بالنسبة لعلي الأردني الثلاثيني العاطل عن العمل لم يكن بيع احدى كليتيه في مصر مطلع العام الحالي مقابل 5000 دولار إلا مجرد صفقة خاسرة.
وعلي واحد من عشرات الاردنيين العاطلين عن العمل الذين يضطرون سنوياً لبيع كلاهم لمجموعات تستهدف الفقراء.
ويقول علي، وهو أب لثلاثة أطفال أقنعه صديقه العام الماضي ببيع احدى كليته في مصر: "أشعر بالندم من كل قلبي، لا ادري بما كنت افكر؟".
وأضاف "قمت بذلك لتحسين مستوى معيشتي وإنقاذ حياة أحدهم فقد حصلت على 5000 دولار بعد ان منحت كليتي لشخص لم أره أو اعرفه". وقال "لقد ادركت الآن أني اقترفت خطأ فادحاً وأني كنت جاهلاً. أنا عاطل عن العمل وظروفي الصعبة اعمتني عن رؤية حقيقة ما فعلت".
أما محمد (29 عاماً)، فقال انه وُعد بتلقي 5000 دولار مقابل بيع كليته نهاية العام الماضي، لكن بعد اجراء العملية تلقى أقل من نصف المبلغ.
ويضيف محمد، وهو متزوج وأب لطفلين: "لم أستطع فعل شيء حيال ذلك لم يكن أمامي إلا أن أقبل العرض أو أرفضه". وقال "لازالت دون عمل ولازلت فقيراً وذهبت كل تلك النقود سدى من دون أن أحسّن من مستوى حياتي".
علاوة على ذلك فمحمد لا يستطيع حسب ما يقول أن يحيا حياة طبيعية، ويوضح "لقد خدعوني وأقنعوني بأني سأحيا حياة طبيعية لكني أشعر بتعب منذ ان أخذوا احدى كليتي. أعلم تماماً أن صحتي الآن ليست على ما يرام". ويضيف "ليس باستطاعتي أن أراجع الطبيب لأني سمعت أن الشرطة تلاحق من هم مثلي".
ولا تتوافر قاعدة معلومات موثوقة حول تجارة الاعضاء البشرية، في حين يصر المسؤولون الاردنيون على انها ليست قضية ملحة.
وفي ايلول (سبتمبر) الماضي تم توجيه الاتهام الى 11 اردنياً بتهريب الاعضاء البشرية، على الأخص الكلى، وبيعها بشكل غير قانوني في مصر وتم ترحيلهم الى الاردن.
ووفقاً للأمن الاردني فإن التحقيق جارٍ مع عدد من المشتبه بهم، فيما لايزال سبعة آخرون فارين من وجه العدالة. وبيعت الكلى مقابل مبالغ وصلت الى 30 الف دولار للواحدة.
ويشكل الشباب ممن هم دون الثلاثين عاماً قرابة 70% من إجمالي عدد سكان الأردن البالغ عددها نحو ستة ملايين نسمة. وتقدر نسبة البطالة في البلاد وفقاً للارقام الرسمية بـ 14,3%، بينما تقدرها مصادر مستقلة بـ30%.
وتعد تجارة الاعضاء البشرية محظورة في الاردن ويواجه المتورطون بها عقوبات تصل الى السجن خمسة اعوام وغرامات تصل الى 28 الف دولار.
وأنشات المملكة عام 2007 لجنة وطنية للترويج للتبرع بالاعضاء لكبح تهريبها وتشجيع الاردنيين على التبرع بها بعد وفاتهم، وذلك بعد ضبط السلطات 80 حالة بيع كلى في العام ذاته.
وبحسب مؤمن الحديدي، عضو اللجنة ورئيس المركز الوطني للطب الشرعي فإن "المهربين يحصلون على عمولة وهم يستهدفون الفقراء ويقنعونهم ببيع كلاهم ومن ثم يسهلون عملية سفرهم الى بلد ثالث حيث تجرى لهم العمليات الجراحية".
وأوضح ان "أكثر من 800 شخص يموتون سنوياً في الاردن في حوادث سير، علينا تشجيع أقاربهم على التبرع بأعضاء احبائهم وبالتالي نستطيع خفض الطلب".
وأظهرت دراسة رسمية حديثة حول 130 حالة بيع كلى، أن 80% من اولئك الذين باعوا كلاهم هم لاجئون فلسطينيون من مخيم البقعة (شمال-غرب عمان)، اكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الاردن. وأغلب هؤلاء تقل اعمارهم عن 31 عاماً ويعيشون في فقر مدقع لكنهم ليسوا ذوي سوابق جرمية.
وكانت مثل تلك العمليات تجري في العراق لكن بعد اجتياحه بقيادة الولايات المتحدة عام 2003 اصبح المتاجرون بالأعضاء والوسطاء يرسلون الشباب الى باكستان والهند ومصر، على ما افادت الدراسة.
ويقول اختصاصي الكلى، الطبيب محمد اللوزي، انه "لا يوجد مشكلة تهريب اعضاء في المملكة. هذه الحوادث تعد قليلة"، مضيفاً أن "اغلب هؤلاء الذين يبيعون كلاهم يدعون بيعها بسبب الفقر لكنهم لا يفعلون شيئاً لتحسين أحوالهم المادية".
ويضيف ان "العديد من هؤلاء مدمنون على المخدرات ويبحثون عن اسهل الطرق للحصول على المال بغض النظر عن الوسيلة، وهذا يحدث في جميع انحاء العالم وليس فقط في الاردن".
ولكن بالنسبة لسري ناصر، الذي يعمل إخصائي علم الاجتماع في الجامعة الاردنية، فإنه لا يوافق اللوزي الرأي ويرى أن "هذه مشكلة وجريمة في الاردن كما هي مشكلة وجريمة في جميع انحاء العالم".
وأضاف أن "القيم الاخلاقية للمجتمع لم تعد موجودة الآن. المادية تحكم هذه الايام وأصبح كل شيء تجارة حتى الاعضاء التي تدرّ ربحاً على البعض".
واعتبر ناصر أنه من الواجب حل مشكلتي الفقر والبطالة كوسيلة لمكافحة تجارة الاعضاء البشرية ومشاكل اخرى. وقال "الناس تبيع اعضاءها على الاغلب لكونهم فقراء وبلا عمل، يعتقدون انها كلاهم وأن من حقهم بيعها".
وتؤكد منظمة الصحة العالمية ان نشاط تجارة الاعضاء البشرية بشكل عام في ازدياد بوجود وسطاء يتقاضون ما بين 100 الف الى 200 الف دولار لتدبير عملية زراعة للمرضى الاغنياء. أ ف ب