سالم يوسف الفلاحات المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، انطلق من بيئة اقرب الى البدوية، شب على حب الخيل، شغفه بها دفعه لسرقة فرس أبيه كما يفعل شباب اليوم بسرقة سيارات ابائهم ...
بدأ العمل العام بخطبة الجمعة وهو لايزال في السنة الأولى في معهد المعلمين، واحترف السياسة وهجر الخيل والبيداء مبكرا لكنه لم يزل يحب الشعر الذي يتغنى بالخيل ويحن اليها حاورته الرأي حول قضايا عدة :
حدثنا عن سالم الفتى أيام الدراسة والصبا؟.
ولدت في قرية الجديدة التابعة لمحافظة مادبا والتي كانت لواء في عام 1952، والجديدة اسم متكرر لعدة قرى في الضفة الغربية والشرقية، جديدة الكرك وجديدة فلسطين، - وربما يؤشر الاسم الى ان المنطقة جديدة-، درست المرحلة الابتدائية في مدرسة هذه القرية..
هل كان معلموك من مادبا ؟
كان معظم المعلمين يأتون من مدن وقرى الضفة الغربية، يعيشون بيننا وينشئون صداقات، ويسكنون في داخل المدرسة، وقد يسكنون بالغرفة الصفية أحيانا.، ومن الطبيعي انهم كانوا يعنون بشؤون الناس وحل مشكلاتهم كونهم يعيشون معهم صباح مساء، ويأكلون ويشربون معهم.
و كانوا يجلبون المياه لهم، ولا يزال الناس ليومنا هذا يتذكرون في القرية اسماء هؤلاء المعلمين خصوصا المؤثرين منهم، واذكر انه كان هناك معلم واحد من اربد اسمه محمد الشطناوي رحمه الله.
كيف كانت شكل العلاقة بين الطلاب والمعلمين ؟
قد يستغرب البعض عندما يعرف انه كانت تربطنا صداقة مع معلمينا ونحن طلاب صغار بناء على صداقات الاهل معهم، وحواجز الخوف بين التلميذ والمعلم لم تكن موجودة في المدرسة، ولم أعان انا شخصيا من ذلك، بل على العكس تماما، اذ كنت ألمس الصداقة والعلاقة الشخصية بين والدي والمعلمين، واذكر انني عندما وصلت الى الصف السادس كنت أساعدهم برصد وكشوف العلامات.
من هو المعلم الابرز الذي اثر في شخصيتك ؟
الاستاذ زيدان الحواشين من طولكرم، وهو مدرس اللغة الانكليزية، من ضمن المعلمين الذين يعنون بالطلبة والدراسة عناية كبيرة بالرغم من محدودية وسائل الانارة في القرى، اذ كنا نسكن في بيت شعر بفصل الشتاء او في بيوت حجرية قديمة، والمعلمون يحضرون (اللوكسات) الكاز والذي كان يعتبر مرتفع الثمن في تلك الاوقات، من اجل توفير المناخ الدراسي للطلاب ..
وعليه كانت الحياة قاسية بالفعل، والفلاحات عشيرة من عشائر بني حميدة، ويظهر انه لحد الآن المستوى المعيشي قاس بالنسبة لعشائر بني حميدة .
ماذا عن المرحلة الإعدادية ؟
انتقلنا الى ذيبان، حيث اكملت دراستي الاعدادية، وتبعد ذيبان عن الجديدة 25 كيلومترا تتخللها سيل الهيدان ــ وهو عبارة عن مجرى نهر جف حاليا، الامر الذي اضطرني ان اسكن بذيبان شأني شأن كل الطلبة الذين اكملو الصف السادس وواصلوا الدراسة، وكنا نحو خمسة عشر طالبا، وكنا نعود الى قريتنا مرة واحدة بالشهر سيرا على الاقدام لعدم توفر المواصلات، اذ كنا نخشى قطع السيل لارتفاع منسوب المياه فيه ونحن لا نزال اطفالا، وبالفعل تعلمنا الاعتماد على النفس بوقت مبكر، وقليل منا من اكمل دراسته الثانوية لان معظم الطلاب لم يتمكنوا من اجتياز الامتحان العام للصف الثالث الاعدادي .
