بسام الياسين
واحد من الندرة النادرة المُجددة التي اعادت كتابة سيرة الرعيل الاول من الابرار، باحرف نوارنية تبهر العيون،وتعطر المكان والزمان .هذا الحيدرة انعش الذاكرة، بتجديد تاريخ اولئك الاوائل الكبار الذين ترفعوا عن مغانم المنصب،وعَرض الدنيا ليبنوا وطنا شامخاً، بدل ان يبنوا امجاداّ شخصية كاذبة بسيوف خشبية،وثروات هائلة لا من حلال بل من لصوصية .و هو من سلالة الذين قاتلوا لاعلاء بنيان الوطن بالعمل و الايمان بدافع من وطنية متجذرة، وانتماء راسخ للبلد و اهله الاطهار.وهو من نسل الفرسان الذين لم يتركوا وراءهم سوى سيرة ناصعة و سمعة عطرة.وهو النقيض لأدعياء الوطنية الانتهازية، الذين يعتقدون زوراً وبهتاناً ان الوطن لا تستقيم اموره ،و لا تستقر اوضاعه، ان لم يكونوا ربانه،ويقودوا دفته حيث تشاء رياحهم .
*** لم يغمد الزبن سيفه المسنون،وظل يقارع حيتان السوق الفاسدين،و تدخلات كبار المسؤولين المنحرفين،والمطبعين الانجاس منذ توليه المسؤولية.فعل كل ذلك لانه على يقين،ان العدالة لا تاتي بحسن النوايا ،و لا بالطبطبة على ظهور الرعايا،إنما تحتاج احياناً الى "دُرّة عمر" رضوان الله عليه،و احياناً الى "سيف علي البتار" كّرم الله وجهه لمحاربة الاشرار،اكثر من حاجتها لقانون لا ينصب ميزانه الا بوجه الضعفاء.ما فعله حيدرة هو ما فعله الرعيل الاول الاطهار ـ ايام زمان ـ .افعال لم تكن معجزات اسطورية،ولا اساطير إعجازية،لكنها طهارة وظيفية تتساوق مع الفطرة السليمة،و التربية الوطنية التي تصب في صالح الجماعة لا جيوب الافراد.
*** د.حيدر هو واحد من القلة القليلة الجسورة التي تقول: "لا" كبيرة بمساحة الوطن،للفاسدين مدنيين ورسميين..وهو ركن ركين من اركان الفئة الناجية ـ باذن الله ـ من سوء السمعة والصنعة التي مازالت تقول قولاً وطنياً لم تسمعه من قبل وحوش السوق،وسماسرة الصفقات،و اصحاب العُمولات السرية.هذه الـ "لا" المقدسة ، نسجها الزبن قصصاً رائعة بالابيض الابيض على صفحات شديدة السواد، خطوطها النزاهة،و رسمها لوحات مشعة، الوانها رجولة،و إطارها جسارة،رفعت رصيده الشعبي في البنك الوطني الى سبعة ملايين معجب.
*** في زمن انهيار الطبقة السياسية وإفلاسها،وسقوط النخبة وعطبها،ونمو طبقة الانتهازيين من تجار الوطنية،ممن كانوا بالامس من فرسان الاحكام العرفية،ومسامير النظام.اكتشف الجميع، انهم اشد عداوة له من اعداء النظام التقليديين، لادراكهم انهم بلا مناصب زبائن دائمين في بئر النسيان،والسبب انهم لم يتركوا في الذاكرة الجمعية الاردنية أي فعل يُسجل لهم بل عليهم،وان قبورهم لن تصبح مزارات تقدم اليها القرابين ان ظلوا خارج الوظيفة،فاشتعلت في دواخلهم شهوة السلطة السادية التي تكاد ان تقتلهم. فقاموا بمهرجان من المناكفات وقرعوا طبولاً،جلودها مشدودة،كي يسمعها السلطان وحاشيته لعل وعسى، ارادة تصدر منه،او اشارة تاتي من هنا وهناك تحمل بشرى العودة الى ماكان في غابر الزمان،لكن الزبن ظل وفياً لمبادئه النقية، ووطنيته العميقة.جُلَ همه ناسه ،فاستحق وسام تقدير الناس وحبهم،وامتلك حصانة شعبية تُحصّنه من مكائد "الكبار".
