إنتهت دراسة قانونية مثيرة حول الوضع القانوني للأردني من أصل فلسطيني إلى نتائج غير مسبوقة أو لا يعرفها الرأي العام بخصوص واحدة من أكثر القضايا التي تثير نقاشا حادا في الأردن خصوصا بعد موجات الربيع العربي والحراك الداخلي.
وبينت الدراسة التي أعلنت بإسم المبادرة الأردنية لمواطنة متساوية بأن المقصود في حيثياتها هم حصريا المواطنين الأردنيين من سكان وأبناء الضفة الغربية المرتبطين بوحدة الضفتين الدستورية مع الأردن عام 1950 وليس الفلسطينيين في الخارج أو أبناء قطاع غزة.
وصدرت الدراسة عن اللجنة القانونية التابعة للمبادرة الأردنية من أجل مواطنة متساوية وبقلم الدكتور أنيس القاسم وتكشف الدراسة التي حصلت القدس العربي على نسخة منها قبل نشرها رسميا تفاصيل وحيثيات لم تكن معروفة للرأي العام في الضفتين قبل ذلك.
ووضعت الدراسة خلفية للحدث عندما سردت تفاصيل ما حصل عام 1948 حيث دخل الجيش العربي الأردني فلسطين في 19/5/1948، واعلنت الاحكام العرفيه في المناطق الفلسطينيه التي وقعت تحت سيطرة الجيش وتم تعيين عمر مطر حاكماً عسكرياً للمنطقه، واصبحت تدار بقانون الدفاع الصادر في العام 1935 , وبتاريخ 20/12/1949، صدر عن مجلس الوزراء قانون اضافي لقانون الجنسيه الاردني الصادر في العام 1928. نص التعديل في الماده الثانيه منه على ان 'جميع المقيمين عادة عند نفاذ هذا القانون في شرق الاردن او في المنطقه الغربيه التي تدار من قبل المملكه الاردنيه الهاشميه ممن يحملون الجنسيه الفلسطينيه يعتبرون انهم حازوا الجنسيه الاردنيه ويتمتعون بجميع ما للاردنيين من حقوق ويتحملون ما عليهم من واجبات'.
وقالت الدراسة :بعد مراجعة اعداد جريدة 'فلسطين' خلال فترة اصدار تعديل قانون الجنسيه، لا يوجد هناك اية اشاره الى ان وجهاء او مخاتير او رؤساء البلديات في الضفه الغربيه او بعضهم طلب من الحكومه الاردنيه اكساء الفلسطينيين بالجنسيه الاردنيه. وفي حال غياب ما ينقض هذا القول، فان النتيجه الحتميه للتعديل وهو انه تمّ فرض الجنسيه الاردنيه فرضاً على الفلسطينيين،. كما ان الاثر القانوني المباشر لفرض الجنسيه الاردنيه على الفلسطينيين هو انه تمّ – عملياً- شطب الجنسيه الفلسطينيه والتي نظمها قانون الجنسيه الفلسطيني الصادر في العام 1925.
وإستطردت الدراسة في الحديث عن تثبيت وقائع ما حصل عام 1948 ولاحقا عامي 1949 و1950 بقرار وحدة الضفتين عبر قانون الجنسية الأردنية وتعديلاته لعام 1954 الذي جاء ليكرس القناعة الدستورية بأن الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية (حازوا) على الجنسية الأردنية بقرار دستوري ناضج ويمكن ببساطة هنا حسب الدكتور علوان ملاحظة بأن مفردة (حازوا) تختلف تماما عن مفردة (منحوا) حيث كشفت الدراسة لأول مرة عن هذا الموضوع بعد إصرار عشرات السياسيين والمثقفين على (منح) السلطات الأردنية الجنسية لأبناء الضفة الغربية ,الأمر الذي أثبتت الدراسة أنه ليس صحيحا إطلاقا بسبب القوة الدستورية لتعبير (حازوا).
