجهات المعنية في الفريق الوطني لحماية الأسرة والمتضمن تفاصيل كل حالة ترد إلى هذه الجهات الأمر الذي من شأنه الوصول إلى إحصائيات موحدة عن حالات العنف مبنية على كل الحالات التي ترد إلى الجهات على اختلافها.
وإلى جانب ذلك أكدت "أبو غزالة" توافق "حياصات" فيما ذهب إليه وتؤكد ان السبب في ارتفاع أرقام المعنفين يعود إلى انتشار الوعي في المجتمع, إضافة إلى وجود مؤسسات وآليات حماية من شأنها تقديم الرعاية والحماية. ولا يختلف معهم مدير عام المركز الوطني للطب الشرعي "د. مؤمن الحديدي" فيؤكد أن المسألة تتعلق بارتفاع الوعي لدى الناس, ويستشهد بذلك بأن الناس في الماضي كانت تعتبر أن استخدام العنف في تربية الاطفال وتعليمهم أمر طبيعي, وأكمل حديثه مشيراً إلى دراسة مسحية حديثة تناولت مفهوم العنف لدى الأطفال فاتفق الاطفال في الدراسة المسحية على أن الصراخ هو نوع من أنواع العنف, فالعنف لم يعد أمراً مقبولاً في ثقافة المجتمع الأردني, فمجتمعنا اليوم لا يتقبل فكرة أن تضرب أم ابنها في الشارع كما في السابق, وعليه فإن الحديدي يرى ان حالات العنف المبلغ عنها في العام 1989م والتي لم تتجاوز 29 حالة عنف أسري كانت مؤشراً على مدى وعي الناس, مؤكداً ان العنف كان آنذاك موجوداً لكن الوعي اللازم للوصول إلى الجهات المعنية والتبليغ ومن ثم دخول الحالة في إطار الاحصاءات والارقام لم يكن موجوداً. العرب اليوم