تُعرض في المتحف البريطاني حاليا سلسلة فولار التي تضم نقوشا انجزها بيكاسو في ثلاثينات القرن الماضي.
وكان امبرواز فولار تاجر اعمال فنية ارتبط اسمه باكتشاف موهبة سيزان وغوغان وماتيس وبيكاسو. ورسمه رينوار الذي كان يتعامل معه في لوحة تصوره متأملا في تمثال صغير.
وبعد ان بدأ بيكاسو فنانا متمردا فانه حين أنجز النقوش وسلمها الى فولار في عام 1930 كان فنانا ذائع الصيت في نحو الخمسين من العمر. واعرب نقاد في حينه عن توقعات ذهبت الى ان بيكاسو ولج فترة من النضج والاستقرار سيركز فيها على اعمال تقليدية لترويجها في سوق الأعمال الفنية الموجهة الى المقتنين الأثرياء.
ولكن بيكاسو نسف كل هذه التوقعات. وهو في النقوش التي قدمها الى فولار ليعرضها باسمه يستطلع زوايا خفية في تلافيف شخصيته ويغوص في اركان مظلمة منها. وتمثل نقوش بيكاسو تهويمات من الجنس والعنف. وفي احدى صوره تنظر اربع فتيات بريئات من فوق السياج الى وحش عملاق له رأس ثور بقرنين وصدر انثى واجنحة واقدام ذات مخالب. ولكن هذا الحيوان الاسطوري ليس مسخا من الخارج فحسب بل من الداخل ايضا. وحرص بيكاسو على رسمه بخطوط سوداء حلزونية مائجة، غنية التنميق والزخرفة، تبدو وكأنها تزدحم وتتغير امام انظار الرائي لخلق كائن شبحي بحق.
كما تضم سلسلة النقوش عملا يصور مصارِعة ثيران وحصانا يرفع رقبته في صرخة موت بعدما اخترقته قرون الثور. ويظهر الثور جريحا ايضا برمح منغرز في جنبه. وفي غمرة فوضى تكعيبية من اللحم والموت تصنعها رؤوس وأطراف متشابكة، تعوم مصارِعة ثيران مغمضة العينين.
وتضم سلسلة فولار مشاهد أخرى لمصارعة الثيران يعبر فيها بيكاسو عن رده التخيلي والعاطفي على مصارعة الثيران التي يجد فيها صورا سوريالية من القسوة والنشوة. ويرى الناقد الفني لصحيفة الغارديان جونثان جونز ان لوحة "غرنيكا" خرجت من معطف هذه الرسوم بوصفها المختبر الذي أبدع فيه بيكاسو صور الحصان والثور وطورها تمهيدا لاستخدامها بهذه القوة التعبيرية المتفجرة في لوحته المناهضة للحرب.
وفي قطعة أخرى من هذه السلسلة يرسم بيكاسو الاستاذ القديم رامبراندت باسلوب غروتيسكي مماثل يجلس قبالة فنان مرسوم باسلوب كلاسيكي متقن على كأس من النبيذ. وقال الناقد جونز ان بيكاسو يلعب في هذه القطعة بالنهايات القصوى للأساليب الفنية ويضحك عليها.
ويخلص الناقد جونز الى انه لو اختفت كل لوحة من لوحات بيكاسو وبقيت هذه النقوش وحدها فان عبقرية بيكاسو ستكون حاضرة بأسطع اشكالها. وما لوحة "غرنيكا" الشهيرة إلا ترجمة جدارية للرمزية الحادة والقوة الاسطورية للنقوش التي تضمها سلسلة فولار.
يستمر عرض سلسلة فولار لنقوش بيكاسو في المتحف البريطاني لغاية 2 ايلول/سبتمبر