صحيفة العرّاب

صاحب "الكيا"

 عند عودتي من الإمارات بعد سبع سنوات اغتراب لم أكن أملك خيارات كثيرة..كما لم أكن أملك وفراً مالياً يستأهل كل تلك الغيبة  ، قلت في نفسي اذا تثبتّ في جريدة الرأي فسأشتري سيارة ..واذا "تعصلج" التعيين فسأفتح بالسبعة ألاف دينار التي املكها محل لأواعي الأطفال لأني أحب الطفولة...أو "ملبنة" لأني "معاجزي" ولا أحب المجهود العضلي... فتم تعييني  بالرأي ،عندها قررت شراء سيارة على قدّ "قريشاتي"..فكانت الكيا 95 لون كحلي - الله يمسيها بالخير وين ما هي دايرة وجهها- دفعت ثمنها خمسة ألاف وربع ومضيت...

 كانت "الكيا 1" مزاجية مثلي، أحسها في بعض الأحيان سعيدة وبعض الأحيان مكتئبة ،بعض الأحيان منتصرة وبعض الأحيان منكسرة ،  كنت أشعر بحبّات عرقها في الصيف على الزجاج، وانبحاح صوت "المكيّف" في آب...وتجمّد أطراف أصابعي عندما يلامسن أطراف الدعسات الصغيرة في الشتاء ، كما كان يحزنني جداً غباش الأضوية الأمامية وصفرة الغمازين  الجانبيين وكلما نويت ان أجري لهما "بولش" او عملية "مي زرقا" كان يخذلني الراتب فأؤجلها للشهر التالي ..برغم كل ذلك الا أنني  كنت أحبّها، أقسم لكم اني كنت أحبها ..أحبها لأنها حملت معي الكمية كاملة من كتابي الأول "سواليف" من مطابع الرأي إلى الرمثا وكانت تبدو فرحة سعيدة دون أن تتأفف أو تتوقف...أحبّها لأنها صديقة أولادي ورفيقة مراجعات أمي الدورية عند الأطباء   ، احبها لأنها تشبهني..خجولة وصريحة ، قانعة وطموحة ..تحتاج الى صيانة لكنها تؤجل حاجتها لآخر الشهر..باختصار لقد كانت "أصيلة" وتحفظ العشرة..ولذلك ما زالت صورها على جهازي الخلوي حتى اللحظة  مثل حبيبة لا استطيع نسيانها...

**

أحد أبناء أصحاب المعالي ممن تدفع لهم  الحكومة ثمن "الجلّ" و"الواكس" و"الشبّاحات" خاصته... تكلّم قبل يومين بنبرة "انطوانيتيه"..لأن صاحب سيارة "كيا" تشاجر معه..معتقداً ان صاحب السيارة حاقد عليه فقط لأنه يقود مرسيدس "أس كلاس"..!!..

يا ابن الوزير.. صاحب الكيا الذي لا يعرف من أنت؟؟ على الأقل هو يعرف نفسه جيداً...هو من يبحث عن اللقمة الحلال في زمن الذين يرتعون في الحرام ..هو الذي يذهب الى داومه،  الى مدرسته، الى بقالته، الى مناوبته،  الى معسكره،  الى دائرته، و لا يرتجي من هذه الدنيا سوى رضا الله ورضا الوالدين و الوطن..صاحب "الكيا" يا ابن الوزير...هو الذي لم يختصر  الوطن على مقاس جيب أبيه وعلى مقاس استثماراته، صاحب الكيا يا ابن الوزير.. هو الذي لا يفاوض على أردنيته المرّة ، ولا يقبل أن يكون "طفل" البسكويت الذي يطل لتوه من قفص الخداج ويسرّح شعره على مرآة "الماما"...صاحب الكيا يا ابن الوزير ..هو الذي يرضى بالمقسوم ويحمد المعبود...صاحب  الكيا لا يحقد عليك يا بنيّ...الا بمقدار استخفافك أنت يطيبته وطيبة  البلد ..صاحب الكيا يا ابن الوزير هو الذي يدخل على أطفاله بأكياس الخبز وتعب النهار وقلق الغد..صاحب الكيا هو الذي يبات "مغلوب" لا غالب ، مطلوب لا مطالب ...صاحب الكيا هو من يفرح أطفاله  بعودته ليغفوا جميعاً على ردن "فروته"...صاحب الكيا يا ابن الوزير...هو الذي يتسوّق من "بكمات الخضار" ويشتري من معّاطات الجاج،ويشتري قميصاً من سوق الجمعة... لأنه لايتقاضى راتباً كراتب الوالد وزملائه ليشتري  من "الكارفور" و"السيفوي" و"السيتي مول".

 منفعل غضبان نزق متكبر متغطرس مزعوج أنت .. لأن صاحب "الكيا" لم يعرف حضرة جنابك؟!!...صدقني هو يعرفك ...ويعرفك جيداً...

 لأنه هو من يملأ "سيارتك فل بنزين" كل صباح من جيبه الخاص..

 ثم تتكرّم عليه و تشتمه!!

 

احمد حسن الزعبي