هل تتذكر التلاميذ الذين درسوا معك في هذه الفترة ؟
الدكتور جمعة الشخانبة الذي حصل على شهادة الدكتوراه، والاستاذ علي نجم، كان عددنا قليلا في هذه المرحلة، لم نتجاوز ستة طلاب .
هل اكملت الثانوية في ذيبان ؟
اكملت المرحلة الثانوية في مادبا، والتي اعتبرها الهجرة الثالثة لاكمال الثانوية حيث سكنت وحدي في غرفة واحدة بأجرة زهيدة، مع بعض الزملاء ومنهم محمد الصبيحات الذي اصبح محافظا للكرك فيما بعد، وتقدمنا لامتحان الثانوية العامة في ظروف بالغة الصعوبة في الاختبارات، اذ كان لزاما علينا ان نقدم امتحانين في يوم واحد مع عدم وجود اية مساعدة للطلاب خصوصا في ظل النقص الشديد بأعداد المدرسين، حيث تمت الاستعانة بمدرسين من مصر لاكمال الاختبارات .
هل تتذكر احدا من مدرسيك في هذه الفترة ؟
مدرس اللغة العربية الأستاذ محمد علي السوريكي من القدس، وكان مدرسا مميزا ويعنى كثيرا بمادة الإنشاء، وفي مطلع العام الدراسي طلب منا كتابة موضوع انشائي، فأعطاني علامة كاملة على موضوعي والذي كان يتحدث عن النكسة 1967 .
يبدو ان شخصية السياسي كانت موجودة في مرحلة مبكرة لديك... ؟
كان التعبير السياسي ليس موجودا، لكن العاطفة تجاه القضية الفلسطينية موجودة، وان كان الوعي بالطبع محدودا، ولا اذكر ان مدرسا خلال مراحل الدراسة قد وجهنا توجيها سياسيا بالرغم من وجود معلمين اكفياء الا انه لم يكن لأحدهم بصمة سياسية، وان اختلف الامر قليلا في المرحلة الثانوية حيث بدأ العمل الفدائي بالأردن وبدأت المنظمات السياسية والحزبية بالعمل حيث تعتمد كل منظمة مجموعة مقاتلة تعتمد على فكر سياسي، وفي هذا الجو نشأ العمل الإسلامي وخلق أجواء من المنافسة تشجع الإنسان على الاختيار بين التيارات السياسية .
هل تعتقد أن هذه المرحلة هي التي شكلت الملامح الأولى لاحترافك السياسة ؟
بداية كنت اشكك في صدقية مدرسي التربية الاسلامية واشكك بمصداقية المقارنة بين ما يقولون وما يفعلون، واذكر ان النائب عبد الحفيظ العلاوي والذي درسني مادة التربية الاسلامية قد تحدث عن الاسلام السياسي، وفي وقتها لم افهم كثيرا ما يعنيه، قلت له : انني سمعت الكثيرين يتحدثون عن الاسلام ولا يطبقونه على انفسهم، فأجابني : بأنني سأجد من يطبقه إن شاء الله، وبالرغم من وجود التيارات السياسية القومية واليسارية في المدرسة الا اني انجذبت نحو التيار الاسلامي، ربما بسبب ميولي وفطرتي .
أين درست المرحلة الجامعية ؟
لظروفي المادية ووفاة والدتي رحمها الله مع اقتراب موعد امتحانات الثانوية العامة، لم اتمكن من دخول الجامعة في ذلك الوقت، الامر الذي دفعني الى دخول معهد المعلمين لاتخرج واعمل بسرعة .
