ظُلمُ حُطّاب الغاباتِ وعدالةُ النباتاتْ ! بسام الياسين
( المقالة للدكتور المهندس السوري "نبيل طعمة. واحدة من مجموعة نادرة من مقالات وابحاث اهل الاختصاص التي احتفظ بها منذ عدة عقود.وقع اختياري عليها لاهدائها لدعاة التصحر و" ابطال مجزرة برقش"،لعلهم يتفكرون في إعجاز الشجرة،ويبصرون في عظمة الخالق في اصغر نبتةٍ تتضّوع عطراً وتُسبح بالله.الحق انه ليس لي بصمة عليها الا بتحريرها والتصرف فيها بما يتلاءم مع بيئتنا الاردنية وتطعيمها بايات من القرآن الكريم ) .
*** عند التعمق في الموجود الخلقي،والمقارنة بين الانسان والحيوان والنبات،نجد انهم متماثلون في الخلق.فهم نبات الارض جميعاً كما جاء في قوله تعالى : " والله انبتكم من الارض إنباتا ".
فمن حيث إمتلاك القوة والقوى،نجد ان الانسان هو الحلقة الاضعف على الرغم من امتلاكه العقل و اسلحة الدمار الشامل،لاعتماده على الحيوان والنبات معاً اللذين يشتركان معه في الماء والهواء .فالحيوان يعتمد في حياته على التهام بعضه،وعلى النبات.
من هنا نجد ان النبات هو الحلقة الاقوى في الحياه،لاستقلاله المطلق،و اعتماده على الله لان رزقه يأْتيه مباشرة من السماء،ليصعد اليه من الارض بشكل عامودي،لكنه في الوقت ذاته، يضحي بنفسه من اجل حياة الانسان والحيوان في مثالية لا يماثلها في التضحية احد مثله على وجه البسيطة .
*** خلق الله النبتة قبل الانسان،وعندما وُجد الانسان لجأ اليها مباشرة،لتستره،وتظله،ويأكل منها ولتمده باسباب الحياة.وبتطوره بنى منها سكنه، وصنع سلاحه وقلمه وورقه ليدونّ تاريخه،ويؤلف كتبه،و اثاث بيته، ومع تطور الزمن اكثر فاكثر، خدمته النباتات في تنقلاته وصناعته فاعطته الوقود ـ الفحم الحجري والبترول ـ .
لقد ضحت بنفسها من اجله،و قدمت نفسها لسيدنا نوح عليه السلام،كي يصنع الفُلك العظيم ـ سفينة نوح ـ التي حملت من كل زوج اثنين عند الطوفان الى بر الامان.فحمت جميع الانواع من الغرق، بمشيئة وترتيب الله تعالت عظمته وتجلت قدرته في عُلاه .
*** اسرد لكم واقعة وقعت في دولة اوروبية متقدمة : ففي احد الايام حدثت جريمة سرقة وقتل.اكتشف المحققون ان السارق سرق محتويات بيت بالكامل، باستثناء وردة في حوض صغير،بقيت مركونة في احدى زوايا المنزل.انتبه المحقق الذكي وطلب من احد افراده ان يسقيها ويعتني بها. رفعت البصمات من المكان،وبدأ التحقيق.وكان المحقق حريصاً على النبتة،ومتابعة المشتبه بهم .
احضر جهاز كشف الكذب،و اوصل احد الاسلاك الى النبتة ،وكان كلما احضر احد المشتبه بهم نظر الى جهاز الكذب اثناء التحقيق ليعطيه اشارة مستقيمة،ما يعني ان المشتبه به لا يكذب.وعندما وصل الى المتهم السابع و اذا بالاشارة تضطرب صعوداً ونزولاً.استثنى الرجل وتابع مع الاخرين ،وعاد الجهاز يعطيه اشارة مستقيمة.
احضر المحقق الرجل الذي اضطربت معه الاشارة، وضغط عليه قليلاً فاعترف بجريمته.اذن،النباتات تسمع وترى وتحس.والحشرات تتخاطب وتتكلم "يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون".
