سلمت ام ابنها الذي يبلغ السابعة عشرة من عمره بذات اليدين اللتين حملته بهما عند صغره الى مركز علاج وتوقيف المدمنين التابع لإدارة مكافحة المخدرات بمديرية الأمن العام طالبة تخليصه من آفة المخدرات التي تعلمها من رفقاء السوء حتى لو تطلب الامر حبسه.
وتصف الام لوكالة الانباء الاردنية رحلة معاناتها في متابعة تحركات ابنها لتعرف سبب تغيبه المتكرر عن المدرسة لتتفاجأ بانغماسه في عالم المشروبات الكحولية والمخدرات وتقول "طاردته بالشوارع على مدار عام كامل, لم اذق خلاله طعم النوم او الراحة، وتتبعت خطواته وتحركاته والاماكن التي يرتادها، كي اتعرف على رفقائه".
تنهدت لتعيد تجميع كلماتها وشرح رحلة احزانها لما اصاب ابنها "كنت اتوسل لمن رافقهم بأن يتركوه وشأنه ويبتعدوا عن طريقه، وكلما تخلص من احدهم انضم اليه آخرون لاكتشف انهم جماعات متعددة تحيط به ، ومنهم من كان ينكر وجوده - هذا اذا ردوا على اتصالاتي المتكررة - والبعض كان يتجاهل الرد لمجرد مشاهدة رقم هاتفي".
لم تشعر الأم باليأس رغم الاهانة التي تعرضت لها لمجرد تعاملها مع اشخاص "بدا من تصرفاتهم انهم غير أسوياء، الامر الذي زادني تصميما على معرفة ما يحصل لابني مع هذه الفئة الملوثة بسموم المخدرات الى ان جاء اليوم الذي اكتشفت فيه انه واحد من المتورطين بها" حسب قولها.
" نعم، انا بحشش وبسكر", امام هذه الاعترافات التي "وقعت علي كالصاعقة، تخلصت من ذل الهزيمة العاطفية لأشحن قلبي بالقوة من اجل ان اخلص ابني من هذه السموم، عندها اقدمت على اصعب خطوة تقوم بها ام تجاه فلذة كبدها بتسليمه لادارة مكافحة المخدرات" بحسب قول الام التي طلبت سجن ابنها ومعاقبته حبا وخوفا وحفاظا على اغلى وأعز انسان على قلبها.
يؤكد مدير مركز علاج وتوقيف المدمنين المقدم عماد الشواورة ان المركز يقدم النصح والمشورة للمدمن وعائلته, والتعرف على الاسباب التي دفعته لعالم التعاطي للمساعدة في ايجاد الحلول وكذلك التعرف على الذين يتعاطون المخدرات والقاء القبض عليهم وعلى الذين يزودونهم بالمواد المخدرة.
ويؤكد كذلك ان المركز الذي تعلق على احد جدرانه لوحة كتب عليها "المخدرات - حاضر مسموم ومستقبل معدوم" يعكف على وضع برنامج للزيارات الفجائية للمتعاطي لمنزله وتبادل الزيارات بين المركز والمتعاطي لمراقبة سلوكه على مدى عام كامل بحيث يبتعد عن هذه الافة ويتخلص منها.
شهد العام الماضي وفاة تسع حالات نتيجة تناولها جرعات زائدة من المخدرات ، منهم عدد من الشبان وفقا للشواورة.
يصف هذا الشاب المدمن رحلة ادمانه على مدى سنتين والتي بدات كما يقول "بالتسرب من المدرسة والدخول في تجربة شرب الخمر مع الاصدقاء لاثبات الذات وتحمل المسؤولية كانسان كبر حتى اصبح مسؤولا عن قراراته وفي الوقت ذاته فان هذا التمادي نتج لاستغلاله الحرية التي منحه اياها والده "الذي لم يوجه لي سؤالا واحدا يمكن ان يدفعني الى الخوف منه او احسب له حسابا".
ادرك الشاب الحالة التي وصل اليها بعد ان اصبح مدمنا ولا يجد من يحضنه ويعيد الدفء اليه ويقول "هذه الحرية جعلتني اترك المدرسة واتجه الى العمل دون علم اهلي لاوفر احتياجاتي من "الحشيش والمشروبات والدخان".
ويتحدث هذا الشاب ببطء بالرد واحيانا الشرود ليجمع افكاره من جديد ليصف شعوره عند تعاطية لسيجارة الحشيش، "لم ترق لي سيجارة الحشيش اول مرة، الا انني كررت التجربة بعد اسبوع الى ان تورطت ووصلت الى الحالة التي وصلت اليها الآن، حيث كنت اعتقد خطأ انها تبعث القوة في نفسي وشعورا بالسعادة لاستسلم لسيجارة الحشيش التي اصبحت جزءا من دمي لا اقدر على الابتعاد عنها ولو ليوم واحد".
تعتبر سيجارة الحشيش من اسهل المواد المخدرة في طريقة الحصول عليها كونها تشبه السجائر العادية المنتشرة في الاسواق، وفقا لاختصاصي الطب النفسي الدكتور ريكان الدليمي المشرف على حالة الشاب في مركز علاج وتوقيف المدمنين، "لكن المشكلة في طول مدة تعاطيها التي تحدث تأثيرا على العقل وتدمر الذاكرة وتشتت قدرات الانتباه وتشل حركة الاداء وتسبب نفورا من العمل وضعفا في الاداء، كونها من اكثر المواد تأثيرا على الدماغ وبالذات قدرات الذكاء كما تظهر اعراض الهلوسة والوهم والشك والاضطهاد والغرور لدى المتعاطي".
ويشير الى ان دراسات اثبتت ان الكثيرين من الحالات التي تتعاطى الحشيش اصيبت بأعراض "الخرف المبكر" لذلك فإن المدمن على هذه المادة يخضع لبرنامج نفسي واجتماعي من خلال محاضرات وبرامج تدريبية على السلوك وتفريغ الطاقات عن طريق ممارسة التمارين الرياضية.
وتقول الام المتألمة "لم اقصر في تربية ومتابعة ابنائي، الا ان رفقاء السوء يسهمون في الدفع بالأبناء الى ممارسة السلوكيات السلبية التي تكسر الروح والجسد في الاجيال التي نبني عليها آمالا وخاصة ممن هم في مرحلة المراهقة التي تختلط فيها مفاهيم الثقة والحرية والاعتداد بالنفس والاستقلالية في اتخاذ القرارات".
ويقول الشاب "المشكلة هي عند انتهاء تأثير سيجارة الحشيش حيث يخيم عليك الاكتئاب وعدم الرغبة في عمل أي شيء الا ان الحاجة لها يدفعني لاستجمع باقي قواي, عندها اذهب لأي مكان لأجلب قطعة اخرى توازي ثلاث سجائر بكلفة تصل الى خمسة دنانير".
هذا الشاب المدمن يضع اللوم على والده الذي "ابتعد عنا كثيرا كما يقول وشغلته ساعات العمل الطويلة عن الالتفات الى أبنائه الذين تركهم ضحايا دون ان يوجههم الى طريق الصواب".
وفي الوقت الذي يرى فيه الشاب ان الحرية المطلقة خطأ يرتكبه اولياء الامور ، ولا ينكر ان استغلاله لهذه الحرية الممنوحة له من قبل والديه دمرته وابعدته عن الطريق الصواب، يؤكد استاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتور سري ناصر اهمية تعليم الاباء لابنائهم كيفية التعامل مع الحرية قبل منحهم اياها حتى لا تتحول الى أذى له ولأهله. بترا