وجه منظر التيار السلفي الجهادي في الاردن عصام البرقاوي الشهير بأبو محمد المقدسي من داخل سجنه انتقادات شديدة ومباشرة للدولة الإسلامية في العراق والشام، كما انتقد فتاوى نشرتها مواقع ومدونات جهادية تدعو لمبايعة أمير الدولة أبو بكر البغدادي، وسط معلومات يروجها جهاديون عن رسالة عاجلة سيوجهها زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري على وقع الاقتتال بين تنظيم الدولة وفصائل المعارضة السورية.
وجاءت الرسالة -التي حصلت عليها الجزيرة نت عبر قيادات سلفية جهادية أردنية- في توقيت هام جدا، خاصة وأن المقدسي كرر انتقاد "تنظيم الدولة" وسلوكه في سوريا، بعد أن طالب في رسالة له قبل نحو شهرين بـ"التمهل" إزاء فتاوى تدعو لمبايعة البغدادي، وبعد اختياره الاقتتال ضد "فصائل ترفع راية التوحيد".
وجاء في الرسالة "من المقدسي إلى المسلمين عامة، وإلى المجاهدين خاصة في ثغر الشام، لقد وصلت أخبار الفتنة بالشام إلى داخل السجون، وقد بذلنا جهدا كبيرا لإنهاء الاحتقان والتحزب، ونحن نعلم كثيرا عن دقائق الأمور، ونقرأ ما بين السطور، مما يصلنا من الثقات العدول، خاليي الشهوات، من مختلف الأطراف".
وتابع المقدسي في رسالته التي قال مسربوها إنها ستصل للمجاهدين في الشام على عجل "بخصوص القتال الحاصل بين الفصائل المجاهدة، وأعمال التفجير التي تستهدف مقار المجاهدين، فإن فتوى جواز الاقتتال بين المسلمين حماقة وتغرير، لا تصدر عن عالم فيه مسحة فقه أو دين قويم، والأمر في دماء المسلمين يحتاج إلى تقوى الله سبحانه وتعالى".
وأردف أيضا "بدل أن نوجه المجاهدين ليثخنوا أعداء الله والمجرمين من النصيرية الحاقدين، قلبنا البوصلة وأفرحنا أعداءنا بهذا، وهو ما لا ينكره متابع".
ووجه المقدسي هجومه لتنظيم الدولة "أقول معاتبا جماعة الدولة، إذا كنا لا نستطيع أن نجاهد ونتعامل مع الفصائل التي تحمل راية التوحيد، التي نقاتل من أجلها، وإن اختلفنا معا بالتفاصيل، فكيف يمكن لنا استيعاب السورييين بمن فيهم من النصارى وغيرهم من الطوائف والملل؟".
كما هاجم المقدسي -الذي يقضي عقوبة السجن لخمس سنوات في سجن أردني بتهم دعم حركة طالبان الأفغانية- بشكل لافت الفتاوى التي ينشرها موقع "منبر التوحيد والجهاد" الذي اعتاد نشر مقالات وفتاوى المقدسي ورسائله للسلفيين الجهاديين، وفهمت قيادات سلفية جهادية أن الهجوم يشمل فتاوى أبو المنذر الشنقيطي الذي نشر عدة فتاوى تؤيد تنظيم الدولة وتبايع البغدادي، إضافة للقيادي في التنظيم أبو همام الأثري، وهو بحريني الجنسية.
وجاء في رسالة المقدسي "بخصوص الفتاوى التي تصدر على منبر التوحيد والجهاد، يهمني أن يصل إلى إخواننا المجاهدين أنني مستاء جدا، ويتملكني الحزن، حيال الفتاوى والتصريحات المنشورة على الموقع، والتي تسيء للجهاد على أرض الشام، وتتحيز إلى فئة دون أخرى، والتي في مآلاتها استحلال لدماء المسلمين، وتحريض على مخالفة المرجعيات، خصوصا الشيخ الدكتور أيمن الظواهري".
كما قال "إنني غاضب جدا مما يكتبه الأثري والشنقيطي، وأتمنى أن يصل إليهما غضبي. لم أكن أتوقع أبدا أن تصدر مثل هذه الفتاوى، مهما كان تبريرها، لا سيما تلك الخاصة بجواز قتال من لا يبايع الدولة، والفتاوى التي تلزم المسلمين ببيعة البغدادي بيعة إمارة كبرى".
ورغم تأكيد قيادات سلفية جهادية أن الرسالة ستنقل لـ "المجاهدين في الشام" وسط معلومات غير مؤكدة عن وجود نسخة صوتية لها، عوضا عن التسريبات عن قرب صدور رسالة للظواهري، فإن هؤلاء يرجحون أن لا يلتفت "تنظيم الدولة" لهذه الرسالة بعد أن حسم أمره بـ"الانشقاق" عن القاعدة.
وبرأي الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية، وصاحب دراسة عن الحركات الإسلامية في الثورة السورية، محمد أبو رمان فإن رسالة المقدسي هامة خاصة لجهة إعلان انشقاق الدولة عن القاعدة.
وبحسب مراسل الجزيرة نت في عمان محمد النجار قال "الرسالة فيها تأكيد على موقف المقدسي وإلى جانبه أبو قتادة الفلسطيني وكلاهما من أهم المنظرين القدامى في التيار السلفي الجهادي على مستوى العالم، وتكرس انحيازهما لخط الظواهري وجبهة النصرة في مواجهة مشروع الدولة الإسلامية في العراق والشام".
وزاد "هذه الرسالة تخرج ما كان متداولا في الأوساط السلفية الجهادية همسا إلى العلن"، والتأكيد على أن "تنظيم الدولة" تمرد على القاعدة وخرج عن مسارها ولم يعد منها.
ويلفت أبو رمان النظر إلى أن الرسالة تؤكد على الانقسام في صفوف التيار السلفي الجهادي الأردني بين مجموعة محدودة تعلن ولاءها للدولة يقودها عمر مهدي زيدان، وبين المزاج العام الذي يقوده المقدسي وأبو قتادة، ويقترب منه الدكتور إياد القنيبي رغم أنه ليس من التيار، وجميعهم أقرب للنصرة وللجبهة الإسلامية من الدولة ومشروعها.
ويشير إلى أن الرسالة تعتبر من الرسائل السياسية الهامة في وقت تشتعل فيه المواجهة بين "تنظيم الدولة" من جهة وبقية الفصائل المعارضة في سوريا من جهة أخرى، خاصة وأن هذا النوع من الرسائل يؤثر في الساحة السورية، حيث انتقد تنظيم الدولة عبر حسابات له على مواقع التواصل الاجتماعي من أسماهم "المنظرين الجالسين في بيوتهم" وحملهم مسؤولية التحريض عليه، وهو ما فهم بأنه شمل الشخصيات السلفية الجهادية الأردنية بالدرجة الأولى.