صحيفة العرّاب

تفاصيل مأساة «عائلة الرابية» والناجية الوحيدة بخير ولا تعلم ما حل بأسرتها

قصة عاش تفاصيلها المجتمع بكل اطيافه فكانت جزءا من حياة كل اسرة اردنية عندما استيقظ المواطنون امس الاول على قصة د. حاتم الخصاونه واسرته رحمهم الله ، حيث اقدم على اطلاق الرصاص على زوجته وابنائه ثم اقدم بعدها على الانتحار.

 وكان الحدث اكبر من ان يصدق خاصة انه يتعلق بشخص عرف بالاتزان والهدوء ، اضافة الى تحصيله تعليما عاليا.
 
"الدستور" عاشت امس يوما خاصا بها مع عائلة المرحوم "د. حاتم الخصاونه" وانفردت بلقاءات خاصة مع افراد اسرته كافة ، اضافة الى زيارة ابنته "مرح" التي ترقد على سرير الشفاء في مستشفى تلاع العلي لتلقي العلاج كونها الوحيدة التي لم تقتل من بين افراد الاسرة ، ونجت بعد انتزاع الرصاصتين من جسدها كانت احداهما في ساقها والاخرى في منطقة البطن.
 
ان تقف على التفاصيل وتعيش حالة مختلفة عن اي تغطية صحفية امر ليس سهلا ، لترى عن قرب عائلة متماسكة ، متعلمة ، مثقفة ، ويتمتع افرادها بكل صفات الدماثة والخلق الرفيع ، وكأنك بذلك بالفعل تدخل عالما خاصا ، يضعك امام مفارقة كبيرة في ان ترى هذه العائلة ، وتعود لتتذكر انها اسرة د. حاتم رحمه الله الذي قتل افراد اسرته وانتحر ، ولا تجد اجابة لسؤالك وسؤال كل المواطنين ، لماذا؟،،،، لماذا حدث ذلك،،،.
 
تفاصيل كثيرة حصلت عليها "الدستور" لا سيما ان اسرة المرحوم تعاملت مع القضية بكل شفافية ، رافضة اي ادعاءات او معلومات كاذبة عنها وعن ابنها واسرته ، مؤكدين انهم سيقاضون كل الصحف التي اساءت لابنهم ، وتحديدا تلك التي ادعت انه مريض نفسيا ، فهم لم يمنعوا الحقيقة كما انهم مذهولون لما حدث كحال كل المواطنين ممن سمعوا بالقصة.
 
وفي قراءة تلخيصية لما قرأته "الدستور" في جولتها فان د. حاتم من الشخصيات الهادئة ، درس بكالوريوس الصيدلة في جامعة عمان الاهلية ، والماجستير في جامعة العلوم والتكنولوجيا ، وكان درس ثلاث سنوات هندسة في جامعة نورث كارولاينا في اميركا ، لكنه فضّل دراسة الصيدلة عن الهندسة ، ويعمل استاذا في احدى كليات المجتمع ، قام قبل قرابة ثمانية اشهر ببيع شقته ، واستأجر شقة طابقية في منطقة الرابية ، لم يعان يوما من اي اضطرابات او مشاكل على الاطلاق ، فهو من اسرة رفيعة المستوى ، ووالده موظف متقاعد في الامم المتحدة.
 
فوجئت اسرته بكل ما حدث ، وستعمل خلال ايام على التقدم بعطوة يقودها آل العساف لذوي زوجته الصيدلانية منى محمد كمال ابو محمود ، مؤكدين انه لا يوجد اي مشاكل على الاطلاق بين الاسرتين والامور تسير بشكل هادئ وعائلي.
 
لم تبد على د. خصاونة اية مؤشرات لاي امور سلبية قبل وفاته ، وكل ما قام به انه اتصل بوالده عند الساعة الرابعة عصرا قبل يوم الحادثة بيوم واحد وابلغه انه سيذهب الى اربد لزيارة منزل العائلة هناك ، وابلغه والده ان الوقت تأخر وشارع المنزل يعاني من حفريات ، لكنه اصر على التوجه الى اربد برفقة صديق له ، وعند وصوله الى المنزل الذي لم يكن يحمل مفتاحا له جال في حديقته وتأمل بالمنزل وعاد الى عمان ، وفور وصوله الى عمان اتصل بوالده واعلمه بانه عاد.
 