وتطرقت الدراسة للبعد الدستوري الإيجابي الذي وضع ضمانات في مسألة الجنسية وحتى في مسألة سحبها.
وتفحصت الدراسة خطاب الملك حسين الشهير اذي اعلن فيه بتاريخ 31-7-1988 فك الإرتباط القانوني والإداري مع الضفة ا لغربية ولاحظت بأن الملك حسين هنا تقصد بأن لا يأخذ خطابه شكل الوثيقة القانونية بمعنى ترجمته على شكل تشريع أو على شكل قرار مجلس وزراء مما يبقى الخطاب سياسيا لكن مجلس الوزراء وبعد الخطاب وبتاريخ 20-8-1988 أصدر تعليمات لاحظت الدراسة أنها لا زالت سريه، ولم تعلن لا في الجريده الرسميه ولا في بلاغ رسمي ولا عن طريق الناطق الرسمي باسم الحكومه.
وقالت الدراسة بهذا الصدد : يفهم من مجموع ما تمت لملمته من تصريحات من ان الاردنيين المقيمين عادة في الضفه الغربيه لم يعودوا اردنيين، اي انهم جردوا من الجنسيه الاردنيه في ليلة واحده دون مقدمات او تمهيد او تحذير او تنبيه. وقد تأثر من هذه التعليمات اكثر من مليوني شخص وهم المقيمون في الضفه الغربيه، اذ اصبحوا عديمي الجنسيه. حاولت الحكومه الاردنيه ان تتستر على هذه الجريمه بمقولة انهم اصبحوا 'فلسطينيين'، الاّ ان هذا القول لا يستقيم وصلاحية الدوله في تحديد جنسيه الآخرين. فالاردن يستطيع ان يحدد جنسية 'الاردني' الاّ انه لا يستطيع تحديد جنسية المصريين او الالمان او الاتراك، وبالتالي لا يملك صلاحية تحديد جنسية هؤلاء بأنهم فلسطينيون.
و من المهم ملاحظة ان سحب الجنسيه الاردنيه من مواطنين اردنيين مقيمين في الضفه الغربيه قد تمّ بالمخالفه للاجراءات الوارده في قانون الجنسيه الوارد ذكرها اعلاه، وبالمخالفه لمعايير القانون الدولي الخاصه بالجنسيه كما انه تمّ تجريد هؤلاء الاردنيين من جنسيتهم وهم واقعون تحت الاحتلال الاسرائيلي مما يحرمهم من الحمايه الديبلوماسيه للدوله الاردنيه وهي دوله ذات سياده وطرف في اتفاقيات جنيف.
وقالت الدراسة : هكذا تتمثل مأساة الاردنيين من اصول فلسطينيه في القرارت التي تصدر عن الدوله الاردنيه دون التشاور مع الجانب الفلسطيني او التنسيق معه. ففي 20/12/1949، افاق الفلسطينيون فإذا هم اردنيون، وفي 20/8/1988 أفاق الفلسطينيون – الاردنيون فإذا هم بلا جنسيه.
وتخلص الدراسة إلى ان مأساة الأردنيين من أصل فلسطيني وتحديدا من أبناء الضفة الغربية لا زالت تتفاعل وتتفاقم فصلاحية سحب جواز السفر تم التنازل عنها من مجلس الوزراء إلى دائرة المتابعة والتفتيش التابعة لوزارة الداخلية وهذه الدائرة تتوسع في تحديد شروط سحب الجنسية والأهم أغلق القضاء في وجه أي دعوى قضائية يقيمها مواطن أردني ضد قرار سحب جنسيته بمقولة ان الأمر يتعلق بشئون السيادة.
