"لا يسعني الحديث عما تعرضت له من سوء معاملة، فأنا وعيت على الدنيا وأنا أتعرض لمختلف الإهانات اللفظية والاعتداءات الجسدية، لا أحد يتصور حجم المعاناة في دور رعاية الأيتام، إنها أقرب إلى مراكز إصلاح وليست دور رعاية".
بهذه الكلمات يلخص الشاب كامل عبدالحليم حسان (18 عاما) بعضا من معاناته في أكثر من دار رعاية للأيتام في المملكة، في القضية التي تحظى باهتمام بالغ من جلالة الملك عبدالله الثاني، وتعد الأولى من نوعها في الأردن التي تتكشف فصولها.
المرارة تتقاطر من كلمات كامل التي لم يستطع أن يخطها بنفسها، بسبب ضعفه في القراءة والكتابة وهو الذي لم يستطع أن ينهي أكثر من الصف الثامن، ويتساءل "لماذا يعاملونني بهذا السوء؟ هل لأنني أسود؟ أم لأنني لقيط؟ ألا يكفي أنني تركت مقاعد الدراسة من دون مبالاة من أحد".
ولكن الألم يبلغ مداه حين يقول بانكسار "تمنيت ذات يوم أن أنادي مشرفة الدار بكلمة ماما، لكنهم قتلوا كل حلم لدي بالطفولة".
فتح كامل عينيه على هذه الدنيا "مجهول النسب"، كان عثر عليه في ساحة ترابية بمدينة إربد في نهاية العام 1989 وفق تقارير رسمية، ليقضي طفولته ومراهقته متنقلا بين المراكز.
وفي الوقت الذي كان من المفترض فيه أن تكون تلك المراكز مأوى آمنا له ولأقرانه، كانت المشاهد العصيبة تتوالى أمام عينيه، ليختبر جميع صنوف الامتهان وانتقاص الكرامة والعقاب الذي يصل أحيانا إلى مستوى التعذيب.
الربط والضرب المبرح والحبس في غرف معتمة، والإجبار على "تنظيف المراحيض"، وخدمة مشرفي دور الرعاية، هي جزء يسير مما عاناه كامل مع رفاقه من مجهولي النسب داخل دور الرعاية.
وبعد عام على الخروج من تلك "المعتقلات" يتأكد بما لا يدع مجالا للشك بأن "الحياة واحدة، سواء كانت في المراكز الرعائية، أو في شوارع المدن"، فقد وجد أن اضطهادا كبيرا من المجتمع، لم يتمكن معه من إيجاده مأوى أو وظيفة عمل مناسبة يعتاش منها، وهو ما شكّل معاناة أخرى تُضاف إلى قائمة كبيرة يضطر "مجهول النسب" إلى اختبارها، وكأنما يعاقبه المجتمع على أمر لم يستشر فيه، ليقرر تقديم شكوى خطية رسمية للمنظمة العربية لحقوق الانسان، بمساندة زميله اليتيم أيضا ثائر عايش منذ نحو أسبوع.
الشكوى الخطية التي حظيت باهتمام بالغ من جلالة الملك عبدالله الثاني، وحصلت "الغد" على نسخة منها، تضمنت اتهامات إلى عدد من دور رعاية الأيتام في مناطق مختلفة من المملكة، من بينها تعرض كامل للتعذيب والربط والضرب المبرح. وقد شكلت وزيرة التنمية الاجتماعية هالة بسيسو لطوف أمس، لجنة مختصة للتحقيق في ملابسات الشكوى، والنظر في الاتهامات الموجهة إلى دور رعاية، حول اعتداءات جرت فيها، ضد الأيتام ومجهولي النسب، وسوء معاملة أطفال من الشريحة ذاتها، بحسب الناطق الإعلامي للوزارة حسين العموش.
لم يكن كامل يعلم إلى من يفضي بـ"حديث الذكريات المأساوي"، ولمن يشكو ظلم ذوي القربى، وإلى أي صدر يلتجئ ليقطع الطريق أمام تكرار مأساة تبدت في ملامحه، حتى قبل أن يتكلم.
ولكن للأردنيين يد حانية واحدة، هي يد جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي تسلم رسالة كامل، التي نقلها الشاب ثائر أثناء التقائه جلالة الملك خلال إفطار دور رعاية الايتام اول من أمس، وروى معاناة خريجي دور الرعاية من الأيتام ومجهولي النسب. الغد