تخرجت عام 1973 وعينت معلما وتنقلت في العديد من المدارس في لواء مادبا ثم مديرا لمدارس ثانوية، وبعد ان تحسنت الاحوال المادية اكملت دراستي الجامعية في الجامعة الاردنية واكملت تخصصي في التربية الاسلامية، وحاولت اكمال دراساتي العليا الا ان الانشغال السياسي المبكر حال دون اتمام هذه الرغبة .
ما هي هوايتك التي اظهرت تجاهها ميلا مبكرا؟
في بيئة كالتي نشأت فيها، برز لدي حب الخيل وركوبها، اذ كانت غاية كل شاب ان يقلد والده خصوصا واننا كنا نرى احتفال الناس بالاعراس التي كانت لا تكتمل الا بسباقات ركوب الخيل بين فريقين، وانا كنت مولعا بركوب الخيل والمشاركة بهذه الاحتفالات . والدي اقتنى الخيل الأصيلة وحرص عليها، وكان اذا سافر مسافة يسير امام الفرس وهي تتبعه، ويكرمها ويمنع ان يحرث عليها، واذا ولدت يقولون افلت الفرس احتراما وتقديرا لها، وكان والدي يذبح شاة اذا افلت الفرس، لهذا اقتنى سلالة اصيلة من الخيل اسمها العبية، وكانوا يدربون المهرات على الركض والركوب، ولاني صغير كانوا يركبونني المهرة الصغيرة، وبالطبع كنت اسرق الفرس بين فترة واخرى لاشبع شغفي وهوايتي بركوب الخيل، كما يفعل شباب اليوم بسرقة سيارات آبائهم .
وماذا ايضا؟
احببت الخط والتخطيط في وقت مبكر من حياتي، وأولادي قلدوني بذلك، واحدهم درس الخط وأصبح خطاطا .
هل ما تزال تمارس هواياتك؟
العمل العام والسياسة لاتبقي للإنسان وقتا لذلك، وان كنت لا أزال مغرما بالخيل والأشعار التي تقال فيها، واذكر انه في سنوات الجفاف والمحل كان والدي يوفر احتياجاتها قبل ان يوفر احتياجات المنزل .
متى بدأت مرحلة الاحتراف والتنظيم في جماعة الأخوان؟
بدأت بصورة سلبية عن الأخوان، وكنت اقول لو كانوا صالحين لما فعل بهم عبد الناصر ما فعل، وعندما قدمني الإسلاميون بوقت مبكر للعمل السياسي وأدخلوني الممارسة العملية، كنا نخرج مع المعلمين الذين ينتمون الى الاخوان .. يجلسون على الارض معنا ويأكلون ويسهرون معنا، ولا فرق بين معلم وطالب الامر الذي جعلني اتساءل هل يوجد في القرن العشرين من يحاول الاقتراب من السلف الصالح ويقلدهم تقليدا حقيقيا، وهو ما جعل الشك يتناقص لدي تجاه الإسلاميين حيث لمست خلاف ما كنت اسمعه .
هل مارس والدك او احد اعمامك العمل العام؟
لا ..
لكن والدي تعرض لمشقة بسبب إيوائه طريدا مطلوبا للحكومة او احدا من اهله، اذ جرت العادة ان يأتي الطريد ــ الذي يكون على الاغلب من خارج المنطقة ــ بزوجته ويطلب الجوار لها .. فتعرض والدي والفريق الذي معه للضرب والايذاء من قبل الجنود حتى يدلوهم على الطريد، اما بالنسبة للعمل السياسي من المعروف ان بيئتنا كانت موالية للأنظمة، وشرطي واحد كان يفعل ما يشاء بالناس
ماذا كان يعمل الوالد؟
مزارع، يزرع القمح الشعير والعدس والعنب والتين اضافة الى تربية الأغنام ...
