يحيي الاردنيون اليوم السابع من شباط الذكرى العاشرة ليوم الوفاء والبيعة ، ذكرى الوفاء للمغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، والبيعة لجلالة الملك عبدالله الثاني المعظم حفظه الله، ففي السابع من شباط من عام 1999، رحل جلالة الملك الباني الحسين بن طلال طيب الله ثراه، بعد قيادة حكيمة ومسيرة حافلة بالإنجازات على مدى سبعة وأربعين عاما، عاشها الحسين وشعبه الوفي، وهم يعملون من اجل الوطن وإعلاء شأنه ومن أجل العرب والدفاع عن حقوقهم وقضاياهم العادلة.
الحسين: استذكار معان عطرة وكفاح وجود وبناء
ومنذ ان اعتلى الراحل الكبير المغفور له الملك الحسين العرش في الحادي عشر من شهر اب من عام 1952 وهو يتطلع الى خدمة الشعب الاردني ورفع مكانة الدولة الاردنية، وما ان جاء يوم تسلم جلالته سلطاته الدستورية في الثاني من ايار عام 1953 حتى كانت الانطلاقة للدولة الاردنية التي اثبتت مقدرتها على التعامل مع كل الاحداث المحيطة على الصعيدين العربي والعالمي خاصة وان فترة من الحكم لجلالته تزامنت وحالة الانتشار الايديولوجي وظهور التحالفات القوية وازدياد الصراع القومي والعرقي، لكن الاردن كان يسير وفقا لسياسة حكيمة انتهجها الملك الحسين طيب الله ثراه اساسها التوازن والمصداقية واتخاذ القرارات المدروسة، وتمكن جلالة المغفور له الحسين من بناء دولة المؤسسات الاردنية , فقطع الاردن في عهده اشواطا طويلة على طريق التطور والتنمية والتحديث شملت مختلف المجالات الاقتصادية والعمرانية والعلمية والثقافية.
وكان الراحل العظيم دائم التواصل مع ابناء اسرته الاردنية الواحدة يزورهم في مضاربهم ومدنهم ومخيماتهم، يتفقد احوالهم ويتلمس احتياجاتهم ويصدر توجيهاته للحكومات لتنفيذ المشروعات التنموية وتوزيع المكتسبات بعدالة على الجميع، فاعتمدت الحكومات المتعاقبة الخطط التنموية لتشكل حزما من البرامج للنهوض بالمجتمع الاردني، فارتفعت نسبة التعليم ومعه المدارس والمعاهد والجامعات وارتفع مستوى المعيشة وتحسنت نوعية الحياة وازدهرت الحياة الاقتصادية ونشطت الصناعات كالتعدين والفوسفات والبوتاس والاسمنت وغيرها ونمت التجارة خاصة مع توفر شبكة من الطرق والمطارات الدولية وميناء قادر على استيعاب حركة التجارة العالمية .
واولى الحسين طيب الله ثراه القوات المسلحة الاردنية والاجهزة الامنية جل عنايته واهتمامه لتبقى درعا منيعا في الحفاظ على امن الوطن واستقراره، وكان شعار الحسين طيب الله ثراه " الانسان اغلى ما نملك " ترجمة لاهتمامه بالانسان الاردني ودعوته الى ان يكون الاستثمار في الانسان الاردني تعليما وتدريبا هدفا ساميا لاعداد جيل قادر على التحليل والتفكير والابداع.
واجه الاردن ومنذ بدء عهد الحسين رحمه الله تحديات صعبة تمثلت اولها بضروة تحقيق السيادة الوطنية الكاملة فتوجه نحو تعريب قيادة الجيش ونقلها الى الاردنيين فتحقق التعريب في الاول من اذار عام 1956 واحدثت خطوته السيادية الجريئة نقلة في رؤية العرب والعالم للدولة الاردنية واعتبرها الجميع خطوة ذكية وجريئة، واتبعها جلالته بالغاء المعاهدة الاردنية البريطانية في شباط عام 1957 لاكمال السيادة الوطنية والاعتماد على الذات في مواجهة المستقبل باعتبار ان المصلحة الوطنية هي العليا دائما.
لم يتوان الحسين يوما عن تقديم الدعم والمساندة لايجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وبقي طوال سني عهده متمسكا بحقوق الشعب الفلسطيني وراعيا للمقدسات الاسلامية على ارض فلسطين الطهور، وقد عمل الحسين يرحمه الله وبذل كل الجهود من اجل إنجاح مؤسسة القمة العربية وتعزيز دور جامعة الدول العربية والالتزام بكل قراراتها , فكان اعتراف الاردن بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني تأييدا وانسجاما مع قرار العرب الذي اتخذوه في قمة الرباط عام 1974 , وما ان اندلعت الانتفاضة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية في اواخر عام 1987 حتى بادر الاردن الى اتخاذ كل الاجراءات والتدابير لدعم صمود الاهل في الارض المحتلة وتخصيص رواتب لاسر الشهداء وتقديم المعونات المالية لطلبة الجامعات .
