لم يحتفل مسرحيو العراق هذا العام بيوم المسرح العالمي لسببين اولهما الظرف العام بسبب انعقاد مؤتمر القمة العربية، وثانيهما عدم اكتمال اعمار المسرح الوطني ببغداد، على الرغم من مرور وقت طويل على البدء به، وان كانت هنالك تحضيرات جارية منذ نحو شهرين لهذا اليوم لاقامة الاحتفالية وعرض مسرحيات، بل ان المسرحيين العراقيين لم يستبشروا خيرا باحتفال هذا العام كون خشبة المسرح الوطني قتلت عاملا شابا كان يعمل مع مجموعة عمال على اعمارها، وهذا ما جعلهم يشعرون بالشؤم واليأس والاحباط، وقد تكدرت نفوسهم بهذا الحادث الاليم الذي تضرجت خشبة المسرح الوطني بدم العامل البريء، وان كان هؤلاء المسرحيون يتمنون الاحتفال بهذه المناسبة التي تجمعهم ساعتها مع مسرحيي العالم وقراءة رسالة يوم المسرح العالمي التي يكتبها احد فنانيه العالميين الكبار، واستذكار اهمية المسرح للاعلان عنها بشكل صريح في العراق الذي يعاني فنانوه من عقبات كثيرة تحول دون تحقيق امنياتهم.
يقول الممثل والمخرج المسرحي فلاح ابراهيم : ماذا سأحكي في يوم المسرح العالمي، انني حزين لان مسرحي الوطني قتل مواطنا عراقيا مسكينا، اما بسبب غبائنا او بسبب جشعنا، انني حزين لان مؤتمر القمة والمرتشين سرقوا فرحتنا بيومنا الحزين والوحيد الذي نحس به اننا موجودون، وهو الاخر قد سرق، سأطلق صوتا (ههههههههههههههههههه) هذه ليست ضحكة بل عصف من داخل قلبي المتورم.
واضاف : ما الذي يمكن ان يقال بهذه المناسبة ؟ انا بالنسبة لي شعرت باليأس والملل من الكلام في هذا الموضوع، ولله طالما اشعر ان في فمي نارا من الغضب، ولكن لمن نحكي ؟ لا احد يسمعنا لا الوزير ولا الوكلاء، طالما صرخت وأتحدى احدا صرخ بقدر ما صرخت انا، ولكن كلمتي الاخيره اقولها ان جميع السياسين اما انهم ينظرون الى الفن على انه حرام او كماليات او انه عمل غير مشرف او انه حاجة للدعاية، ولهذا السبب نرى القوى السياسية تتعارك على الوزارات والوزارة الوحيدة التي تتقاذف بينهم هي وزارة الثقافة وتعتبر وزاره زائدة عن الحاجة،او تكملة عدد، وهذه هي النظرة الينا ونحن نصرح فقط ولا أحد يحترم اي تصريح لنا، وهذه هي المأساة، لاحياة لمن تنادي والله.
وتابع : انا في كمسرحي عراقي لا اعرف ماذا سأفعل في يوم المسرح العالمي، ولكنني بالتأكيد سأشبع بكاء، ولا احتفال لنا فيه، بسبب انه ليس هناك موسم مسرحي لنحتفل.
اما الفنان مرتضى سعدي فقال : لابد للمسرح أن يكون أداة قوية من اجل السلام والتعايش، والمسرح بديل قادر على تحويل الصراعات وإدارتها والظروف التي نعيشها ممكن ان تذلل من خلال سلوك ووعي الفن وطريقة الحياة مرتبة على شيئيين اما ان تقلد رجل دين او تقلد من هم ينتمون الى الفن، والاثنان يخلقان التوازن والجمال.
واضاف : اعتقد ان وجود القمة العربية والاحترازات الامنية والضغط على الشارع هي التي جعلتنا لا نحتفل بيوم المسرح العالمي على الرغم من اهميته لنا، واعتقد انه ليس خللا وانما المصادفة هي التي لعبت دورها هذه السنة بوجود القمة العربية والوضع السياسي المتشنج، ومع هذا يمكن القول ان هذا ليس عذرا لاقامة الاحتفالية، وكان يجب ان يكون هناك دافع اكبر للاحتفال حتى لو تواجد عدد قليل من المسرحيين.
