الفارق واضح وكبير بين اقرار التغيير الوزاري في الاردن تحت ضغط الشائعات والظرف السياسي والاقتصادي المحلي والاقليمي وبنسق متسارع بدون مبرر وبين انجازه على اساس قناعة بأن الفرصة مهيأة جدا لوزارة جديدة وناجحة او يمكن ان تقدم نسب نجاح افضل من تلك التي تحققها وزارة الرئيس الحالي نادر الذهبي.
بمعنى سياسي اخر ومباشر يمكن القول ان صاحب القرار المرجعي من حقه طرح السؤال التالي: ما هو المبرر المنطقي لتغيير رئيس الوزراء الحالي ما دام الظرف لا يسمح بعد او لم ينضج لتركيب حكومة مقنعة اكثر او من لون آخر تماما؟
المسألة مسألة خيارات- يقول سياسي رفيع المستوى - ويشرح لـ 'القدس العربي': بكل الاحوال ثمة قناعة وسط مستويات صناعة القرار بأن التركيبة الحالية للحكومة لم تكن مؤهلة للتقدم امام مجلس النواب لو انعقدت دورته العادية في وقتها.
ويضيف: في ضوء ذلك ثمة تصورات راسخة في الواقع اهمها ان نتائج استنساخ وزارة جديدة من نفس الوعاء البيروقراطي والبرامجي المتفق او المتوافق عليه مساوية تماما لنتائج الحفاظ على الرئيس الحالي وتركيبته ما دامت التجارب السابقة عادية ومتماثلة ومساوية بالمقدار وان كانت معاكسة بالاسماء والاتجاه في بعض الاحيان.
وزير البلاط السابق سمير الرفاعي وأحد المرشحين للعب في الايام المقبلة فكك بعبارة واحدة في احدى المناسبات سر الاسرار في التعديلات والتغييرات الوزارية عندما قال: لإزالة لوحة صغيرة عن جدار قد يتطلب الامر استخدام سكين ناعمة وصغيرة، لكن احيانا يكون المطلوب استخدام مطرقة او بلدوزر لازالة الجدار نفسه واللوحة في وسطه، معتبرا بأن اعتبارات الصورة التي تراها القيادة هي التي تتحكم بمن سيصبح رئيسا.
اذا يصبح السؤال كالتالي: لماذا يرحل الرئيس نادر الذهبي وتدخل البلاد في تجربة جديدة لرئيس آخر من نفس الطراز والعجينة؟.. وهل يحصل ذلك فقط لان الشارع يطلب التغيير ولان النخب والصالونات يناسبها ذلك؟
المرجعيات وفقا لمصادرمطلعة لا تفكر بهذه الطريقة والاضطرار لتجربة مماثلة ومستنسخة عن وزارات سابقة مثل وزارة معروف البخيت او عدنان بدران يعني ببساطة بأن المنطق يفترض بقاء الرئيس الحالي وطي صفحة التغيير الوزاري.
بالمقابل ثمة مؤشرات في اتجاهات معاكسة نسبيا فسياسيون كبار وعلى اطلاع يميلون للاعتراف مرحليا بأن سلسلة من الحكومات المشكلة سابقا لم تكن بمستوى الرضى المطلوب ملكيا بل خيبت آمال المرجعيات في بعض الاحيان وتم التعبير عن ذلك علنا وفي اجتماعات مغلقة.
وليس سرا مستويات الانتقاد والملاحظة المرجعية توسعت مؤخرا بخصوص اداء وزارة الرئيس الذهبي الذي جاء مماثلا لاداء اغلب اسلافه في الحكم لكن مستوى الخيبة لم يصل بعد لمستوى الحد الفاصل الذي يستحيل معه القبول باستمرار الحكومة الحالية، خصوصا وان الظرف السياسي والاقليمي والاصلاحي واحيانا الامني والداخلي لم يسمح بعد بولادة تلك الوزارة الانموذج التي تمثل روحية ما تريده القيادة وتجمع الاداء بالقبول الشعبي المقنع وسط لاءات مفترضة يعرفها الجميع تخص وزارة برلمانية او العودة لرؤساء الماضي بعد تجريب عبد الرؤوف الروابده واخيرا لاءات تخص اللجوء لشخصيات تنتج من الجدل اكثر مما تنتج من التوافق.
نتيجة هذه القناعات واضحة للمراقبين في المستوى السياسي وتنزيل الاستنتاج على الارض الآن يعني ان اهم اسباب صمود وزارة الذهبي في الفترة اللاحقة - اذا افلت من الاسابيع الستة المقبلة- سيكون عدم توفر البديل المقنع فعلا وضعف الرغبة في تجريب المجرب او الاستنساخ مجددا.