بعد تبدل قناعاتك نحو الاخوان المسلمين .. ماهو السبب المباشر لانخراطك بالتنظيم؟
تنظيم الاخوان هو اقرب للواقع وفطرة الناس، عبارة عن جلسات تربوية تتعلق بالفقه واحكام الدين وتعليم الصلاة والابتعاد عن الحرام والجرأه والشجاعة والاخلاق العالية، والتشجيع على رحلات العمرة والحج، وحب الناس والصبرعليهم . حب فلسطين، ربما كان العنوان الابرز عند الاخوان المسلمين والذي تعلمناه منذ الايام الاولى هو كره اليهود، والوقوف مع الشعب الفلسطيني وحب الاقصى، واذكر انه في عام 1966 ذهبنا برحلة مدرسية من ذيبان الى الضفة الغربية والمسجد الاقصى وقبة الصخرة، وبتنا ليلتنا في مدينة الخليل.. ومما اذكره ان الخليل لا يوجد فيها دار للسينما حتى اليوم، ونحن كنا صغارا جئنا من قرية وأمنيتنا ان ندخل السينما، ولما اخبرونا بذلك غضبنا غضبا شديدا، ولهذا اخذونا الى مدينة بيت لحم لنحضر فيلم سينما (يضحك)، كنا صغار لانعرف شيئا في ذاك الوقت .
ما هو المكون الرئيس لبرنامج الأخوان؟
القدس موضوع محوري لدى الأخوان لم ولن يتغير، ففي عام 1948 جهز المراقب العام عبد اللطيف ابو قورة والذي كان تاجرا في عمان، كتيبة من الاخوان وبعض الأردنيين القريبين منهم قوامها مئة رجل، رابطوا بمنطقة صور باهر بالقدس على مقربة من مواقع الجيش الاردني انذاك .
متى احسست انك اصبحت اخوانيا ؟
إبان دراستي بمعهد المعلمين في حوارة، بدأت استقل بشخصيتي واعتمد على ذاتي واختلط بالشباب أكثر.. البداية كانت من مسجد الكلية، حيث لم تكن تقام فيه صلاة الجمعة، وتصديت لاول خطبة جمعة في حياتي، جهزت نفسي وحضرت جيدا فنجحت في هذا الاختبار نجاحا باهرا... لكن الذي اثر في صقل شخصيتي والتعرف على الهم السياسي الحقيقي هو المهندس احمد قطيش الازايدة رحمه الله، الذي كان طالبا بالسنة الثالثة في جامعة عين شمس، وانا في السنة الاولى في معهد المعلمين، وهو من سكان مادبا. ــ:قد سبقني الى الأخوان المسلمين، وربما ورد اسمي في جلساتهم، التقينا بمادبا في فترة العطلة وتوطدت العلاقة بيننا واستمرت بالمراسلة عندما التحقنا بدراستنا، في تلك الفترة اختارني الاخوان رئيسا لهم في الكلية، وكنت متحمسا ومستعجلا لإنضاج نفسي وإنضاجهم، كنت اعيب على بعض الأخوان بطئهم وترددهم.
ماذا عن المحطة السياسية الأولى بعد التخرج؟
عندما تخرجت 1973 من كلية المعلمين عينت مدرسا بقريتي، لكن بطلب من الاخوان انتقلت الى مدينة مادبا، وفي عام 1974 حضرت اجتماع الاخوان المسلمين في شعبة مادبا، وجرت انتخابات حيث انتخبت عضوا في الهيئة الادارية العليا، وانا لازلت شابا. واعتقد انهم ظلموني بهذا الاختيار، ربما كان هناك من هو أحق مني بها، ومن الطبيعي انه ترتب علي مسؤوليات، واستأجرنا دارا كمقر للاخوان المسلمين في مادبا، بأجرة شهرية مقدارها 12 دينارا، وللامانة كانت طبيعة عمل الاخوان في ذلك الوقت اقرب الى العمل الاجتماعي منه الى السياسي .