وتابع : في يوم المسرح العراقي هناك فرصة للنظر الى مسرحنا العراقي الذي يحاول ان يتقدم خطوات الى الامام، وهو قادر على ذلك، ولكنه محكوم بالادارة القائمة عليه والدعم الضعيف من دولة خساراتها يوميا اكثر من 55 مليون دولار، هناك من يخلق العبث المقصود لتعثر الحركة المسرحية ولجوانب ومصالح خاصة وهناك من يحمل صليب المسرح على ظهره ليتقدم به، نحن نبحث عن فعل قوي ليحضى مسرحنا بفرصة اكبر.
اما المخرج المسرحي انس عبد الصمد فقال : تصادف ذكرى يوم المسرح العالمي مع الوضع الجديد في استقبال القمة العربية وهي ايضا بلاشك رسالة لاتختلف عن المسرح لكن يجب ان يكون الاحتفال مبهرا وان لايكون تقليديا مثل كل عام وتصدح به فرقة الفنون الشعبية كالعادة، وانا في العام الماضي شاهدت رقصة (الهجع) على خشبة الاحتفال بيوم المسرح العالمي،ترقصها فرقة اجزم واقول انها هرمت وهي في تذكر دائم لماضيها وليس لمستقبلها، ومن المفروض ان نقدم في هكذا احتفالات منهاجا مسرحيا من حفل الافتتاح وابعاد التقليعات الجاهزة مثل الرقص الشعبي، يوم 27 -3 يوم عرس عالمي للتطور، وهو لحظة مسرحية لها القدرة على البناء والتواصل للوصول الى رقي انسان معاصر اسمه المجتمع، ولا اخفيك انني عرفت ان هناك اصرارا على اقامة الاحتفال من قبل مدير المسارح وان هناك منهاجا جديدا وهو يملك من النوايا الحسنة الكثير، ولكن للظروف حكمها.
واضاف : العالم سوف يحتفل ولديه امكانيات ضخمة وصرف ميزانيات كبيرة، لانهم مومنون ان المسرح هو الحياة، العالم يحتفل ونحن نحتفل ايضا ولكن الفرق الوحيد اننا لدينا سلفة تشغيلية والاخرون يخصصون الميزانيات الضخمة للفن والثقافات، فأيننا منهم.
وتابع :لا اخفيك هناك ازمة لا نعترف بها هي انقراض المخرجين وصانعي العروض الذين ينسجمون مع متطلبات المسرح الحديث مما جعلها عاطلة ولااستثني احدا، والشي الاخر والمهم
هو ما يتصوره من يعملون في دائرة السينما والمسرح من ان الفنان في خدمتهم وهو المفروض ان يكون العكس، العالم يتجه لمسرح الصورة والحداثة ونحن لازلنا نستجدي الخمسة الاف دينار كمصرف للفنان الذي يتمرن يوم كامل.
ولان المناسبة تستحق الكثير فيمكنني ان سأستفيد مما كتبه الناقد حكمت الحاج في مراسلة له مع الفنان مقداد عبد الرضا، وهما يناقشان حال المسرح العراقي،يقول الحاج : لست أدري كيف سيتم الاحتفال عراقيا هذه السنة ومن سيلقي كلمة المسرح العراقي هذا العام في هذه المناسبة؟ ولست أدري أيضاً ماذا ستتضمن ولمن ستتوجه وبماذا ستوصي. كل ما أدريه بيقين هو إن المسرح العراقي العريق والعتيد ناضل ويناضل بشرف من أجل أن تبقى شعلة الفن الرابع متقدةً على الدوام وناشرةً نورها الوضّاء رغم كل ما قدْ مَرّ ويَمُرّ به العراق في السنوات الأخيرة، إن هذا اليوم العالمي للمسرح لهوَ مناسبة مهمة لكي نفكر في المسرح العراقي اليوم خارج نطاق أعراف المناسبة وتقاليد الاحتفال وبعيدا عن الرغبة في مجاراة الآخرين في احتفالاتهم أو في تعداد مناقبهم، فنحن لنا مسرحنا وهم لهم مسارحهم، سنلتقي معهم في المناسبة ولكن سنفترق عنهم في الهموم، سنستذكر في هذا اليوم تاريخ مسرحنا العراقي و(التأرخة) لمسرحنا العراقي، وبين التاريخ والتأريخ، بهمزة وبدونها، بون شاسع، فهل صحيح إن لدينا تاريخا موثقا موثوقا للمسرح العراقي منذ نشأته وإلى الآن؟