ثمّن النقابيون زيارة وزير الداخلية نايف القاضي الاستثنائية إلى مجمع النقابات. وهي من الحالات النادرة التي يزور فيها وزراء ذلك المجمع، ناهيك عن وزراء الداخلية تحديداً. وفوق ذلك اعتذر "القاضي" عما يعتبره النقابيون إساءة جرت بحقهم امام وزارة الزراعة وفي مركز أمن الشميساني.
اعتذار كريم، وزيارة كريمة، ومبادرة كريمة من الوزير.
ولكن ذلك الاعتذار لم يظهر في عشرات التقارير الصحفية العربية والأجنبية، وبعضها متشمت ومتشف، وكلها تحدثت عن صورة قمعية بامتياز. وعندما كان العالم يشرب قهوته المسائية ويتابع نشرة أخبار آخر النهار كان يرى صورة الأردن العابسة، متبدية في وجوه عدة رجال شرطة "يشحطون" شاباً مصاباً بضرباتهم هم.
كما أن ذلك الاعتذار لم يصل إلى الشباب الذين أهدرت كرامتم كأردنيين على الأرض أمام وزارة الزراعة، وتحت عصي الشرطة. وللتنبيه فقط، فما استخدم كان عصياً وليس هراوات.
ذلك الاعتذار، إذا كان يجبّ ما قبله، يحمي ذلك الضابط المسؤول عما جرى، والذي اتخذ قرارات متتابعة بالهجوم على المعتصمين، والذي لم يراع حضارية الممارسة، ولا مئات السيارات التي كانت تمر من هناك، ومن فيها يشاهدون.
لا يستطيع أحد أن يقول لي أن المعتصمين تجاوزوا أو تطاولوا أو أساؤوا، فقد كنت هناك إلى جانب من كانوا. وشاهدت الشرطة تقوم بقسوة وخشونة، وبدون داع حقيقي، بدفع أشخاص "ثقّالة" محترمين، ربما ليسوا شيوخاً، ولكنهم متزنين، وليسوا طائشين. أشخاص من وزن ونوع أحمد أبو خليل مثلاً، وبادي الرفايعة، وسياج المجالي، وغيرهم.
كما شاهدت، ومستعد للإدلاء بشهادتي أمام أية لجنة تحقيق، أن أشخاصاً تم ضربهم على رؤوسهم بالعصي دون داع، وتم استخدام إجراءات غير معهودة في تفريق الموجودين، كما شاهدت توتراً لا يتناسب مع المهمة التي يقول الضباط أنهم نفذوها. ورأيتهم يسبون أشخاصاً ذوي هيئات اعتبارية بطريقة لا تليق بحماة القانون. فإذا كان ذلك الاعتصام غير مرخص فإجراءات تفريقه لا ترقى إلى ما شاهدناه، وما أحسه بعضنا بأجسادهم.
ما حدث ينبغي ألا يمر دون حساب.
وحتى لا نقفز إلى إصدار الأحكام فإن وزارة الداخلية وجهاز الأمن العام مطالبان بتشكيل لجنة تحقيق ذات صلاحية، لجنة مهمتها حماية صورة الأمن العام من اتخاذ شكل نمطي قمعي، والحفاظ عليها بإيقاف التجاوزات التي من مثل هذا النوع، ومحاسبة المسؤولين عن القرارات التي تم اتخاذها، ابتداء من الضباط الذين كانوا في الميدان، ووصولا إلى المسؤولين عنهم ممن شاركوا في ما جرى.
ولا ينبغي أن يفوتنا أن المسبب الحقيقي للمشكلة هو قرار المحافظ بعدم الموافقة على هذه الفعالية، وغيرها. أي أن وزارة الداخلية نفسها مسؤولة. استمرار منع الفعاليات وعدم إعطاء تراخيص هو ما يدفع النشطاء إلى كسر القانون والنزول إلى الشارع دون ترخيص، لممارسة حق دستوري لهم بالتعبير عن آرائهم. حق دستوري ولكنه مكبّل بالقانون!
النقطة الثالثة التي ينبغي إثارتها هي واجب المتعرضين للضرر في أن يرفعوا دعاوى قانونية ضد من أساؤوا إليهم، بالإسم وبدون تعميم. وهذا ليس حقاً لهم فقط، ولكنه واجب.
لهذه الأسباب كلها، شكراً معالي نايف القاضي، لك كل الاحترام، ولكن الاعتذار لا يكفي.