ووفق افراد اسرة المرحومين ، فقد تمت الصلاة في مسجد بالشميساني على افراد الاسرة كاملة بعد صلاة ظهر امس وتم دفنهم في مقابر بجانب بعضها البعض في عمان.
 
في مستشفى تلاع العلي
 
كانت البداية من مستشفى "تلاع العلي" الذي يملكه الدكتور يوسف الخصاونه عم المرحوم د. حاتم ، حيث توجهنا لزيارة الناجية الوحيدة من رصاص والدها مرح ابنة (12) عاما ، والتي ترقد في غرفة بالطابق الاول بالمستشفى حيث كان الهدوء يخيم على المستشفى وصوت د.يوسف يعلو في ممرات المستشفى ويبدو عليه التوتر واضحا.
 
وبسؤال استعلامات المستشفى ابلغني ان مرح ترقد في احدى غرف الطابق الاول ، صعدت الى الغرفة ، ولا انكر اني عشت لحظة لم اعشها من قبل امتزج بها شعور الخوف مع القلق ، الى جانب الرأفة بحال هذه الفتاة التي لم تعرف حتى اللحظة اي شيء عن مصير اسرتها ، وكل ما تعرفه ان اسرتها ترقد على سرير الشفاء في مستشفى آخر غير مستشفى "عمو يوسف".
 
وصلت الغرفة وطلبت من الممرضة استدعاء اي شخص من داخل الغرفة للاطمئنان على حال مرح ، فخرجت لنا سيدة فضلت عدم ذكر اسمها تبين انها احدى قريبات والدة مرح ، تعابير وجهها كانت تعبر عن حال غريب وذهول يعلو ملامحها ، وخوف من ان تنبس باي كلمة تؤثر على حال مرح او على مسار القضية.
 
قالت السيدة: لن اتحدث كثيرا فمرح لا تعرف شيئا عن وضع افراد اسرتها ، لكنها الان الحمد لله بالف خير ووضعها الصحي ممتاز ، حيث تم انتزاع رصاصتين من جسمها ، الاولى من ساقها والاخرى من منطقة البطن ، ووضعها الصحي الان جيد وفق ما اخبرنا الاطباء.
 
لست مخّولة بالحديث عن اي شيء ، لكن ما اريد التأكيد عليه ان اسرة د.حاتم مثالية ، ولا توجد اي مشاكل فيها على الاطلاق ، وكل الامور ايجابية جدا بين حاتم وزوجته ، فانا قريبة زوجته وعلى اطلاع بتفاصيل حياتهما الهادئة والمثالية ، ولا توجد مشاكل كما ان حاتم يتمتع بشخصية رائعة ونموذجية.
 
وطلبت مني السيدة ان لا ادخل الى مرح حتى لا تشعر بأي ظرف استثنائي يدور حولها ، فكانت نظراتي لها عن بعد كافية للاطمئنان بان امورها الصحية بالفعل جيدة ولا يوجد اي شيء تعاني منه.
 
واضافت: اسرة منى كلها بالخارج ، لا يوجد سوى والديها يعيشان في عمان ، وهي وحيدة لهما هنا ، مؤكدة ان الوالدين كانا قبل قليل في زيارة لمرح ، وغادرا وحالتهما الصحية والنفسية سيئة بسبب الفاجعة على اسرة ابنتهما كلها ، لكن القوة تكمن بالايمان بالله الذي يمنح الانسان القدرة على تجاوز كل المشاكل.
 
العاملون في المستشفى
 
لم استعمل المصعد عند نزولي من غرفة مرح فاستخدمت الدرج ، وكنت ارى في عيون العاملين في المستشفى نظرات الترقب الحذر ، فهناك حلقة مفرغة في القضية ، وعند الاستعلامات تحدثت لمدير قسم الاشعة في المستشفى ، حيث قال ان مرح قدمت الى مستشفى تلاع العلي عند الساعة الواحدة من ليلة الامس ، وكانت قد اجريت لها عملية جراحية بانتزاع الرصاصتين في المستشفى التخصصي ، وادخلت الى غرفة عادية حيث كانت حالتها الصحية مستقرة.
 
