لا يدخل الرئيس نادر الذهبي في دائرة "الإفتاء السياسي" بقدر ما يقترب اكثر لدائرة الخيارات الضيقة والمحتملة وهو يطلب في دعابة سياسية من أحد السياسيين التريث قليلا حتى يصبح نائبا في البرلمان في وقت قريب عبر اشارة سريعة لفتت نظر المجالسين للرجلين وتبعها مطر الاسئلة للرئيس الذهبي حول خيارات حل البرلمان.
وهذه الاشارة الرئاسية كانت النقطة الاكثر الفاتا لمن حضر هذا اللقاء حيث تقدم رئيس حكومة سابق بمزحة اعتراضية متوعدا الذهبي بسلسلة مزعجة من الاسئلة لو اصبح نائبا في البرلمان فخرجت من الثاني عبارة يفهم منها المتحدث انه قد يستطيع الجلوس على كرسي النيابة اذا اراد قريبا، الامر الذي فسر فورا باعتباره خيارا من طراز حل مجلس النواب في الخلفية الذهنية للرئيس الذهبي.
بطبيعة الحال انتبه الحضور ولاحقوا الذهبي بالاسئلة حول سياق مفترض لسيناريو حل البرلمان، لكنه دخل في دائرة الاستدراك وافلت من الاسئلة مخرجا المشهد باعتباره دعابة ذات نكهة سياسية لكنها بكل الاحوال دعابة لها ما يبررها في الواقع، ليس فقط لان حل البرلمان من الاوراق المطروحة والتي تسمع بينا الحين والآخر في اروقة القرار وقنوات السياسين، ولكن لان الذهبي اشار عمليا باصبعه نحو هذا الاحتمال وهو في حالة استرخاء شديدة.
ليس سرا هنا ان الذهبي افلت من عنق زجاجة التغيير، ومن محاولات الايحاء المستمرة بان حكومته آيلة للسقوط.
وليس سرا ان اندفاع الذهبي لاحتمال وتحمل النتائج وتداعيات اصداره لبعض القوانين والتشريعات المهمة بصفة مؤقتة اشارة تعني ان وزارته لسبب او لاخر حظيت بفسحة من طول العمر ولو مؤقتا خلافا لكل التكهنات والقراءات.
وليس سرا بالمقابل ان مجازفة مطبخ القرار في الدولة خصوصا بعد الاجتماع المهم والاخير لمجلس الدولة بالمصادقة على خط القوانين المؤقتة يعني في النتيجة بأن سيناريو البرلمان الجديد مطروح ويحظى بمكانة متقدمة بين خيارات اخرى لا زالت تدرس بعناية.
وما طرح في السياق بمجلس الدولة وهو صيغة المطبخ المركزي الآن انتهى عمليا بصدور الارادة الملكية التي تصادق على قانون الضمان الاجتماعي بصياغته المؤقتة الامر الذي يعني ان التشريعات المؤقتة اصبحت ملاذا للحكومة والدولة لانقاذ محطات تشريعية اساسية لا يعتقد ان مجلس النواب الحالي يملك القدرة على التعاون معها.
وفي المنطقة الاعمق من مجمل الحوارات التي جرت في مؤسسات القرار ثمة قناعات اساسية حصل نوع من الاجماع عليها ويعتقد ان سيناريو التغيير المستقبلي برمته وكذلك سيناريو المراجعة الشاملة سيستندان حصريا على تلك القناعات والتصورات والاستنتاجات.
وهذه القناعات لم يعد يخفيها المتصلون مباشرة بمواقع القرار واصبحت عبارة عن افكار وعبارات تتردد على السنة كبار السياسين والنخب وابرزها ترسخ القناعة بأن الآلية التي قادت الى تركيبة مجلس النواب الحالية كانت مصنفة في دائرة الخطأ الاستراتيجي الذي يتحمل مسؤوليته هنا الفريق الذي حكم هذه الآلية ونفذها.
مستويات القرار تبدو ايضا على قناعة بأن مجلس النواب الحالي لم يكن متعاونا وسيطر عليه الانفعال والحسابات الشخصية ولا ينطوي في التفاصيل الاعمق على خطوط عمل منظمة وافراده ينتجون التوتر خصوصا في البنية الاعلامية واحيانا الامنية الاجتماعية بدلا من احتواء التوترات، والاهم في التقييم هنا كان الاحساس بالخذلان لان حسابات النواب الفردية والذاتية حكمت ايقاع العمل على تشريعات اساسية ومهمة جدا لم تطلبها الحكومة من النواب، ولكن طلبتها مباشرة مؤسسات فوق حكومية مثل قانون الضريبة الجديد وقانون مؤسسة الضمان الاجتماعي وهي قوانين صيغت على اساسها لوحة الدورة الاستثنائية المنصرمة وان كان بعض رموز العمل البرلماني يتحدثون هنا عن اجتهادات خاطئة في نقل التوجيهات واحيانا التعليمات.
بالمحصلة التصور سلبي عن تعاون مجلس النواب، الامر الذي يفسر تاليا خطوة تاجيل انعقاد دورة البرلمان لشهرين وسط صدمة النواب وانشغالهم بحسابات انتخاباتهم الداخلية وبغرض تحقيق هدف واحد وهو الحفاظ على كل الخيارات في دائرة الممكن.
القناعة بالمقابل كانت راسخة بأن محطة التغيير الوزاري ينبغي ان تكون الاخيرة تماما خصوصا اذا تبين ان رحيل الرئيس نادر الذهبي لن ينتهي بخيار يماثله او يشبهه وبالتالي اصبح من العبث الآن الحديث عن تغيير الذهبي ما دام رئيس الوزراء المنتظر او المفترض لم يحن وقته بعد، الامر الذي يمكن على اساسه قراءة ابتسامات وانفراجات ملامح الرئيس الذهبي في الاسبوعين الاخيرين وكذلك مشاوراته الضيقة جدا تحت عنوان التعديل الوزاري احتياطا للبقاء فوق الموجة على الاقل حتى الربيع المقبل.
وبالتوازي تتحدث اوساط الذهبي عن ظروف اقتصادية ومالية صعبة للغاية في الاسابيع المقبلة وعن موازنة مالية مضغوطة جدا وظروف واعتبارات لوجستية ووطنية تتطلب مجلس نواب اكثر تعاونا على الاقل من باب حريات التعبير ووسائل التنفيس على الناس في المرحلة الصعبة المقبلة، خصوصا وان الانقلاب داخل صف نخبة القرار على الوسائل التي اعتمدت في اختيار تركيبة المجلس الاخيرة يتزايد وحتى في وسط النواب انفسهم.
كما ان بعض النواب خلقوا اطارا من التشويش وهم يتورطون في بعض القضايا والمخالفات واحيانا الاعتداءات على رجال الامن بما في ذلك الاعلان عن قرارات وانحيازات التشريع الكيدية مما ساهم في توسيع رقعة الانفلات النيابي وغياب الانضباطية المعتادة او تلك التي افترضت في ذهن من تسببوا في اسوأ انتخابات عامة شهدتها البلاد منذ عام 89 على حد تعبير المركز الوطني لحقوق الانسان. القدس العربي