، هل لدينا تأريخ بالنصوص المسرحية المكتوبة في العراق؟، هل لدينا تأريخ بالعروض المسرحية المقدمة على مختلف مسارح العراق؟، يجب أن نلحّ في هذا، بل يجب أن نلحّ في استذكارنا لموضوع التصدي لكتابة تاريخ دقيق وعلمي وموثق لمسرحنا العراقي، نصاً وإخراجا وتمثيلا وأزياء وديكورات ومؤثرات وإنارة و.. و.. الخ، يجب توثيق الذاكرة المسرحية العراقية وتسجيلها وتبويبها،فهي الأساس للفاعلية الفنية في الحاضر،وهي الأساس لولوج المستقبل،فهل لدينا ذاكرة مسرحية حقيقية لا تأبه بالنسيان؟، وهل نحن جميعا مدعوون إلى لملمة أشلاء ذاكرةٍ بعثرها الزمان وعبثت بها صروف الدهر وتقلبات الأيام؟، لنترك الذاكرة ولنتقدم "هنا والآن"، ولنتساءل، ونحن في مناسبة اليوم العالمي للمسرح، عن العراق المسرحي، وكيف تجلى دائماً بعظمةٍ، في فكر وعمل رواده وصانعيه ودارسيه ومدرسيه وتلاميذه ومريديه ومحبيه وجمهوره العجيب العظيم الذي ظل وفياً لخشبات المسارح رغم كل ما، وكل مَنْ، أين هم الآن؟وهل كل واحد ما زال في موقعه يؤدي ما عليه إيمانا منه بقيمة الفن العليا وبسمو الفكر الإنساني الناشد الحق والخير والجمال والعدل والسلام؟لنكن أيضاً مبتهجين هنا والآن بهذا اليوم العالمي للمسرح عراقياً، ونقول بضرورة ردّ الاعتبار وردّ الاحترام للأدب المسرحي، سواء ذلك المكتوب للقراءة، أم ذاك المكتوب بغرض التقديم المشهدي على الخشبة.
اما الفنان مقداد عبد الرضا، فقد رد عليه بالقول : صديقي حكمت : لو لم يرحل بطريقة تراجيدية احمد فياض المفرجي لكان لنا كلام اخر, المفرجي استطاع ان يجمع تاريخ المسرح العراقي ابتداءا من اول نصوصه الى ان غادر.. ما ان غادر حتى نهب هذا الارشيف ( العجيب ) كما يردد صديقنا علي عبدالامير عن ارشيفه، تبعثر احمد فياض المفرجي، وانا شخصيا مطلع عليه، وبعد الاحداث قضي على ماتبقى.. احترقت الدائرة بفعل فاعل بعد ان تم النهب المدروس لها، اما عن الكتابة للمسرح فالعملية...تشبه قصيدة كفافي : (البرابرة غادروا فلم تعد الحاجة الى الكتابة) اخرها قبل ايام.. انهارت خشبة المسرح الوطني بعد ان رصد لها مبلغ كبير من المال يقدر بمليار و 800 مليون دينار للتاهيل.. اكتمل التاهيل.. في الاسبوع الاول انهارت طاولات الكافتيرا ومقاعدها... في الاسبوع الثاني طافت الحمامات.. في الاسبوع الثالث توقفت الساعة الموجودة فوق حمام النساء (الى الان لااعرف لم وضعت في هذا المكان ؟).. اليوم الوحيد هو يوم الاثنين للتلاقي والباقي محاولات استمنائية او كما كان يقال ( الوزير رايد العمل... او القيادة) ثق ليس اكثر من هذا..، في السابق كان البرابرة يدفعون البعض.. اما الان فاحسنهم لايرفع ذبابة استقرت فوق انفه..، تعال وانظر..، اشك بقيام مسرح عراقي في الوقت الحاضر لخفة الموازين, مع جل احترامي للجميع..، لن يقنعني احد بالوضع الامني !!.