ما الفرق الذي احدثه الاخوان في مدينة مادبا ؟
تأسست بلدية مادبا منذ عام 1912، ولم يتول رئاسة البلدية شخص مسلم حتى عام 1981، إذ كان الرؤساء مسيحيين، وكان اخواننا النصارى الاكثرية في فترة انشاء المدينة، ولكن بعد فترة قصيرة تغير الوضع، في هذه السنة حاول الاخوان تولي رئاسة البلدية ولو لمرة واحدة، وجرت حوارات مع اخواننا النصارى الا انهم رفضوا ذلك، واصروا ان يأخذوا الرئاسة اضافة الى نصف اعضاء المجلس البلدي، اخيرا لم يكن امامنا الا الانتخابات، بحث الاخوان عن شخص يترشح عنهم لرئاسة البلدية على قائمة المسلمين، فتبرع المهندس احمد الازايدة رحمه الله للترشح، وكانت تضحية مادية كبيرة منه .
خضنا المغامرة ونجحت كتلة الاخوان كلها، ولم ينجح احد من الكتل التي تنافست معنا، وكذلك نجحت الكتلة برئاسة الازايدة مرة اخرى عام 1985، وبعدها ترشح للانتخابات النيابية ونجح في عام 1989.
وبالتأكيد شعر النصارى بالخوف من رئاسة الأخوان للبلدية لكن الممارسة العملية جعلت عددا منهم يقولون انهم انصفوا بزمن قطيشات الازايدة افضل من عهد الذين سبقوه، وبالطبع احدث الاخوان فرقا في مجتمع مادبا أهم شيء فيه انشاء مدينة صناعية خارج المدينة والتي تعتبر الان الدخل الرئيسي لسكان مدينة مادبا .
كيف انتهى بك المطاف الى عمان؟
قبل عمان، غادرت الى السعودية عام 1982 معارا لوزارة المعارف، وعدت في عام 1987، اصبحت عضو مجلس شورى عام 1992، ثم انتخبت عضوا في المكتب التنفيذي لجماعة الاخوان المسلمين عام 1994، وكان المراقب العام حينها الاستاذ عبد المجيد ذنيبات، ثم انتخبت لدورة اخرى في المكتب التنفيذي وحتى عام 2002، ثم قررت ومعي بعض الزملاء ان لانترشح مجددا لافساح المجال لاخرين .
متى شغلت موقع المراقب العام ؟
أنا عضو في مجلس شورى الجماعة منذ 1992م وعضو في المكتب التنفيذي منذ 1994م لدورتين متتاليتين، ومراقبا عاما للجماعة منذ 1/3/2006م وحتى 30/4/2008
هل استطاعت الحركة الإسلامية استيعاب المتغيرات العالمية والإقليمية؟
رؤيا الحركة الإسلامية واضحة تجاه القضايا المركزية الأردنية والعربية والإسلامية ولم تتغير، بتبدل المواقف الرسمية عربيا ودوليا، وتقلبها بالاتجاه السلبي بلا مسوغ قانوني أو منطقي، سببه حالة الضعف والهوان العربية، التي تولد عنها استقواء العدو الأساسي للامة . ولا خلاف بأن التجربة والممارسة العملية والاقتراب من مصالح الناس والدخول في المعتركات السياسية بشكل فاعل أفاد الحركة الإسلامية وطور من قدراتها وامكاناتها وأسهم في إنضاج مواقفها، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها . نعم لقد تعاملت الحركة الإسلامية مع كل الظروف القاسية وخرجت من محن كثيرة أصلب عودا وأكثر تجذرا في الضمير الشعبي العربي والإسلامي، لتمتعها بالمرونة العالية النابعة من مرونة الإسلام.
ما شكل العلاقة بين الأخوان في الأردن وحماس؟
الروابط بين الإخوان في الأردن وفلسطين حماس متينة لحمتها وسداها الإسلام العظيم الذي جمع الأمة أول مرة،وهذه العلاقة محل فخر واعتزاز وهي باقية ومتجذرة وهي تتجاوز الأخوان المسلمين في الأردن وفلسطين إلى أبناء الشعبين المرابطين.