كانت الامور تسير بشكل طبيعي منذ اللحظة الاولى لوصول مرح ، لكن بطبيعة الحال وضع د. يوسف الخصاونه النفسي سيئ ، فما حدث ليس سهلا لكنه القدر ، كما ان د. يوسف كان فقد احد اقاربه امس الاول ، وما زال الحزن يخيم على هذه الاسرة التي نتمنى ان تتجاوز ما حدث باسرع وقت ممكن.
 
في بيت العزاء
 
خرجت من المستشفى احدث نفسي ان كنت اقوى على الوصول الى بيت عزاء آل الخصاونه ، لكنه الفضول الصحفي ، حيث وجدت نفسي اقود السيارة نحو الشميساني لاجد نفسي امام الصيوان الذي اقيم امام منزل العائلة لتقبل العزاء ، كان الهدوء ايضا يعم المنطقة ، هناك جرح ووجع لكن الايمان يسيطر على الموقف ، وقناعة الاسرة بأن ما حدث فيه شيء من الغموض لا يعرفه احد حتى الان.
 
امام الصيوان يقف شخص يمكن لكل من يراه ان يرى فيه صورة الاب والاخ والصديق ، قريب للقلب ، وكأنك رأيته مئات المرات من قبل ، قدمت واجب العزاء لاعرف ان هذا الشخص هو الدكتور احمد الخصاونه والد المرحوم حاتم ، لم اعرف كيف ابدأ حديثي معه لكني قلت له كيف تلقيت الخبر ، فقال: كنت اكتب عزاء لصديقي حمزة عبيدات توفي ولده امس الاول ، وكنت قد كتبت جملة "ان وفاته سببت لي حزنا عميقا" واذا بجرس الهاتف يرن فتركت قلمي وسارعت نحو الهاتف فكان على الخط صوت احد اقاربنا فقال لي "مات حاتم" ، لاعرف بعد ذلك تفاصيل ما حدث.
 
والد المرحوم
 
"لا تسألوني عن التفاصيل لاني بالفعل حتى الان لا اعرف شيئا مما حدث" ، هكذا بدأ باقول والد المرحوم حاتم ، واضاف: الامور سارت دون اي مقدمات او مؤشرات ، ونتمنى من الاعلام ان يكون معنا لا علينا ، نحن نقدم المعلومة وسنقاضي كل من يتجنى على ابني واسرته ، فابني سليم ولا يوجد عنده اي مشاكل وتحديدا في مسألة انه يعاني من مرض نفسي ، فوضع ابني ممتاز ويعيش حياة مثالية مع زوجته وابنائه وكان قبل ايام في رحلة سياحية مع اسرته في تركيا.
 
واكد انه بعد عودة ابنه واسرته من تركيا لم يبد عليه اي مشاكل على الاطلاق ، بل على العكس كانت اموره ممتازة والسعادة تخيم عليهم ، وحتى الان لا نعرف حقيقة ما حدث ، فما حدث تم بصورة مفاجئة وغير واضحة ، لا سيما انه يتمتع باستقرار في كل مناحي حياته الاسرية والخاصة ، مشيرا الى ان ما اثير عن وجود مشاكل مالية في حياة ابنه نتيجة لخسائره في بورصة الاردن لا علاقة لها بما حدث ، مقرا بخسارة ابنه لمبالغ كبيرة في البورصة لكن وضعه المالي جيد ، ولم يعان يوما من اي ضائقة مالية.
 
وقال د. احمد ان ابنه حاتم قام قبل ثمانية اشهر تقريبا ببيع شقته نظرا لتنقله من بلد لاخر ، واستأجر شقة طابقية في منطقة الرابية ويعيش في وضع مالي جيد ، ولا يوجد على الاطلاق اي مشاكل عائلية لديه ولا خلافات مع زوجته او عائلة زوجته ، واضاف ابرز ما يميز ابني انه سخي بكل شيء ومعطاء على كل الاتجاهات ، ولا اظن ان احدا يكن له اي مشاعر غير مشاعر الحب والاحترام.
 
واضاف: ابني درس في بداية حياته العلمية الهندسة لمدة ثلاث سنوات في اميركا لكنه لم يكمل دراسته في الهندسة واتجه لدراسة الصيدلة ، وحصل على ماجستير صيدلة وكان الاول على دفعته ومتفوق في تركيب الادوية وانواعها بشكل لافت وكل من يعمل معه يشهد له بذلك.
 