وقالت الدراسة: وحين تحدى رئيس محكمة العدل العليا الدكتور فاروق الكيلاني هذا القيد وقضى بأن 'حرمان الاردني من جنسيته عمل غير مشروع ... ولا يجوز نزع الجنسيه استناداً لقرارات الاداره ذلك ان القاعده ان ما ينظمه المشرع بقانون لا يجوز تعديله إلاّ بقانون، ولا يجوز تعديله بقرار اداري او تعليمات...'. ويقول الدكتور الكيلاني في كتابه القيم 'استقلال القضاء' انه على أثر ذلك القرار طلب منه وزير العدل آنئذٍ ان يقدم استقالته، مما يعني تدخل الجهاز التنفيذي في السلطه القضائيه وذلك بالمخالفه للمبدأ الدستوري الخاص بفصل السلطات , و تجدر الاشاره الى ان مقولة 'عمل من اعمال السياده' التي يحظر فيها على محكمة العدل العليا التصدي فيها لمسألة تتعلق بالجنسيه، مقصوره فقط على أية دعوى يقيمها أردني من اصل فلسطيني على جهة الاداره التي قررت سحب جنسيته.
وفندت الدراسة بعد تفسيرات الإدارة الأردنية التي تقول بان السلطات تسحب الرقم الوطني فقط وليس الجنسية حيث يظهر قانون الأحوال المدنية الأردني بأن الرقم الوطني هو الجنسية عمليا لإن القانون ينص على ان الرقم الوطني لا يمنح إلا للأردني بمعنى أن فقدانه يعني أن المعني لم يعد أردنيا.
وتدّعي الاجهزه ان ما تقوم به من اجراءات هو دعم للاشقاء الفلسطينيين في الصمود في وجه العدو الصهيوني الذي يخطط لاخلاء الاراضي المحتله من سكانها وافساح المجال للاستيطان الصهيوني. لا جدال في صحة هذا القول، الاّ انه في الواقع يحتاج الى تفسير من الاجهزه لكي تشرح لنا كيف ان احباط المخطط الصهيوني يتم بتجريد الاردني من اصل فلسطيني من حقوق المواطنه، سيما وأن الاجهزه تمنح هذا المواطن حق الاقامه في الاردن دون حقوق المواطنه. ولا تجهد الاجهزه نفسها في ان تشرح لنا كيف تتم محاربة المخططات الاسرائيليه بينما الاردن دخل في تعهد دولي في نطاق معاهدة وادي عربه بتوطين اللاجئين الفلسطينيين. أي ان ما تقوم به الاجهزه هو تقويض لالتزام دولي تعهدت به الدوله الاردنيه. فكيف يستقيم هذا الموقف من تلك التعهدات القانونيه الدوليه؟
وتقول الاجهزه – تتابع الدراسة- انها تفرق في تصرفاتها بين حملة البطاقه الخضراء عن حملة البطاقه الصفراء، وتعتبر الفئه الاولى فلسطينيين بحكم الاقامه الاعتياديه في الضفه الغربيه، فهؤلاء يتم تجريدهم من جنسيتهم، بينما تتمتع الفئه الثانيه بكل ما للاردنيين من حقوق وما عليهم من التزامات. ان الوقائع والممارسه العمليه تدحض هذا القول ذلك ان حملة البطاقه الصفراء والمقيمين في الاردن يتعرضون لتهديدات ومضايقات ومناورات من الاجهزه تجعل من حياتهم قلقاً مستمراً، وهنا يثور السؤال المؤلم: ما هي الضمانه التي لا ينتهي فيها الامر مع حملة البطاقه الصفراء كما انتهى مع حملة البطاقه الخضراء؟!
ان هذا السلوك للاجهزه المسؤوله عن موضوع سحب الجنسيه من اردنيين من ذوي اصول فلسطينيه منافٍ للدستور والقانون كما أنه يتنافى مع العلاقات التاريخيه التي تجمع الناس على ضفتي الاردن. انه سلوك يؤدي الى ضعضعة الوضع الداخلي وتشقق النسيج الاجتماعي مما يسهل على العدو التاريخي التسلل من خلال هذه التشققات لابتزاز الاردن مسؤولين وقاده ونخب وطنيه.