صحيفة العرّاب

أردنيون يقبلون على الزواج عبر "الانترنت" هربا من العنوسة وبحثا عن شريك مثالي

تتجه فتيات إلى الشبكة العنكبوتية "لاصطياد ابن الحلال"، عبر مواقع تتخذ بعضها "صبغات إسلامية"، كمحاولة لجذب الأعضاء إليها من الجنسين، في حين يتجه شباب ايضا بحماس شديد إلى العالم الافتراضي "للفوز" بعروس المستقبل المنتظرة.

ويعكس هذا السلوك، حالة تخاصم وتمرد على الواقع الفعلي الذي يعيشه الشباب، باتخاذهم الوسيلة الإلكترونية (الخاطب الإلكتروني) بديلا عن التعارف الحقيقي، والذي عادة ما يتم عبر العائلات أو المعارف.
ولا بد من أن لا ننسى، أن القيمين على تلك المواقع، لديهم من الذكاء ما هو كاف، للتحريض أو لاستفزاز مشاعر الشاب أو الفتاة عبر استخدام وسائل إبهار في تصميم الموقع، وسرد حكايا وقصص للشباب ممن هم أعضاء فيه، عن كيفية التعارف، ليضفي نوعا من المصداقية لدى أي فضولي، كي يقطع شكه باليقين، ويصبح من اتباعه.
وسائل جديدة تحاكي وتواكب العصر، "تغذي وتلعب" على وتر العواطف، بخاصة في ظل تنامي ظاهرة العنوسة في كل الدول العربية من دون استثناء، وما يزيد الطين بلة هو النظرة الاجتماعية للعانس، والتي تدفعها إلى إيجاد "ابن الحلال" بأية وسيلة، ولو كانت بـ"الحمام الزاجل".
وكان مدير جمعية العفاف الخيرية مفيد سرحان كشف ان ما يزيد على 96 الف فتاة تجاوزن 30 عاما، ولم يسبق لهن الزواج في العام 2008، بحسب دراسة أعدها عضو الجمعية عادل بدارنة.
وبين سرحان أن متوسط سن الزواج بين الذكور يبلغ حاليا 29 عاما ونصف العام، بينما يبلغ في أوساط الاناث 26 عاما ونصف العام، لافتا الى أن أهم اسباب العنوسة تكمن في العامل الاقتصادي والعادات والتقاليد، فضلا عن انتشار التعليم العالي وارتفاع اجرة المساكن وأسعار الذهب.
والبحث عن عريس او عروسة المستقبل، يدفع الشباب من الجنسين الى الانضمام لمواقع إلكترونية، مهمتها توفير الظروف المناسبة للتعارف من اجل الزواج بين اعضائها.
وحين يقرر احدهم الانضمام إلى بعض المواقع، يفاجأ بأنه ليس مجانيا كما كان يعتقد، فضلا عن عدم جدية أعضائه ومستخدمه، واستغلاله من بعضهم للتعارف على فتيات وللترفيه والتسلية.
إضافة إلى أن أغلب هذه المواقع بعيدة كل البعد عن الجدية، يستغله بعض العابثين في إيقاع فتيات أسرى لهم في وهم الحب، فلا هن وجدن الحب ولا نلن عريسا.
سيرين إحدى الفتيات المشتركات في احد مواقع الزواج، ترى ان الاشتراك في هذه المواقع "لا غضاضة أبدا فيه، فهو أمر مشروع طالما أن الهدف منه هو الزواج".
وتشير إلى أنها مشتركة منذ عام ونصف العام، وحتى الآن لم تجد من يناسبها، مبينة أنها تتحدث مع الكثيرين يوميا عبر الدردشة، لكن معظمهم غير جادين بشأن الزواج والاستقرار، وهدفهم فقط الحديث عن الأمور الجنسية.
وعن سبب اختيارها (النت) كوسيلة للزواج، فتعتبره الوسيلة الأضمن بحسبها، وبخاصة في ظل" شح العرسان"، بالإضافة إلى أنها قد تتعرف إلى احدهم بالتدرج إلى حين التأكد من أنه يناسبها، من دون أن يستطيع الطرف الآخر خرق خصوصيتها، ولا سيما أنها ترفض وضع صورتها أو استخدام الكاميرا.
إياد شحرور، لا يؤمن أبدا بهذه الطريقة، ويعتقد أنه إذا قرر الزواج فلا بد من أن يأخذ صفة "الزواج التقليدي"، لفقده الثقة بالكثير من فتيات هذه المواقع، ممن قد ينتحلن أسماء وصفات وصورا مفبركة وغير حقيقية، ما يجعله يفقد ثقته بأي منهن، ولو حدث وأن تزوج من بينهن، فلن يستطيع بناء علاقة زوجية سليمة مع التي سيتزوجها، بحسبه.
أما أحمد وسارة، فهم مثال حي على "الزواج النتّي"، بحيث تقابلا قبل عام ونصف العام، في موقع إلكتروني إسلامي.
 يقول احمد "إنني كنت جادا في البحث عن زوجة المستقبل، لذا كتبت كل البيانات الشخصية الخاصة بي بوضوح، واستمر الحال لمدة 4 اشهر، حتى وجدت سارة، وبعد أن تأكدت من نواياها، ومناقشتها في عدة مواضيع، لمست قواسم مشتركة كتيرة بيننا، ما شجعني أن أتقدم إليها رسميا".