في عام 1989 كانت رؤية جلالة الحسين يرحمه الله لاستئناف مسيرته الديمقراطية وجرت انتخابات نيابية كانت مثالا في نزاهتها وشفافيتها شاركت فيها كل الاطياف السياسية الاردنية في جو من الحرية والالتزام مما فتح صفحة جديدة في تاريخ الاردن الديمقراطي وسمح باستئناف الحياة الحزبية وتعزيز مشاركة ابناء الوطن في العملية السياسية على قاعدة التعددية السياسية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية، ومثلما كانت معركة الحرب التي خاضها الاردن بكل شرف وشجاعة، كانت معركة السلام التي توجت بتوقيع معاهدة السلام مع اسرائيل في السادس والعشرين من تشرين الاول عام 1994، حيث أكد الاردن على ثوابته الاساسية والمتمثلة في تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الاوسط واقامة سلام مبني على قراري مجلس الامن الدولي 242 و338 وبما يضمن تلبية الحقوق الفلسطينية كافة، خصوصا إقامة الدولة المستقلة على التراب الفلسطيني.
لقد وقف الاردن في عهد الحسين الى جانب امته العربية والاسلامية بمواقف مشرفة واتسمت سياسته الخارجية بالاتزان والواقعية والاعتدال مما وضع الاردن على خارطة العالم دولة عربية تؤمن بالسلام وتعمل على تحقيق غاية الشعوب بنيل مستوى حياة افضل في ظل استقرار وامن عز نظيره بين دول المنطقة .
وتأكيدا للنهج الذي اختطه جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه، وترسيخا للرؤية الأردنية، وجه جلالته في 26 كانون الثاني 1999، ، رسالة إلى ولي عهده حينذاك جلالة الملك عبد الله الثاني يقول فيها: " وإنني لأتوسم فيك كل الخير وقد تتلمذت على يدي وعرفت أن الأردن العزيز وارث مبادئ الثورة العربية الكبرى ورسالتها العظيمة، وأنه جزء لا يتجزأ من أمته العربية، وأن الشعب الأردني لا بد أن يكون كما كان على الدوام في طليعة أبناء أمته في الدفاع عن قضايا ومستقبل أجيالها...".
كانت هذه رؤية جلالة المغفور له الحسين طيب الله ثراه الثاقبة والصائبة ، فما ان وقع القدر المحتوم وما ان كانت مشيئة الله سبحانه وتعالى باختيار الاب والملك والانسان الى جواره راضيا مرضيا حتى كانت الوقفة الاردنية العظيمة التي آمنت بالقدر واستوعبت الحدث، فوقف الاردنيون بعزة واباء الى جانب الابن الملك والاسرة الهاشمية بهذا المصاب الجلل , فكان الوداع المؤثر للحسين في السابع من شباط 1999 يوم تجديد البيعة للقيادة الهاشمية الرائدة، ان جنازة الحسين طيب الله ثراه التي وصفت بانها جنازة العصر كانت شهادة عالمية بمكانة الاردن الرفيعة، واعترافا بحكمة الحسين طيب الله ثراه اذ التقى قادة العالم وزعماؤه على الارض الاردنية وفاء للراحل الكبير وثقة بالقيادة الهاشمية التي تسلم رايتها جلالة الملك عبدالله الثاني الذي سار بالاردن على درب الانجاز وتعزيز البناء الذي ارسى دعائمه الراحل العظيم .
تجدد العطاء واستكمال المسيرة
ومنذ ان اعتلى جلالة الملك عبدالله الثاني سدة الحكم وجه جلالته حكوماته للعمل على ترسيخ سيادة القانون والحفاظ على امن الوطن استقراره وادارة شؤون الوطن في مناخ من العدالة والنزاهة وحسن الاداء، ركز جلالة الملك عبدالله الثاني على الواقع المجتمعي وسبل تنمية وتطوير النشاط الاقتصادي بما يعود بالنفع على تحسين معيشة المواطن اولا ، وسعى من اجل ذلك الى المشاركة في العديد من الملتقيات العالمية الاقتصادية والالتقاء برجال الاعمال والمستثمرين في شتى بقاع الدنيا مما اسهم في جذب استثمارات فاقت التوقعات.
رحلة من الرعاية الشاملة وحسن الأداء
وشهد الأردن منذ تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية تطورات مهمة في المجالات الاقتصادية، تمثلت بتعديل أنظمة وقوانين الاستثمار وتوقيع اتفاقيات عربية ودولية فتحت أسواقا تصديرية جديدة وسياسات نقدية ومالية حافظت على استقرار الدينار الأردني، وزيادة ملحوظة في معدل النمو الاقتصادي، وصدرت في عهد جلالته العديد من التشريعات والقوانين الناظمة لحقوق الانسان وصون حريته العامة من ضمنها قانون حق الحصول على المعلومات، وقانون المطبوعات والنشر الذي نص على عدم جواز حبس او توقيف الصحافيين وتم تعديل قانون البلديات، واهتم جلالته بتعزيز الحريات العامة ومن ضمنها الحريات الإعلامية ، انطلاقا من نهج الاردن الديمقراطي وحرصه على مواصلة عملية الاصلاح السياسي ، حيث حرص جلالته على توجيه الحكومات المتعاقبة نحو تمكين جميع الاطياف والفئات المجتمعية في عملية المشاركة في صنع القرار ، إلى جانب اهتمام جلالته الكبير بتحسين مستوى معيشة المواطن وظروفه الحياتية.
