مرت في 28 كانون الثاني/يناير الذكرى المئوية لميلاد الرسام الاميركي جاكسون بولوك الذي ترك بصمة بالغة الأثر في الفن التشكيلي الاميركي وكان من رواد الحركة التعبيرية التجريدية. ونال بولوك شهرة واسعة وصيتا سيئا بمقادير متساوية في زمن حياته. ويعتبر بولوك فنانا تتخطى منجزاته الزمن والاتجاهات الفنية العابرة.
وحين بدأ بولوك الذي ولد في 28 كانون الثاني/يناير 1912 الرسم في ثلاثينات القرن كان الفن الاميركي التقدمي فرعا طري العود من الفن الطليعي الاوروبي. ولاحظ الرسام الاميركي ذو الأصل الأرمني ارشيل غوركي ان معاصريه التشكيليين الاميركيين لم يفهموا النماذج الاوروبية التي كانوا يستوحونها والأنكى من ذلك انهم لم يدركوا أهمية اعمالهم نفسها. وجاء بولوك وغيره من التعبيريين التجريديين مثل روثكو ودي كوننغ ونيومان من بين آخرين لاحداث انقلاب في هذا الوضع دافعين الفن التشكيلي الاميركي الى الصدارة ليكون الظاهرة السائدة في الفن العالمي ولينتقل مركز عالم الفن من باريس الى نيويورك. ولكن أهمية بولوك تتعدى تأثيره في الفن الاميركي ، كما يرى الناقد الفني البريطاني مارك هدسن.
قبل بولوك كانت اللوحات تُرسم على حامل تُسند عليه قماشة الفنان ، تنشأ فكرتها وتُنفذ ويُنظر اليها في النهاية من اتجاه واحد ، كما كانت الحال طيلة قرون. وحتى بيكاسو نفسه لم يتخل عن هذه الطريقة في الرسم. ولكن بولوك الذي كان يتصارع مع مشاكل السوريالية ويبحث عن طريقة يغور بها أعمق في الموضوع الداخلي للعمل ، بدأ يعمل على الأرض ، على قماشة مفروشة بألوان شديدة السيولة متجاوزا فكرة التأمل في الموضوع مسبقا قبل تنفيذها على القماش. وكانت لوحات بولوك ترسم باسلوب اقرب الى رش وتنقيط الألوان منه الى ضربات الفرشاة المعهودة ، وتُعلق شاقوليا كما اللوحات الأخرى. ولكن مقاربتها اثناء التنفيذ كانت تجري من زوايا متعددة في آن واحد حيث كان الرسام يقف على القماشة ويكون جسديا داخل اللوحة اثناء ابداعها. وذهب نقاد الى حد اعتبار هذا الأسلوب بأهمية المنظور عند الفنان ماساشيو وأهمية نبذ المنظور بتكعيبية بيكاسو من حيث تغيير الطريقة التي ننظر بها الى الفن والعالم. وكان ذلك تحديا للادراك البشري اثار ردود افعال واسعة وعدائية في الغالب.
ويكتب الناقد مارك هدسن في صحيفة الديلي تلغراف ان شخصية بولوك المأساوية ، بما في ذلك ادمانه على الكحول واصابته بمرض الاضطراب ثنائي القطبية وموته عن 44 عاما في حادث سيارة ، لا تنفصل عن الطريقة التي يُنظَر بها الى عمله. فان بولوك ، مثله مثل فان كوخ ، من اولئك الفنانين الذين نشعر انهم ضحوا بأنفسهم من اجل فنهم ، وندين لهم بالعرفان على ما استطاعوا انقاذه واسترجاعه من الثنايا المأزومة لروح الانسان ، وهو عرفان رومانسي ولكنه ليس تماما بلا مبرر.
وإذا كان عمل بولوك لا يصدم كما كان ذات يوم فان غالبية متذوقي الفن يودون اليوم لو كانت في غرفة معيشتهم لوحة من لوحاته. ولكن عمله ما زال يثير أسئلة ساخنة عن حدود التعبير الانساني وصوبة الانسان ومداركه.
في عام 1945 تزوج بولوك من الفنانة لي كراسنر التي مارست تأثيرا كبيرا في عمله. وفي سنة وفاته عام 1956 أُقيم معرض تأبيني لأعماله في متحف الفن الحديث في نيويورك ، ومعرض أكبر في المتحف نفسه عام 1967. واحتفت بأعماله معارض اشمل أُقيمت في متحف نيويورك عام 1998 وعلى صالة تيت غاليري في لندن عام 1999.