لعل "بانتظار غودو" اشهر تمثيل مسرحي لعالم لا يحدث فيه شيء. ولكن الانتاج الجديد لرائعة بيكيت يختلف عن كل النسخ السابقة في ان هذه أول مرة تُعرض فيها المسرحية بممثلين سود حصرا في بريطانيا.
قيل الكثير في تفسير "بانتظار غودو"، بما في ذلك تسمية المسرحية "عواء صادر عن قلق وجودي" و"مسرحية تتحدث عن لا شيء مع سبق الاصرار"، ولكن علاقتها بالعِرق تبقى علاقة شيقة ومثيرة للجدل في آن واحد. وكانت المسرحية قُدمت عام 1964 في عمق الجنوب الاميركي تضامنا مع حركة الحقوق المدنية. وكتبت صحيفة نيويورك تايمز في حينه ان هناك من يريدون ان ينظروا الى المسرحية ويروا شيئا يتعدى نهر المسيسبي. وفي النسخة الجنوب افريقية التي اقتصر جمهورها على السود عام 1976 أصبحت "بانتظار غودو" هجوما مكشوفا على نظام الفصل العنصري. وفي عهد أحدث قدمت فرقة من المملثين الاميركيين السود غودو في مدينة نيو اورليانز بعد اعصار كاترينا، حيث اكتسبت المسرحية التي تدور حول مشردين ينتظرون شكلا من اشكال الخلاص، دلالة سياسية حادة.
وفي النسخة البريطانية السوداء من المسرحية شعرت المنتجة باتريشيا كامبر بأن المسرحية يمكن ان تتواصل مع خبرة السود البريطانيين لا بوصفها احتجاجا فحسب بل ومراجعة للهوية ايضا. ونقلت صحيفة الغارديان عن المنتجة ان هناك اشارات الى التعرض للضرب والعبودية ولكن هناك زوايا اخرى ايضا مثل علاقات القوة بين الشخصيات والصداقة وحتى اللغة. وقالت كامبر انها سوداء تعود في اصواها الى منطقة الكاريبي.
وتؤكد كامبر ومخرج الانتاج الجديد للمسرحية ايان براون انهما لا يهدفان الى استحضار زمان ومكان محددين ولكن الممثلين جيفري كيسون وباتريك روبنسن يسبغان على نص بيكيت نكهة افرو ـ كاريبية غير مباشرة بحيث انهما يجعلان فلاديمير واستراغون اقرب الى رجلين في بيئة غريبة ينتظران بداية حياة جديدة من كونهما مشردين أو عابثين.
وقالت المنتجة كامبر ان هناك "ويندراش" في ركن ما من خلفية المسرحية في اشارة الى السفينة التي نقلت في عام 1948 مهاجرين من جزر الهند الغربية الى بريطانيا حيث وصلوا مفعمين بالأمل، وكان بمقدورهم ان يلقوا رحالهم في باريس أو أي مكان آخر لكن المطاف انتهى بهم في بريطانيا، كما لاحظت المنتجة.
وكل هذا ينسجم مع مزاج بيكيت، الكاتب الايرلندي الذي انتقل الى فرنسا، وتنقل في انحاء انكلترا وأوجد اسلوبا يبدو ان له اصلا ولكن ليس له جذور. وكان بيكيت يكتب بالفرنسية ثم يترجم ما كتبه الى الانكليزية.
ويرى المخرج ايان براون ان نهاية المسرحية المفتوحة على كل الاحتمالات هي سر بقائها راهنة في كل زمان، كونية احيانا وذات رؤية تنبؤية احيانا أخرى. وعندما يسأل استراغون "هل فقدنا حقوقنا؟" يجيب فلاديمير "لقد تخلصنا منها". ويقول براون ان "بانتظار غودو" لا تحوي الأشياء التي يتوقعها المرء من مسرحية ولكنها في الوقع زاخرة بالاثارة وهناك نوع من السرد.
الانتاج الجديد لعمل بيكيت الكبير من اداء فرقة تالاوا البريطانية التي تركز على تقديم اعمال المسرحيين السود بأداء ممثلين سود. ولكن عروضها لا تقتصر على اعمال الكتاب السود المعاصرين بل تشمل الأعمال المسرحية الكلاسيكية ايضا التي رغم انحسار التمييز العرقي ما زال من النادر إناطة ادوار فيها بممثلين سود. وتقول المنتجة كامبر ان المسرح البريطاني قطع شوطا بعيدا ولكنه ليس بعيدا بما فيه الكفاية مشيرة الى ان الأدوار محدودة والمنتجين ما زالوا غير مستعدين لتقديم مسرحيات من تأليف كتاب سود لا تمتثل للقوالب النمطية في تصوير عنف رجال العصابات السود أو احياء السود الفقيرة. وتقول كامبر ان هناك قضايا يتعين ان تعالج واشياء كثيرة من الضروري النقاش حولها. ومن هذه الأشياء "بانتظار غودو"، كما يؤكد المخرج براون مشددا على انه لا يريد ان يخرج المشاهد من المسرح قائلا "انه عمل رائع، وكان بلا ريب عملا رياديا في زمنه" بل يريد المشاهد ان يشعر بأنه عمل ما زال جديدا كما كان في عرضه الأول. وتقول كامبر انها المسرحية نفسها والايقاع نفسه ولكن الموسيقى تختلف بعض الشيء.
تُعرض مسرحية "بانتظار غودو" بنسختها السوداء على خشبة بلايهاوس في ليدز من 3 الى 25 شباط/فبراير.