اتفق خبراء على أهمية تخفيض النفقات الحكومية في موازنة العام المقبل، وذلك لمواجهة العجز، بدلاً من فرض ضرائب جديدة على المواطنين، لاسيما في ظل الأزمة المالية العالمية.
وركز هؤلاء على أهمية تخفيض النفقات الجارية، خصوصا غير الضروري منها، كالإنفاق على السيارات الحكومية، وبدلات السفر والمياومات، مع تخفيض بند النفقات العامة في الموازنة.
وبحسب الخبراء، فإن تخفيض النفقات الرأسمالية، رغم أنه سيكون ملحوظاً وسينعكس على الأداء الاقتصادي بشكل عام وقد يعطل بعض المشاريع، إلا أنه مطلب اقتصادي في هذه المرحلة.
وكان مصدر حكومي كشف أخيراً أن حجم موازنة العام 2010 تتراوح ما بين 5.8 و5.9 بليون دينار، إذ من المتوقع أن تقل الموازنة عن العام الحالي بمبلغ يتراوح بين 300 و400 مليون دينار.
وزير الصناعة والتجارة الأسبق واصف عازر أوضح أن تخفيض النفقات الحكومية في موازنة العام المقبل معقد، وسينعكس على قدرة الحكومة تقديم خدمات أوسع وأشمل، إلا أنه مطلب أساسي من الناحية الاقتصادية.
وأضاف أن نسبة الإنفاق الحكومي على الدخل القومي عال جداً، ويقترب من إنفاق الدول التي تتولى فيها الحكومة كافة النشاطات، بينما يتصف فيها القطاع الخاص بأنه ضعيف.
ولفت عازر الى أن تخفيض الإنفاق مهم، إلا أن القضية لا تتمثل بالتخفيض لمرة واحدة، إذ لا بد من وضع برنامج للسياسة المالية بشكل كامل، والذي يمثل الموازنة وقانون الضريبة والقدرة على الاقتراض، بالإضافة إلى حجم الدين العام الداخلي والخارجي.
وبحسب التقديرات الأولية لموازنة العام المقبل فإن العمل يرتكز على تخفيض النفقات الجارية بقيمة تقارب 200 مليون دينار عن العام الماضي، من خلال تقليص دعم المحروقات لتبلغ قيمتها 15 مليون دينار تقريبا بدلا من 65 مليون دينار رصدت خلال موازنة العام الحالي.
بدوره قال أستاذ الإقتصاد الجزئي في الجامعة الأردنية عبد خرابشة إن الإشكالية في الموازنة تتمثل بالعجز الذي ازداد خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي بشكل كبير، الأمر الذي يقود إلى مشكلة في الاقتصاد على المدى البعيد.
وأشار الخرابشة إلى أن الاتفاق بين الأردن وصندوق النقد الدولي يقضي ألا يزيد العجز في الموازنة عن 3.5-5%، فيما تشير توقعات بعض المراقبين إلى وصول العجز إلى نحو 9%.
وبين أن حل مشكلة العجز يكون إما بضبط النفقات أو تخفيضها أو من خلال زيادة الإيرادات والتي يمكن أن تسبب مشكلة في الوقت الحالي، إذ إن الإيرادات تزيد عبر الضرائب ما يؤثر على تنمية المجتمعات المحلية.
وتسعى الحكومة بحسب مصادر مطلعة إلى خفض العجز لمستويات آمنة؛ بحيث لا تتجاوز 6% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تشير التوقعات إلى وصول عجز موازنة 2010 إلى حوالي 800 مليون دينار.
وأكد الخرابشة أهمية ضبط النفقات الجارية، خاصة غير الضرورية منها، كالسيارات الحكومية والإضاءة والتدفئة في المؤسسات الحكومية، بالإضافة إلى أجور المياومات والسفر إلى الخارج، مشيراً إلى أن بند النفقات العامة في الموازنة كبير ويضم العديد من الأمور.