*** سلوكياته اسست لمرحلة جديدة ملخصها،ان الشرفاء لا يتبدلون ولا يتلونون، حيث استطاع ان يكسر القواعد المغلوطة المتبعة في تعيينات الطبقة الاولى، بان المحسوبية اهم من الكفاءة،والواسطة تُغني عن الخبرة،و قلب المفهوم الزائف انه في الزمن الوحل لا يصل الا المتزلفون الذين يجدلون من نفاقهم سلالم للوصول،حتى صار وصولهم للمراكز المتقدمة خسارة الخسارة،وفضيحة الفضائح لما جره وصولهم الفضائحي من فضائح،لانهم خلطوا المواطنة بالتهريج،والانتماء بالادعاء،و الاخلاص بالتمثيل.فجاء الزبن المنتمي لا المدعي،والمخلص لا الممثل،والوطني لا المهرج متحدياً عتاولة الفساد، شاهراً سيف الحق في وجوه اراذل اهل الارض.فَوَلدَّ املاً من رحم اليأس في قلوب الناس حين هشمّ رؤوساً كبيرة،و جردها من هالتها المكذوبة.فاعاد للوظيفة هيبتها،وللموظف كرامته،وللناس ثقتهم بالدولة ان فيها رجالا يخافون الله ويعملون للصالح العام.
*** في الحرب العالمية الثانية،فشلت احدى الفرق البحرية الامريكية فشلاً ذريعاً.فقامت الادراة العليا للاركان،بتغيير شامل لقياداتها،و اجرت تعديلات جذرية على خططها،لكن الفرقة واصلت فشلها.لذلك قررت القيادة حلها،وتوزيع افرادها على وحدات الجيش الاخرى،الا ان رئيس هيئة الاركان رفض الحل،واختار جنرالاً فذاً كمحاولة اخيرة لانقاذها.وفي اقل من ستة اشهر،اصبحت الفرقة اهم و افضل قوة بحرية امريكية في اعالي البحار بفضل الجنرال الموهوب.
*** الادارة والقيادة ليستا سحر ساحر،بل عمل مضنٍ وسهر طويل وتخطيط سليم،وحسن اختيار للرجل المناسب.مشكلتنا الكبرى اننا لا نحسن الاختيار،بينما نحن بحاجة لقيادات من طراز ذلك الجنرال، لانقاذ مؤسساتنا الفاشلة ووزاراتنا المحنطة، ودوائرنا الميتة،لنشلها من البيوقراطة والتخلف.و لضمان الاصلاح،نحن احوج ما نكون لقادة اوفياء يحبون الوطن، ويخافون الله، ويدورن مع الحق اينما يدور امثال الجنرالات :محمد ذنيبات،محمد نوح القضاة،حيدر الزبن،هايل عبيدات،حازم الناصر،عماد المومني وغيرهم من الجنود المجهولين الذين يعملون بصمت.مع تأكيدنا ان هؤلاء لم ياتوا بمعجزات خارقة،لكنهم انسجموا مع القوانين، وتناغموا مع ضمائرهم،وحصّنوا انفسهم بتقوى الله،وعملوا للصالح العام وليس لمصالحهم كما فعل ويفعل الفاسدون.
*** الخطيئة التي لا تغتفر التي ورثناها من ايام الاحكام العرفية، ان الحكومات المتعاقبة كانت تُفصّل وزارات ومؤسسات كجوائز ترضية لاشخاص اقل من عاديين،وتعمل على تخريب المؤسسات الناجحة،بالاستغناء عن الاكفاء وتعيين المحاسيب.فكان الخراب العميم.جاء الزبن وتحدى الخراب بالتصدي لواقعة خطرة لا تقف عند حدود المواصفات والمقاييس بل تقع في صميم الامن الوطني،حيث راينا انفسنا في مرآة الموت،وكنا على وشك الوقوع في شبكة الغام،نزرعها نحن في بيوتنا،فقام الرجل الشريف بنزع فتيل الصفقة و ابطل مفعولها ،فاستحق الكتابة عنه والوقوف الى جانبه.
*** صفقة اسطوانات الغاز الفضيحة، فضيحتها ستكون مضاعفة اذا كان "بطل" الصفقة وزير عامل اذا ثبتت روايات المواقع الالكترونية.هذه الواقعة تُذكرنا بكارثة سقوط مبنى مؤلف من تسع طوابق لصنع النسيج في بنجلاديش ادى الى مقتل اكثر من (800) عامل،رغم تحذيرات العمال للادارة من وجود تصدعات كبيرة،وعيوب خطيرة في المبنى، الا انها لم تكترث،ولم تاخذ بمعايير السلامة وكان ما كان من وصمة عار على جبين الحكومة، وهروب صاحب المصنع بعد ان دفن العمال احياء تحت ركام المبنى.نختم بالامتنان للدكتور حيدر من العقبة حتى الطرة،فالناس لا يرغبون موتاً باسطوانات الغاز،على شاكلة من قضوا بافران الغاز.