نشرت صحيفة الغارديان في عددها الصادر أمس مقالة لسمو الأمير الحسن بن طلال حملت عنوان: (الأزمة السورية: يُمكن للشرق الأوسط التوحد للخروج من دوامة العنف)
وأبرز ما جاء فيها: عند النظر إلى ما هو أبعد من الإثارة القوية، التي تجلت خلال الأيام القليلة الماضية في عمليات التصويت في أروقة البرلمانات الغربية ، فنحن في الأردن نواجه بآثار يومية ناجمة عن أكثر من عامين من الحرب الأهلية القاسية والدامية في سوريا.
وسواء بالأسلحة الكيماوية، أم غيرها، فقد تم اقتلاع الملايين بعيداً عن أمن بيوتهم وأسباب عيشهم، وتضعضع ما تبقى من كرامتهم، وتبددت إمكانات وإبداعات دولة بأكملها. وشهدنا وما زلنا نشهد خطى متثاقلة لا تنتهي لأشخاص محطمين عبر صحرائنا الشمالية وهم يبحثون عن ملاذ آمن في مخيمات اللاجئين، التي تحاول الأردن تامين العيش الكريم فيها بمختلف الوسائل المتاحة.
لقد تم تمزيق سوريا، إضافة إلى أن استقرار كل من الأردن ولبنان على المحك من دون مساعدة دولية فاعلة. ولا تتكشف حقيقة هذه الحرب في مسرح السياسة العليا، أو العناوين الرئيسية الجذابة في الصحافة الغربية، بل في قصة مأساوية بسيطة تتمثل في المعاناة الإنسانية والأرواح المفقودة.
ومهما تكن المبررات، فإن تجارب الماضي تقول لنا إنه لن يكون هناك فائزون، وإن شعوب منطقتنا المصدومة تعيش بالفعل في فترة ما بعد الحروب الصناعية، التي تم خوضها بمختلف انواع الأسلحة حيث تبدو المعاناة التي تتسبب بها هذه الأسلحة المجهولة الهوية، واضحة للغاية بالنسبة لضحاياها. وأخشى بأننا محكوم علينا بتكرار الأخطاء العنيفة نفسها، والتي يبدو أنها لا تنتهي.
وكما أشار الكثيرون بالفعل في العالم الثالث أنه في حال حصول خرق للقانون الدولي في سوريا فمن الضروري وضع الأدلة أمام الأمم المتحدة، التي وضعت الهيكل الذي سمح بالتعبير عن الرعب الدولي تجاه الأسلحة الكيماوية في المقام الأول. وبعكس ذلك، فإننا نخطو خطوة أخرى بعيداً عن النظام الدولي الذي يجب أن يُشكل وحده الضامن النهائي للكرامة الإنسانية.
وفي الوقت الذي يتضح فيه أن شعوب هذه المنطقة هي التي ستعاني من أي عقوبة ستفرض بحق مرتكبي الجرائم، أياً كانوا وأينما كانوا، غير أن الوقت قد حان للتساؤل :من المستفيد من إنعدام استقرار ودمار منطقة برمتها. وربما تكون كلمات الرئيس الأمريكي الأسبق أيزنهاور وثيقة الصلة هنا:
"في مجالس الحكومة، يجب علينا أن نحترس من اكتساب نفوذ لا مبرر له، سواء أكان مطلوبا أو غير مطلوب، من قبل المجمع الصناعي العسكري. كما أن امكانية الصعود الكارثي للنفوذ في غير محله موجودة وستظل موجودة".
كيف يمكننا الخروج من دوامة العنف؟ يَنظر البعض منا في المنطقة بأمل نحو انعقاد مؤتمر (جنيف الثاني ). لكن حتى يحمل مثل هذا المؤتمر أية أهمية، يجب علينا نحن في غرب آسيا وشمال أفريقيا التخلص من السجال فيما بيننا لصالح إرساء أسس هيكل إقليمي يُمكن أن يجلب سلاماً حقيقياً من خلال التنمية الاجتماعية والاقتصادية والاستقرار وإحياء الأمل واستعادة الكرامة في منطقتنا.
وفي الوقت الذي تناقش مجموعة العشرين في سانت بيترزبيرغ مصيرنا ، فإنني أناشدهم إدراك اهمية رؤية بديلة لمساعدتنا في بناء نظام جديد من تحت رماد النظام القديم. لأنه يبدو أن التعاون بين دول العالم الثالث قد توقف إلى الأبد بسبب القوى الخارجية؛ انطلاقاً من غيرتها على نفوذها في عواصمنا بدول الشرق الأوسط. لكن من دون التعاون الإقليمي المبني على الاستقرار والتنمية، أو في حال فشلنا في إدراك فكرة قواسمنا الجماعية والبيئية، فإنه سيُحكم علينا بعدم القدرة أبداً على وقف الحرب العرقية والطائفية والمآسي الشخصية والبلقنة المحتملة.
وبغض النظر عن دوره في الوقت الراهن، إلا أن أعظم انجاز للإتحاد الأوربي تمثل في نصف قرن من السلام في منطقة ابتليت بالماضي بالصراع المتواصل. وبإنعام النظر في هذا الأمر، فإننا بحاجة ماسة أيضاً إلى المؤسسات التي تعزز الاعتماد الاقتصادي والأمني المتبادل، الذي يجعل من الصراع أكثر كلفة من العمل معاً. عندها فقط يُمكننا توقع حدوث استقرار في المناطق النائية من المنطقة المنتجة للنفط في العالم، وعندها فقط يمكن لشعوب الشرق الأوسط عيش حياة كريمة لا تشوبها الحروب المتواصلة الطاحنة.