لم يدر جدل حول أسرة سياسية في المشرق العربي كما دار حول أسرة الأسد، فالعائلة التي تمسك بالسلطة في سوريا منذ وصول الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى السلطة حددت هوية البلاد وطبعته بطابعها الخاص لعقود، ولكنها تواجه اليوم التحدي الأخطر لسلطتها محليا ودوليا فهل سيكون مصيرها كمصير عائلات "رئاسية" أخرى بالمنطقة؟
فخلال عقدين سبقا وصول الأسد الأب إلى السلطة شهدت سوريا عشرين انقلابا أو محاولة انقلابية، ولكن الرئيس الراحل تمكن من الإمساك بالمعادلات السياسية بعد تولي الحكم وأمن استتباب الأمور لصالحه وأثبت خلال عهده بأنه أحد أكثر الطغاة قسوة ودهاء في منطقة كانت تعج بهذا النوع من الحكام.
وفي عام 1982، سحق حافظ الأسد انتفاضة قادتها جماعة الإخوان المسلمين في مدينة حماة بعدما فرض حصارا قاسيا على المدينة وقتل زهاء عشرة آلاف من سكانها، كما خاص مع إسرائيل جولات من القتال والمفاوضات.
وامتازت سياسة الأسد الأب ببناء تحالفات مع إيران ومع حزب الله الذي تصنفه واشنطن على قوائم الإرهاب، ومع ذلك نجح في عدم تحويل أمريكا إلى خصم دائم، كما عمد خلال العقدين السابع والثامن من القرن الماضي إلى إرسال قواته إلى لبنان تحت شعار حماية المسيحيين.
وخلال فترة غزو الكويت شارك الأسد في التحالف الذي بناه الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش الأب، وأرسل ما يقرب من ألفي جندي للمشاركة في القتال إلى جانب القوات الدولية، وقد حاول نجله بشار السير على خطاه، فانخرط في علاقات شهدت حالات مد وجزر مع الرئيس جورج بوش الابن، ومع خلفه باراك أوباما.
وقد استعانت الإدارة الأمريكية بسوريا عندما احتاجت إلى حلفاء خلال غزو العراق عام 2003، وخلال السنوات الأولى من حكم أوباما كان وزير الخارجية الحالي، جون كيري، الذي يصف بشار الأسد اليوم بـ"المجرم" همزة الوصل بين دمشق وواشنطن والشخص المكلف بالتعامل مع ديكتاتور سوريا الجديد.
ما هي السيناريوهات المحتملة؟
يقول مراقبون إن الحرب الأهلية الحالية في سوريا هي تصفية لحسابات قديمة، فالسنة الذين يشكلون غالبية السكان يشعرون بالمرارة جراء العيش لعقود تحت حكم عائلة من الطغاة تنحدر من أقلية صغيرة هي الطائفة العلوية، ويشرح أندرو تابلر، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، ظروف الحياة في ظل حكم حافظ الأسد بالقول: "ضمن الأسد استقرار سوريا من خلال نظام مغلق. لم يتمكن الناس من السفر أو التواصل، كما كانت الأخبار الدولية شحيحة."
وأضاف تابلر، الذي سبق له نشر كتاب حول سوريا تحت عنوان "في عرين الأسد": "عندما وصل بشار إلى السلطة رفع القيود على السفر وسمح للناس بقراءة صحف دولية وبامتلاك صحون لاقطة وخطوط انترنت، وقد فتح هذا الأمر عقول السوريين، ولكن كيف يمكن السيطرة على نظام كهذا؟ كيف يمكن المحافظة على حكم متشدد وتسلطي؟"
وبالتزامن مع قرع طبول الحرب ضد سوريا بطلب الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، موافقة الكونغرس على ضربة عسكرية ضد دمشق، ومع استمرار الحرب الأهلية التي حصدت أرواح أكثر من مائة ألف شخص يلف الغموض مصير نظام أسرة الأسد.
في الواقع يمكن أن تشهد سوريا عدة سيناريوهات، إذ يمكن أن يقاتل الأسد حتى النهاية، فيخسر الحرب أو يُقتل، ويمكن أن يفر خارج البلاد ويطلب اللجوء إلى دول مثل إيران وفنزويلا وروسيا.
ولكن يمكن أيضا أن يتمكن الأسد من الصمود، ولكن سوريا لا يمكن أن تعود كما كانت، وفقا لما يوكده تابلر الذي يقول: "أعتقد أن ما يمكن أن يحصل هو أن تتمكن أسرة الأسد من حكم جزء من سوريا خلال المستقبل المنظور، ولكنها لن تتمكن أبدا من استرداد حكمها على كامل الأراضي السوري