استطاع الكثير من الاردنيين وبشكل خاص فئة الشباب الاستفادة من فرص العمل التي تم توفيرها خلال السنوات الماضية، ومن بين هذه المشروعات مشروع استخدام مدنيين في القوات المسلحة الاردنية للعمل في قطاع الانشاءات والذي يجري تنفيذه بالتعاون مع الشركة الوطنية للتشغيل والتدريب، واكد جلالة الملك عبدالله الثاني على الاهتمام بالسياحة وتوفير جميع الامكانات والتسهيلات لقيام صناعة سياحية متقدمة ومتميزة وجاذبة, وأولى جلالته صحة المواطن الاردني ورعايتها اهمية خاصة ليس فقط في توفير العلاج وانما في توفير العناصر الاساسية للخدمات الصحية ليتمكن المواطن من الحصول على خدمات صحية نوعية وبكلفة معقولة، بالإضافة إلى شمول اكثر من 80 بالمائة من سكان المملكة بالتامين الصحي.
كما استمر التطور في المستوى التعليمي للاردنيين، فشهد التعليم قفزة نوعية مهمة، من خلال حوسبة المناهج وغيرها، كما تم التوسع في التعليم العالي ومخرجاته، لقد تمكن الاردن خلال السنوات العشر الماضية بقيادة جلالة الملك من تحقيق انجازات مهمة اسهمت في تحسين المناخ الاستثماري في الأردن حيث دخلت المملكة في كثير من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية واتبعت سياسة الانفتاح الاقتصادي وبرامج إعادة الهيكلة الاقتصادية، وتحرير التجارة والاندماج في الأسواق الخارجية والتخاصية وغيرها من السياسات التي تهدف وبشكل أساسي الى رفع معدل النمو الاقتصادي إلى معدلات تفوق معدل النمو السكاني وتقليل معدلات البطالة والحد من مستويات الفقر.
واهتم جلالته بتطوير القضاء باعتباره ركيزة اساسية لمستقبل الديمقراطية والإصلاح السياسي والاقتصادي والتنمية الشاملة المستدامة، وشهد القضاء خلال العقد الماضي تطورات اسهمت في تعزيز استقلاليته وضمان تنافسيته وانسجامه مع أفضل الممارسات العالمية، وفي مجال رعاية الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية اصدر جلالته توجيهاته لإعداد خطط التأهيل والتدريب للأئمة والوعاظ والخطباء , وجاءت رسالة عمان التي اطلقها الأردن عام 2004 لتشرح منهج الإسلام القائم على احترام قيم الإنسان ونبذ العنف والتطرف والدعوة للحوار، وتبرز صورة الإسلام الحقيقية المبنية على أسس الخير والعدالة والتسامح والاعتدال والوسطية.
وشهدت النهضة العمرانية والبنى التحتية في عهد جلالته اضطرادا مستمرا ونقلة نوعية هائلة تمثلت بانشاء المناطق التنموية في عدد من المدن الاردنية وتنفيذ مشروعات عمرانية وسكنية متعددة شملت جميع محافظات المملكة مع اعطاء الاولوية لايجاد السكن الملائم للعديد من الفئات المجتمعية، وحظيت القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بأولوية خاصة عند جلالته، فسعى إلى الإشراف عليها اعدادا وتدريبا وتجهيزها بأحدث الأسلحة والمعدات.
جهود السلام والعدوان على غزة
وواصل جلالة الملك عبدالله الثاني جهوده الرامية الى احلال السلام في المنطقة وايجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفق حل الدولتين , وتركزت جهود جلالته على إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني وتحقيق تطلعاته في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
ودان جلالته العدوان الإسرائيلي فور حدوثه على قطاع غزة، وحذر من تداعياته على حق الشعب الفلسطيني ومستقبله وإقامة دولته المستقلة, وأطلق جلالته جهودا مكنت من وقف العدوان بأسرع وقت ممكن, كما أمر جلالته بتقديم المساعدات الغذائية والطبية والإنسانية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة عدد من الجرحى في الأردن، بالإضافة إلى ارسال مستشفى ميداني عسكري ضم جهازا طبيا متكاملا لتقديم الخدمات العلاجية للأهل في غزة، وترتكز سياسة الأردن العربية على أساس المواقف المبدئية والثابتة النابعة من التزام الأردن التاريخي والقومي للدفاع عن مصالح الأمة وخدمة قضاياها العادلة, وحرص الاردن في عهد جلالته على تقديم كامل الدعم من اجل تعزيز التضامن العربي ومأسسة العمل العربي المشترك، وبلورة مواقف موحدة للتصدي للتحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية.بترا