ومن الناحية التنظيمية؟
لم يعد خافيا أن للإخوان الفلسطينيين تنظيمهم الخاص بهم بعد أن اتسعت رقعة عمل الحركة الإسلامية ومسؤولياتها في فلسطين إلى عمل تربوي واجتماعي وسياسي وعسكري مقاوم للعدو الصهيوني، ولقد درس الإخوان هناك مصلحتهم بقرار شورى صحيح انتهى إلى تحملهم مسؤولياتهم الإدارية والسياسية والتنظيمية الخاصة بهم، وأسأل الله لهم التوفيق والنصر ولسائر أبناء الشعب الفلسطيني المرابط المجاهد الصامد على الأرض المباركة، وسنبقى سندا لهم ولقضيتهم العادلة نقوم بواجبنا الشرعي والوطني علما أننا نعتبرهم المشروع المتقدم للحركة الإسلامية في الصراع العربي الصهيوني .
هل يمكن اعتبار المراقب العام الحالي الدكتور همام سعيد مراقبا للإخوان المسلمين حماس في فلسطين والأردن؟
لا.. للإخوان الفلسطينيين قيادتهم ومجالسهم الشورية الخاصة بهم، وقراراتهم تؤخذ بمؤسسية عالية وليس لأحد عليهم وصاية أو مسؤولية ولديهم من الكفاءة والقدرة حيث استطاعوا انتزاع ثقة الكثيرين بهم وبقيادتهم، لكن هذا لا يعني أنهم أغنياء عن نصيحة فضيلة المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن وإخوانه في الأردن وغيره من أهل الخبرة والغيرة والعلم والفقه السياسي، لكن القرار في النهاية لقيادتهم المنتخبة كما أنهم ينصحون إخوانهم في الأردن ولا يتدخلون في قراراتهم القيادية وهذه من بديهيات العمل الإداري عند الإخوان وغيرهم.
هل تم الفصل الإداري بين الإخوان بناء على رغبة التنظيم الفلسطيني؟
نعم .. وتقديرا لظروفهم ولتعقيدات مسؤولياتهم في العمل الفلسطيني رأوا أنه من المصلحة العمل على تشكيلهم تنظيما خاصا بهم له قيادته الخاصة ،وأما الإخوان في الأردن فلم يجر عليهم أي تغيير.
ألا تخشون على قواعدكم من هذا الفصل؟
ما الذي يخشى على قواعد الإخوان إن علموا أن هذا جرى باختيار الإخوان في فلسطين وبمحض ارادتهم ،ومن مصلحة مدروسة.
وعليه، هل تغيرت قضية الإخوان المركزية في الأردن؟.
في المنطقة العربية والإسلامية لنا قضايا مشتركة متداخلة نتحمل جميعا المسؤولية عنها بدرجات متفاوتة، وهناك قضايا قطرية خاصة وهذا منسجم مع فهمنا لتحديد المسؤوليات والواجبات، فدفع الاحتلال وتحرير الأرض المقدسة واجب في عنق كل عربي ومسلم بشكل عام وكل ما يلزم لتحقيق هذه الغاية يأخذ الحكم نفسه لأن هذا العدو وضع أصبعه أولا في فلسطين، ساعيا لانتزاع جميع عناصر القوة المتوافرة أو المحتملة في أي زاوية في بلادنا على امتدادها واتساعها وما استهداف العراق والسودان ولبنان وباكستان وإيران إلا في هذا السياق .. علاوة على ان للقضية الفلسطينية خصوصية لدى الشعب الاردني.
هل كنت مع هذا الفصل؟
لم أكن معه أنا والعديد من غيري في الجماعة، وخشيت أن يفسر هذا الإجراء تفسيرا سلبيا لدى طرحه قبل أربع سنوات .
هل كان موضوع الفصل بين التنظيمين وراء استقالة زكي بني ارشيد؟؟
استقالة الأخ زكي بني ارشيد لا علاقة لها بهذا الموضوع من قريب او من بعيد وقد وضحها رئيس مجلس شورى الإخوان الدكتور عبد اللطيف عربيات في شهر أيلول عام 2006م حيث كان الخلاف إداريا محضا بين الأمين العام وأعضاء المكتب التنفيذي للحزب ولا أريد التوسع في الحديث عن ذلك، وقد طويت هذه الصفحة بالطلب منهم جميعا تقديم استقالاتهم واختيار أمين عام ومكتب تنفيذي لبقية المدة القانونية والتي لا تزيد عن سنة واحدة.