وتابع: لم الحظ على ابني اي شيء غير طبيعي ، فالامور كانت طبيعية جدا حتى قبل الحادث بيوم واحد حيث اتصل بي واخبرني انه سيتوجه الى اربد وكانت الساعة عندها الرابعة عصرا ، فتعجبت من التوقيت ، وتعجبت اكثر بانه غادر الى اربد لزيارة منزل العائلة وهو لا يحمل مفتاحا للمنزل ، فاخبرته ان يطمئنني عند وصوله وعند عودته ، وهذا ما حدث ، واخبرته ايضا ان الشارع به حفريات لعلي اقنعه بعدم الذهاب الى اربد ، لكنه اصر على الذهاب ، وبمجرد وصوله جال حول المنزل وتفقد الحديقة وعاد الى عمان واتصل بي فور وصوله الى المنزل.
 
وحول تفسيره لما حدث اكد د. احمد انه لا يجد تفسيرا لما حدث فالامر غريب ، وليس له ما ييرره على الاطلاق ، والامور الان قيد التحقيق ، ونحن حتى الان لم ندخل الشقة بعد الحادث حيث اغلقت فور وقوع الحادثة ، ولم نر اي شيء فيها حتى اننا لم نشاهدها بعدما اغلقت من الاقارب ورجال الامن ، ونحن الان نرى بما حدث انه قضاء وقدر الله ، نؤمن بقدرنا وما حدث لابني واسرته هو الموت الذي لا يقف امامه شيء ، لكن الجرح كبير والوجع لا يوصف وبالفعل لا يوجد اي كلام يمكن ان يصف ما نشعر به.
 
وعن حال والدة المرحوم حاتم واسرة زوجته ، اكد د. احمد ان امورهم بشكل عام جيدة وتسير بشكل ايجابي ولا يوجد اي مشاكل على الاطلاق باي خطوة نقوم بها ، وسنقوم بتحريك عطوة الى اسرة زوجة المرحومين يرأسها آل العساف ، مؤكدا انه لا مشاكل على الاطلاق ، وبالمحصلة كلنا نعيش فترة محددة لنا على الارض وسنفارقها عندما يشاء الله.
 
وفي رده على سؤال عما اذا كان يحمل قلما الان ماذا سيكتب قال د. احمد قال "لا حول ولا قوة الا بالله" ، هذا ما سأكتبه فقط،،، د. يوسف الخصاونه.
 
مدير عام مستشفى تلاع العلي الدكتور يوسف الخصاونه عم المرحوم د. حاتم الخصاونه التقته "الدستور" في بيت العزاء ، واكد ان الامور تسير بشكل جيد ، نافيا نفيا قاطعا ان يكون المرحوم حاتم يعاني من اي امراض نفسية على الاطلاق ، مؤكدا انه شخص متزن وهادئ ولا يعاني من اي مشاكل.
 
وعن حال فرح التي ترقد في المستشفى اكد ان وضعها مستقر ويمكن اخراجها اليوم من المستشفى ، وهي حتى الان لا تعلم شيئا عن وضع افراد اسرتها بانهم توفوا جميعا ، وكل ما تعلمه انهم في مستشفى آخر ، مشيرا الى انه تم دفن افراد الاسرة بعد صلاة ظهر امس والامور الان قيد التحقيق.
 
صديقه هاني يتحدث
 
هاني القادري من اعز اصدقاء المرحوم حاتم كان يقف بين افراد اسرته يتقبل واجب العزاء ، التقته "الدستور" واكد ان حاتم من اعز اصدقائه ، وهو شخصية مميزة ورائعة ليس فقط على الصعيد الشخصي ، بل ايضا على الصعيد العلمي فهو مميز في عمله واخلاقه وفي تركيب الادوية ، وهو بالفعل شخصية تتمتع بكل الصفات الخلاّقة.
 
واكد هاني ان كل ما اثير حول المرحوم حاتم لا اساس له من الصحة ، فهو عنوان عريض لكل شيء مميز ، وهذه شهادة كل من يعرفه ويتعامل معه ، لكن ما حدث قدر لهذه العائلة التي أؤكد انها مثالية ونموذجية ، المرحوم حاتم كان شخصا رائعا وصديقا صدوقا. الدستور