لقطات جوية تصور غابة من ناطحات السحاب في مانهاتن. السيارات تبدو وكأنها نمل يدب عبر شبكة المدينة. البطل يقف على حافة ضيقة في واجهة البناية تبعد 20 طابقا عن الأرض. قوات الشرطة تطوق المكان، وسيارات الاطفاء تقف على أهبة الاستعداد وأطقم محطات التلفزيون تنتشر حول المكان فيما يحتشد جمهور من المتفرجين مشدودا الى ما يجري. في هذه الأثناء، في مكتب على الطابق العلوي يعبر شرير عن اعجابه بنموذج مجسم لناطحة سحاب أخرى. وفي مكان آخر يتدلى لص بلهوان في وضعية خطيرة داخل مصعد. وينذر صرير الحديد بانطلاق عربة المصعد مسرعة نحوه. وفي نهاية المطاف يلتقي البطل والشرير في مواجهة على السطح تكون ذروة الحدث.
هذه المشاهد قد تكون مستلة من مئات الأفلام الاميركية ولكنها في الواقع مستعارة من فيلم واحد هو "رجل على الحافة" من اخراج اسغر ليث وتمثيل اليزابيث بانكس وجيمي بيل وسام ورذنغتون. وهو فيلم من افلام الاثارة المعهودة لكنه على الأقل يعرض بضاعته في عنوانه. ويمكن ان نعرف الحبكة والنهاية مسبقا من هذه اللقطات. ولكن "رجل على الحافة" دليل آخر على تولع الافلام بناطحات السحاب وشغف ناطحات السحاب بالافلام. بل يذهب الناقد ستيف روز الى حد القول انهما توأمان وإن كان تاريخ ميلادهما موضع خلاف. وما يمكن قوله بثقة ان ارتفاع اسعار الأرض وتطور صناعة الفولاذ شجعا البناء العمودي في شيكاغو ونيويورك فيما كان مخترعون من امثال اديسون والأخوين لومير يحدسون ان آلات صورهم المتحركة قد تنبئ بثورة من نوع ما.
ويُقدر ان ناطحة السحاب ظهرت في اكثر من 250 فيلما. وعلى امتداد القرن العشرين كانت العلاقة بين هوليود وناطحة السحاب علاقة بسيطة تتمثل في ان للفيلم وناطحة السحاب موطنا واحدا وان هذين الرمزين الذكوريين بامتياز عملا معا لترويج فحولة اميركا في العالم، بحسب الناقد روز.
واينما كانت ناطحة السحاب ترحل كان الفيلم يتبعها، وخاصة الى آسيا حيث توجد الآن تسعة من أعلى عشرة مبان في العالم. وبرعت هوليود في توظيف برج خليفة المؤلف من 163 طابقا في دبي لإنجاز النسخة الأخيرة من مسلسل "المهمة المستحيلة" الذي زادت ايراداته من شباك التذاكر حتى الآن على 500 مليون دولار وما زال العد مستمرا. وكانت دبي من أكبر ممولي الفيلم ويبدو ان استخدام برج خليفة كان احد شروط التمويل، كما افادت صحيفة الغارديان. وبالتالي فان البرج يظهر في لقطات متعددة من زوايا مختلفة، خارجية وداخلية. كما استضافت دبي حفل افتتاح العرض الأول لهذا الفيلم "المحلي" بحضور توم كروز وحشد من النجوم ووسائل الاعلام خلال مهرجان دبي السينمائي في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
ويبدو ان هوليود حيثما يُنجز بناء ناطحة سحاب في آسيا تهرول اليها للقفز من اعلى طابق فيها. وفي النسخة السابقة من "المهمة المستحيلة" قفز كروز ايضا من ناطحة سحاب، في شنغهاي هذه المرة. وقبل ذلك شاهدنا شون كونري وكاترين زيتا جونز يتدليان من برج بتروناس في العاصمة الماليزية كوالا لامبور حين كان البرج أعلى مبنى في العالم. ويمكن القول ان من المحطات المتميزة في اضفاء طابع ذكوري على الرأسمالية الاميركية بتوظيف ناطحة السحاب فيلم داي هار (أو الموت الصعب) بنسخته التي أُنتجت عام 1988. فان الفيلم قرر ان يعيد تسمية ناطحة السحاب المخطوفة ليكون اسمهما ناكاتومي بلازا ويمنحها مالكا يابانيا رغم ان المبنى هو في الواقع فوكس بلازا واحداث الفيلم تدور في لوس انجيليس.
ويصف الناقد ستيف روز ناطحة السحاب في افلام هوليود بأنها رمز سينمائي للمؤسسة الرأسمالية التي لا وجه لها، يمضي متساوقا مع شر مستطير وتعويض قضيبي مفرط مشيرا الى ان فيلم "رجل على الحافة" يأتي تأكيدا جديدا لذلك. فان ناطحة السحاب التي يقف البطل على حافة مبناها هي مُلك الشرير الرئيسي في الفيلم، الذي لديه نموذج مجسم لناطحة سحاب أخرى يريد بناءها. وزيادة في الرمزية الذكورية فانه يدخن سيجارا ضخما. ولكن رغم كل الفحولة التي ترمز اليها ناطحة السحاب فان مثل هذه الافلام تقف عادة الى جانب الانسان البسيط. وان تجاور فرد وحيد ومبنى عملاق كثيرا ما يقول لنا كل ما نحتاج الى معرفته عن توجهات الفيلم. وتبدت الاثارة الموجهة الى الانسان البسيط في فيلم "رجل على سلك" الوثائقي الفائز باوسكار حيث يقهر الفرنسي فيليب بتيت مركز التجارة العالمي بالمشي على سلك بين برجيه.
وكان تدمير برجي مركز التجارة العالمي المسمار الأخير في نعش الزواج بين ناطحة السحاب الاميركية وهوليود. ومُحي البرجان رقميا من افلام مثل الرجل العنكبوت الذي فجأة بدت مشاهد تأرجح البطل بين ناطحات السحاب مشاهد عتيقة عفا عليها الزمن. ويتعين الآن اعادة ناطحة السحاب رقميا الى افلام مسرح احداثها نيويورك في زمن مضى.
في عام 2004 كتب المهندس المعماري ريم كولهاس ان ناطحة السحاب أصبحت أقل اثارة للاهتمام بتناسب عكسي مع نجاحها العملي. وانها بدلا من تطويرها جرى تعهيرها. واضاف "ان الوعد الذي كانت تبشر به ناطحة السحاب نُقض بابتذال متكرر". ويمكن قول الشيء نفسه عن هوليود. وكما ان ناطحة السحاب لا يمكن ان تتجه إلا الى الأعلى فان افلاما مثل "رجل على الحافة" تجد نفسها أسيرة اتجاه واحد يصعد من مستوى الشارع الى المواجهة المحتومة على سطح البناية.