ويدافع أحمد عن الفكرة، ويندهش كيف أن بعضهم يعتبر الزواج عبر الانترنت أمرا غريبا، وطارئا على مجتمعنا، وفي الوقت نفسه، يحذر من أن الزواج الإلكتروني قد يحمل نوعا من المخاطرة، لكن إذا توافر كوسيلة للزواج فلم لا؟
ويجهز حاليا أحمد وسارة، عش الزوجية بعد خطبة دامت 3 اشهر، بحيث تشعر سارة بفرحة غامرة، لأنها التقت بتوأم روحها، الذي لطالما حلمت به، ولكن قدومه هذه المرة ليس على الحصان الأبيض، وإنما جاءها عن طريق الفضاء الإلكتروني.
وعن رأي الشريعة الإسلامية في هذا الموضوع، فيما إذا يعتبر التعارف عن طريق النت "خلوة شرعية"، يبين أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور هايل عبد الحفيظ أن الخلوة الشرعية في الإسلام، معناها اختلاء الرجل والمرأة مع بعضهما من دون وجود محرم، والاتصال عبر الإنترنت ليس خلوة.
ويضيف إنها وسيلة للتعارف، لكن مفاسدها ومضارها كبيرة، قد تفتح بابا للفساد، ولا سيما وان التأكد من نوايا الطرف الآخر، بأنها صادقة، صعب عبر الإنترنت.
ويشدد عبد الحفيظ على ضرورة وجود ضوابط، اذا تم اللجوء إلى هذه المواقع كوسيلة للزواج، عن طريق الاتصال بإدارتها أو الاتصال بأولي أمر الفتاة التي يود الزواج منها.
ويقول ان الأصل بحسب القاعدة الشرعية هو أن الأمور مباحة ومشروعة، لكن إذا ما استخدمت لأغراض منحرفة، فهي حينئذ غير مشروعة، وتعود على أصلها بالنقض فتتحول من مباحة إلى غير مباحة.
ويرى أستاذ الشريعة محمد القضاة أن الأصل في الزواج أن يكون مبنيا على الرضا بين الطرفين، وان يرى الخاطبان بعضهما في الحقيقة، خوفا من التغرير والتدليس، وهذا ما لا تحققه الشبكة العنكبوتية.
ويشير إلى أن رؤية الرجل للمرأة عن طريق الانترنت ليست بخلوة شرعية، وهي وسيلة، مشددا على انه لا يجوز إجراء عقد الزواج من خلاله أبدا، فهو ليس وسيلة مشروعة للزواج.
وبين التأييد والتحريم، تعالت أصوات دعاة إسلاميين مؤخرا، بضرورة حجب تلك المواقع واعتبارها وسيلة من وسائل إفساد الأمة، "والشباب على نحو خاص"، من باب درء المفاسد ورد الشبهات.
في حين رأى الشيخ عبد المحسن العبيكان ان مواقع الزواج الإنترنتية "إذا كان الهدف منها العمل كوسيط للتوفيق بين طلبات الراغبين في الزواج من الشباب والشابات، فهذا يعتبر جائزا شرعا، على أن يتم عقد الزواج على يد المأذون أو القاضي وبوجود الشهود وأولياء الأمور".
وأضاف أنه يجوز أن تكون هناك محادثة بين الطرفين عبر غرف الدردشة، ومن دون النّظر إلى إذا كان بغرض الزواج، لكن بشرط ألا يكون في الكلام استمتاع أو شهوة أو خضوع لقول، قال تعالي (ولا تخضعنّ بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولاً معروفا)، وفق ما ورد على أحد المواقع الالكترونية.
بدوره، يرى استاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي أن الشباب بدأوا باللجوء إلى هذه الطريقة الحديثة في الزواج، والتي تعد جزءا من العولمة (عولمة الزواج)، بخاصة وأنها تتميز بسهولة استخدامها وانخفاض كلفتها.
وينجذب الشباب نحو هذه الوسيلة أيضا بسبب إحساسهم بالاستقلالية، والرغبة في الانفتاح على الثقافات الأخرى، في ظل انحسار فرص البحث عن الشريك.
ويشير إلى أن الدراسات بينت انه تم تسجيل 380 زواجا من أجنبيات في العام الماضي من بين 50 جنسية.
ويدافع الخزاعي عن الزواج بهذه الطريقة ويصفها بـ"اللغة الحضارية"، بشرط أن يكون الهدف هو الزواج والاستمرارية، بعيدا عن الغايات المؤقتة كالحصول على الجنسية أو الهجرة أو المال.
كما يعتبر استاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتور مجدي الدين خمش أن الانترنت وسيلة من وسائل العصر، تتيح المجال للتعارف الاجتماعي والتواصل بين الناس في كل العالم.
وعن التشكيك في مدى نجاح أو فشل الزواج عن طريق الانترنت، يوضح أن فرص نجاحه واردة جدا، وتعادل أي فرصة أخرى كالطريقة التقليدية، والتي بدأت بالتراجع مؤخرا.
المصدر : الغد الاردنية