العارفون بنهج الملك عبدلله الثاني يقرون بان اول واكثر ما تهتم به مستويات المطبخ المركزي في الدولة دوما عند نقاشات التغيير والتعديل الوزاري هو مستوى الانسجام وروحية التراضي والتوافق بين المؤسسات والشركاء والعمل بروح الفريق. وبعض هؤلاء يعترفون بان التوافق في بعض الحالات التوزيرية كان يؤخذ بالاعتبار على حساب الكفاءة والحد الادنى واحيانا على حساب آمال المشروع وطموحاته ومفرداته بهدف اطلاق الطاقات ومواجهة التحديات وتحريك الماكينة بدلا من استسهال الجلوس مطولا في كرسي التجاذب.
بعض التقييمات في الغرف المغلقة جدا قررت بأن تجارب محددة ولاسباب متعددة انتهت بتجاذب حاد لم يتوقف فقط عند حدود التراجع في مستويات التنسيق بين الشركاء الذين اتيحت لهم فرص الحكم والمسؤولية ولكن تجاوز ذلك لمستوى تعطيل العمل وارباك النخب الوزارية والتوقف اجباريا بالتالي عند الحاجة لصفحة جديدة على شكل وزارة جديدة.
حصل التجاذب في البدايات بين الروابده وعبد الكريم الكباريتي وحصل لاحقا داخل وزارة علي ابو الراغب واربك التجاذب العمل بعدما اصطدم الرئيس فيصل الفايز بالجنرال سعد خير واجهزعلى حكومة عدنان بدران مبكرا قبل ان يصل لمستويات مقلقة في عهد وزارة معروف البخيت ولاحقا في عهد الرئيس الحالي الصيف المنصرم.
وذلك بكل الاحوال لا يشكل القناعات الوحيدة في مستويات القرار مرحليا فخبراء العهد والقريبون من مؤسسة القصر يعتقدون بان تاجيل الدورة العادية للبرلمان لمدة شهرين لم يكن ـ كما قيل - يهدف لإراحة وزارة الذهبي او دفعها للاسترخاء او لانتظار خطة الرئيس اوباما كما راج في سلسلة تحليلات سطحية للغاية، بقدر ما كان يهدف لارسال رسالة تقول إن كل الخيارات ممكنة بمعنى ان القيادة لا تريد الغرق في لعبة سياسية تقليدية تحت عنوان العمل تحت ضغط خيار استراتيجي واحد دوما.
وهذا النمط من الترميز في رسائل الباطن السياسية يؤشر على ان الاسابيع الستة المقبلة - بدون برلمان - توفر وقتا داخليا للتفكير بالخيارات الاستراتيجية بحيث تصبح فرصة بقاء الذهبي موازية تماما لفرصة رحيله وحصة التغيير مساوية لحصة التعديل وكفة انتخابات مبكرة مساوية للكفة الاخرى المتمثلة ببقاء التركيبة الحالية المزعجة للبرلمان.
في غضون الاسابيع الستة المقبلة ستتحدد الخيارات وبدون اي اهتمام بالشائعات ولا التكهنات، وبكل الاحوال لا علاقة اطلاقا بين ملفات التغيير الداخلية وخطة اوباما التي لم تعد عمان تنتظرها او اي من العناصر الاقليمية او الدولية او الاسرائيلية فقد رحل الجنرال محمد الذهبي صبيحة حرب ذات بعد اقليمي شنتها اسرائيل وفي توقيت لا يدلل الا على ثقة القيادة بخياراتها.
هذا التربيط علق عليه باستغراب المستشار السياسي للسفارة الامريكية خلال احدى الجلسات التي جمعته بمثقفين اردنيين مشيرا الى ان القيادة الاردنية لا تأخذ بالاعتبار في العادة عوامل ادارته في واشنطن عندما يتعلق الامر بملفات وقضايا داخلية ملمحا الى ان ما يحدث في الواقع العكس احيانا فمواقف عمان وآراؤها هي التي تحترم تؤثر في قرارات ومؤسسات داخلية في واشنطن تتعلق بقضايا المنطقة.
ومحليا يمكن القول ان حشر التغيير الاستراتيجي في سقف زمني هو المتبقي من عمر الدورة العادية للبرلمان بتوقيتها الجديد ينبئ بأن تغييرا هاما وكبيرا سيحصل وعندما تنجلي الصورة اكثر سيصبح بقاء الذهبي او رحيله مجرد تفصيلة في ماكينة اهم واستراتيجية عمل اكثر دقة واعمق تأثيرا. 'القدس العربي' - بسام البدارين