من الان وصاعدا، هل سيتم التركيز على القضايا المحلية الأردنية؟
لا شك أن وجود تنظيم فلسطيني مستقل سيعطي مساحة أكبر للإخوان في الأردن للقيام بواجبهم للحفاظ على هوية هذا البلد وحرية أبنائه واستقرارهم سيما ونحن نتعرض للتهديدات المباشرة بالوطن البديل والتيئيس من امكانية عودة اللاجئين إلى أرضهم. وعليه يصبح من الواجب على الحركة الإسلامية أن تحشد الأردنيين جميعا للدفاع عن هوية الأردن المستهدفة كما أن الهوية الفلسطينية مطلوب طمسها وإلغاؤها لتبقى فلسطين لقمة سائغة للعدو اليهودي المتغطرس، الامرالذي يستدعي تنسيق جهود الأردنيين جميعا للوقوف أمام هذه المؤامرة وبخاصه بعد اشتداد وتيرة التهديدات الصهيونية للأردن ولفلسطين على حد سواء.
لذلك فأني أدعو الحكومة الأردنية إلى حشد طاقات مكونات الدولة الأردنية، وضرورة إفساح المجال لها لتحمل مسؤولياتها وبخاصة الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين بشكل عام،وتمكينهم من المشاركة في القرارات السياسية الكبرى لحماية وطنهم من الأطماع الصهيونية فدفن الرؤوس في الرمال لا يدفع عدوا ولا يحرس بيتا.
جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسي للإخوان، فما هو تصوركم لمستقبل الجبهة؟
جبهة العمل الإسلامي شقت طريقها بنجاح في ميدان العمل الحزبي وحظيت بثقة الكثيرين مما جعلها تتعرض لمضايقات من الحكومات المختلفة شأنها شأن كثير من أحزاب المعارضة، ولعل الإصرار على بقاء قانون الصوت الواحد المؤقت يندرج في هذا السياق. ومع ذلك لايمكن نكران فعالية جبهة العمل الإسلامي وحجمها في الساحة السياسية الأردنية، ومن جهة أخرى فأن الوقت قد حان لاعتماد الحزب على نفسه واستكمال استقلاله الإداري والسياسي، وهذه قناعة بدأت تتعمق لدى الكثيرين في الحركة الإسلامية، كذلك لم يعد معقولا محاصرة حزب جبهة العمل الإسلامي والأحزاب الأردنية المعارضة بهذه الصورة حيث تراجعت مساحة الحرية إلى ما قبل عشرين عاما، وبقيت الأحزاب والمواطنون بعامة تحت وطأة مئات القوانين المؤقتة التي تحاصر الحريات بشكل مطرد، وان كنا نتمنى أن تصبح التجربة الأردنية في التعددية السياسية والديمقراطية قدوة تحتذى في المنطقة.
هل سنشهد مقاطعة للانتخابات النيابية؟
المشاركة في كل الظروف ليست حتما لازما كما أن المقاطعة هي الأصل وليست الحل دائما، الأخوان يصرون على تحمل مسؤولياتهم الشرعية والوطنية تجاه بلادهم بالرغم من الضريبة الباهظة التي تدفعها الحركة الإسلامية نتيجة إصرارها على الإصلاح والتغيير المتدرج، إلا أنها تعيد مراجعة قراراتها بناء على التجربة والممارسة الفعلية بين الفترة والأخرى، وعندما يقترب استحقاق انتخابات نيابية يتحتم على الحركة الإسلامية كعادتها دراسة الموضوع ومناقشته برؤية وتأن وتقديم المصالح الوطنية العامة وتقديرها بقدرها واتخاذ القرار المناسب.