*** النباتات تُبصر وتراقب.راقب وردة في منزلك او حديقتك و انت جالسُ تتاملها و تتامل ابداع الخالق البديع الذي صممها، لتجد انها استدارت نحوك و اعطتك انتباهها.
و اذا وضعت مسماراً في الجدار بالقرب من لبلابة ستجدها بعد فترة امتدت لتصل المسمار.
ضع مسماراً آخر وراقبها، ستجدها ايضاً تتجه نحوه.
حاول ان تسمعها موسيقى هادئة ناعمة،فستجدها تُشرق وتتفتح.جرب ان تضع موسيقى صاخبة ذات ضجيج، ستلاحظ انها بدأت تذبل رويداً رويداً، وان تابعت فانها ستموت.
*** النباتات اهم مزود للاطعمة في حياتنا،لا بل هي حياتنا كونها، المنتج الوحيد للاوكسجين الطبيعي ـ اكسير الحياة ـ.فالنباتات من خلال التركيب الضوئي،تاخذ ثاني اكسيد الكربون لتطرح الاوكسجين. بينما الانسان يطرح سمومه وعوادم سياراته و مصانعه،فتمتصها النباتات وتعالجها وتعيدها اليه نقية صحية، لتكتمل دورة الحياة. فقد وصف العلماء غابات الامازون بانها رئة العالم.ومن مميزات الاشجار انها تجلب الامطار.
واهلي منطقة عجلون يعرفون ان غابة رقش غابة مطرية .والحقيقة تن الزراعة تقوم على الامطار، ان كل شيء يمكن الحصول عليه بالامل الا الزراعة بالعمل التي تعلمنا الصبر و التعلق بالارض ولا زراعة دون ماء،والحضارات العظيمة نشأت حول الانهار العظيمة، الفرات، النيل،بردى،سد مأرب.
*** اهم ما يميز النباتات انها مسالمة. وفوق ذلك يوجد في الكثير منها الدواء الشافي لامراض البشرية بامر الله .فالانسان دائما المعتدي على هذا المخلوق الوادع الجميل. يعتدي عليه بالحرق والقطع والخلع والتحطيب من دون ان يتذمر او يشتكي.والورد على وجه التحديد، مرسال الحب والغرام ومواساة المريض،وبعث الفرح في قلب المهدى اليه،ورأب الصدع بين المتخاصمين.
و اذا اردت الوصول للمكون الازلي،والمطلق الكلي الى الله الخالق العظيم الذي احسن صنع كل شيْ فابدع صنعه.
تامل وردةً ،نبتةً،شجرةً،شتلةً.سترى ان النبات فيه الخير حياً وميتاً،اخضرَ ويابساً.اللافت اكثر تَشَبُت النبات بالارض،ومد جذوره عميقا فيهاً،حيث انه الوحيد بين المخلوقات الذي يموت واقفاً،ومعجزته انه لا يخون وطنه ولا يهرب في الحروب،و لايسيء لمن حوله،ولا يشي بهم لقطع ارزاقهم.الكل يهرب او يحاول الهرب من الموت الا الشجر يبقى شامخا متماسكا ومتمسكاً بارضه.
*** هذا هو النبات،اذا حافظنا عليه اشجاراً وورداً وزرعاً نحافظ على حياتنا واستمرارها.وقد اوصى ابوبكر الصديق ـ رضي الله عنه و ارضاه ـ ،جنود المسلمين قبل فتح بلاد الشام،عام 12 هجري :"...... و لا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة...."هذه الوصية اصبحت احدى الوثائق المعتمدة لحقوق الانسان في جامعة " دل بول" بشيكاجو،و للاسف فانها غير معتمدة عندنا،مع اننا الأَجدر بتبنيها. فالشجرة ورد ذكرها في القران الكريم ( 25 ) مرة،لانها تلعبُ دوراً مهما في التوازن الطبيعي والتنوع الحيوي " وأنبتنا فيها ( أي الارض ) من كل شيءٍ موزون". فالنبات يستخدم فضلات الحيوان كسماد طبيعي بالتمثيل الكلوروفيلي لتحويلها الى غذاء له،و يلتقط فضلات تنفس الحيوان و الانسان ويحولها الى اوكسجين لا يستغني عنه كائن حي الذي يستطيع احتمال العطش لعدة ايام . لكنه يموت خلال دقائق اذا انقطع عنه الاوكسجين.