وتقدّر قيمة النفقات الجارية والتشغيلية بمبلغ 460 مليون دينار، تشكل الأجور والرواتب منها 2.6 بليون دينار، و700 مليون مخصصات تقاعد و400 مليون لسداد الدين، أي أن النفقات الجارية المكررة تقارب 4 بلايين دينار.
وقال الخرابشة إن النفقات الرأسمالية ليس من الضروري تخفيضها، فالحكومة تضع أرقاماً كبيرة للنفقات الرأسمالية بالعادة، بينما لا تنفذ كافة المشاريع حيث تؤجل بعض النفقات كفتح شوارع أو يمكن طرح العطاء نهاية السنة، لتكون المبالغ المدفوعة زهيدة، وتحسب من موازنة العام الذي يليه.
أستاذ الإقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري أوضح أن الإيجابية الوحيدة لتخفيض النفقات هي تقليل نسبة العجز من الميزانية، الأمر الذي يترتب عليه أبعاد سياسية واقتصادية، إذ إن الدائنين والمقرضين يهتمون بألا يتجاوز العجز نسبة معينة من الناتج المحلي الإجمالي.
ونبه الحموري الى أن خطورة ضبط الإنفاق يتمثل بأن هذه الخطوة تأتي في فترة الأزمة المالية العالمية، والتقشف وضبط النفقات تؤدي إلى تقليل الطلب العام، ما يزيد الفقر والبطالة، حيث أن كثيراً من هذه النفقات مخصص للفقراء، موضحاً أن ضبط النفقات يخفض العجز من جهة، وبالمقابل تتعمق الأزمة ويستمر الركود لفترة طويلة.
ويجري العمل على تخفيض النفقات الجارية الواردة تحت بند شبكة الأمان الاجتماعي بحوالي 150 مليون دينار؛ والتي بلغت قيمتها خلال العام الحالي نحو 447 مليون دينار، مع إمكانية تراجع قيمة دعم المواد الغذائية عن العام 2009؛ حيث قدرت بحوالي 215 مليون دينار.
من جهته، أكد عازر أهمية توجيه الحكومة الاستثمارات للقطاعات الانتاجية، وذلك ليتمكن القطاع الخاص من الحلول مكان الحكومة، بالقدرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من المقبلين على سوق العمل، فالأصل مكافحة البطالة والفقر بإيجاد فرص عمل وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين.
وأضاف أن تخفيض النفقات الجارية والرأسمالية سيكون ملحوظاً، ولكن ليس هناك بديل أمام الحكومة، فالبديل يكمن بفرض ضرائب أو التوجه إلى الاقتراض وزيادة الدين العام، أو زيادة الدين الداخلي وسحب السيولة من السوق المحلية، في حين أن الاعتماد على المساعدات، ليس سليماً فالمساعدات لا يتم تقديمها دون مقابل.
وتسعى الحكومة إلى تخفيض النفقات الرأسمالية بحوالي 200 مليون دينار، من خلال تأجيل مشاريع رأسمالية لا تعد أولوية خلال هذه المرحلة الصعبة، في الوقت الذي تلتزم فيه الحكومة بـ400 مليون دينار كأقساط الدين وفوائده المتوقعة خلال العام المقبل.
وأكد الحموري أنه بالأصل يجب ألا تهتم بالعجز بشكل كبير كما حدث في أميركا خلال فترة الكساد الكبير ما عمق الأزمة في ذلك الوقت، مشيراً إلى أهمية ترشيد النفقات لاسيما التي تنطوي على هدر، وذلك من خلال محاربة الفساد واعتماد مبدأي الشفافية والمساءلة.
وأوضح الحموري أنه لابد من الحفاظ على الإنفاق الرأسمالي، الذي يحمل مشاريع استثمارية تعمل على إيجاد فرص عمل الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق التنمية المجتمعية.
وتشير توقعات موازنة 2010 إلى انخفاض الإيرادات بحوالي 500 مليون دينار الأمر الذي ساهم بتفاقم عجز الموازنة العامة للعام الحالي لمستويات مقلقة حيث يرجح أن يصل لحوالي 1.1 بليون دينار. الغد