*** لننظر للانسان العاقل المتعلم،الذي افسد الارض و لوثَ البحر وسمم مجاري الانهار وملءَ الجو بغبار مخلفات المصانع الكيماوية.ودمر المدن العامرة بالسكان بالقنابل الذرية،و المفاعلات النووية، وعطر الانفاس بالروائح الكريهة،بمحطات التنقية التي زرعها على جنبات الطرق.سمومه نشرت المرض والموت والعاهات والتشوهات والسرطانات المختلفة وتقوم النباتات بالدفاع عنه من خلال فلترتها.
و يجب ان لا يغيب عنا ان الامريكان قتلوا ثلاثين مليون نخلة،و اليهود اقتلعوا واحرقوا مئات الالوف من شجر الزيتون بما تحمله هاتان الشجرتان من رمزية للعرب والمسلمين. فالنخلة "ارض عربية" والزيتونة "لا شرقية ولا غربية ".
*** ان قطع 2400 شجرة معمرة في برقش كارثة بيئية، لا يستطيع العقل الاحاطة بهذه الفعلة الجهنمية، ليس في الشجر وحده،بل بالغابة الحاضنة للزواحف والطيور النادرة،والحيوانات البرية الصغيرة،والحشرات المختلفة التي تعيش كلها في تناغم طبيعي داخل الغابة،وان قطع الاشجار عمل على قتلها وتشريدها من ملاذها الآمن الى العراء ـ أي الموت المحقق ـ ومن ثم قلب الموازيين الطبيعية.
فـ "الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان" .ذلك الميزان الالهي الذي يدق حتى يزن الذرة،و اي خلل فيه سيدمر المنظومة، وسيفرط المسبحة الطبيعية للبيئة.الاخطر ان الاعتداء على الغابة،يعني الاعتداء على امم مثلنا تعيش في كنفها وتقتات من خيرات رزقها،،فقد جاء في كتاب الله :" وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا اممُ امثالكم".
** رحماك يا الله،وسلام عليك يا رسول الله و انت تصف سيدنا ابا بكر بانه أَرحم اهل امتي على امتي، فالصّديق رضوان الله عليه، واحد من جيل الحكمة والقدوة الحقة ، وليس من جيل النفخة الكاذبة و الالقاب الزائفة،ففقد اوصى بالشجرة خيراً كما الانسان والحيوان ؟!.
فاتقوا الله في الانسان والحيوان والحشرة والزهرة والنبتة فكلها مخلوقات الله. فاالله القادر قادرُ على كل قادرْ،شديد البطش بكل ظالم.استحضر في هذا المقام قول المتنبي:"لا تحقرنَّ صغيراً في مخاصمةٍ // إن البعوضة تُدمي مقلة الاسدِ ". هذه الحشرة البعوضة قتلت الاسكندر المكدوني الذي اراد ان يغزو العالم؟!. وهناك فيروسات لا تُرى الا بالمجهر الالكتروني ابدت جيوشا جرارة بالطاعون،وها فيروس الكورنا يبدأ بقتل الطبيب قبل المريض،فأتعظوا يا اولي الالباب
." و له الكبرياءُ في السموات و الارض وهو العزيز الحكيم".
*** ختاماً: نسأل ولاة امرنا وسادة قرارتنا،هل بقي شيءُ في الاردن لم تدمروه او تسرقوه او تخربوه و لعنتم سنسفيل ابوه. لعنكم ؟!.فعملية البناء تجري بالطوبة والنمو يُدفشُ بالمعشار،بينما عمليات الهدم تتم بطريقة ملحمية حماسية.اولئك حق عليهم القول" يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون" وانطبق عليهم قول برقش:"إلي بسبق فيكم بنتش".