رسائل اقتحامية: "لا تجلسي في بيتك منتظرة فارس أحلامك، ابحثي عنه كي يجدك"

 هذه جملة من الرسائل التي ستصلك في حال الانضمام إلى خدمة "كيف تصطادين عريسا" بعد أن تكون قد وصلتك رسالة نصية على جوالك، يواسطة إحدى شركات الاتصالات الخلوية العاملة في المملكة، نتحفظ على ذكر اسمها.

 

وبالرغم من أن صدور قرار تنظيمي عن هيئة تنظيم قطاع الاتصالات حول إرسال رسائل الجملة غير المرغوبة في شباط الماضي، والذي يقضي بعدم جواز إرسال رسائل الجملة إلى المستفيد إلا إذا كان قد وافق مسبقا على استلامها، لكن ما حصل مع إحدى الفتيات شكّل صدمة لها وأبقاها برهة من الزمن في دوامة التفكير والاستنكار لرسالة وصلتها على الخلوي.رسالة.. وشعور الصدمة وبينما كانت الفتاة العشرينية هبة الجمل تتابع وأسرتها بترقب حذر وأعصاب مشدودة، تطورات حصار قوات الاحتلال الإسرائيلية للمعتكفين في المسجد الأقصى أثناء صدهم لمحاولات متطرفين يهود اقتحام باحات المسجد مطلع تشرين أول العام 2009, وصلتها رسالة على الخلوي شكلت مفاجأة لها عندما قرأت نص الرسالة، والذي يقول: "اكتسبي مهارات اصطياد العرسان، أرسلي عريس على رقم (......) بـ 7 قروش".

 

شعرت الفتاة وقتها بالدهشة من مضمون الرسالة ومرسلها المجهول الهوية والغاية منها وكيفية وصولها إليها دون رغبة منها.

 

وتقول إنه "فيما يتعرض العالم الإسلامي لهجمة همجية من الخارج يحاول البعض تقويضه من الداخل بصرف أنظار الشباب عن القضايا الجوهرية للأمة نحو توافه الأمور عن طريق إثارة عواطفهم وغرائزهم بمثل هذه الأساليب".

 

وتساءلت الجمل عن حجم الأموال التي تنفق على هذه المسجات وعن إمكانية استغلالها في دعم الإخوة في فلسطين والعراق على سبيل المثال، بدلا من التلاعب بعواطف الشباب؟

 

وبحسب هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، فإن رسائل الجملة غير المرغوبة، هي رسائل الجملة التي لم يوافق المستفيد مسبقا على استلامها أو التي طلب إيقاف إرسالها له أو تلك التي تكون مخالفة للقانون أو النظام العام والآداب العامة.

 

ويعتبر مراقبون أن غاية الرسائل "الاقتحامية" مجهولة المصدر، والتي ‏تطالب المشتركين بإعادة الاتصال أو إرسال رسالة قصيرة إلى رقم ‏معين، ربحية.

 

ويرى البعض أن الطريقة المثلى للحد من انتشار الرسائل الاقتحامية بعدم الرد عليها ومجاراتها أو التواصل مع الأرقام المرسلة في طيها.

 

لكن الملفت في الرسالة التي تلقتها الفتاة العشرينية أنها تدعو إلى شي غريب لم يعتده المجتمع، وكذلك ترفضه العادات والتقاليد، والدين الحنيف.رصد التطوراتبعد وصول شكوى الفتاة من مضمون تلك الرسالة القصيرة لـ"السبيل"، شرعت في التحقق من الجهة المرسلة لها من خلال إرسال رسالة للرقم الذي تضمنته الرسالة الأولى، فجاء الرد في رسالتين إحداهما تؤكد نجاح الاشتراك بالقول: "لقد تم اشتراكك بنجاح في خدمة كيف تصطادين عريسا" , أما الأخرى فتفيد: "لا تجلسي في بيتك منتظرة أن يأتيك فارس أحلامك، ابحثي عنه كي يجدك".

 

وعقب هاتين الرسالتين المذكورتين توالت رسائل التوجيهات من قبل الجهة المجهولة الهوية "المرسل"، والمعلومة من حيث الرقم، وكان منها: "كوني واثقة من نفسك، لكن احذري أن يشعر بقوتك فقد يخاف منك"، وأخرى أشير إليها مقدما.

 

عرَفت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات رسائل التكاليف المضافة أو ما يسميه البعض الرسائل الاقتحامية بأنها الرسائل الواردة للمستفيدين من قبل مزودي هذه الخدمات والتي تحث على الاشتراك في خدمات معينة مثل البحث عن شريك أو الأبراج أو الأخبار أو غيرها من الخدمات، وعادة ما تكون تكلفة تلك الخدمات باهظة، والاشتراك فيها على رغبة المستفيد، ويتم ترخيص هذه الخدمات ومراقبة محتواها من قبل هيئة الإعلام المرئي والمسموع كونها لا تعتبر خدمات اتصالات، ويتم تقديمها من خلال أرقام تخصصها الهيئة.رد شركة الخلوي ولدى استفسار "السبيل" من شركة الاتصال الخلوي المحلية، والتي كانت الفتاة من ضمن مشتركيها، عن علاقتها بخدمة "كيف تصطادين عريسا"، نفت وجود أية علاقة لها بهذه الخدمة, مشيرة إلى أنها - أي الشركة - غير قادرة على إيقافها، لأن الخدمة مرخصة من قبل هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، مؤكدة على أن الهيئة هي من تملك الحق في توجيه تعليمات لمقدمي هذه الخدمة بإيقافها في حال مخالفتها للأنظمة.

 

بيد أن هيئة تنظيم قطاع الاتصالات أكدت لـ"السبيل" أنه انطلاقا من مهامها في حماية مصالح المستفيدين من خدمات الاتصالات ضمن مسؤولياتها ومرجعياتها القانونية، قامت الهيئة مؤخرا بإصدار القرار التنظيمي حول إرسال رسائل الجملة والذي ينظم العلاقة بين مرسلي مثل تلك الرسائل وشركات الاتصالات الخلوية.

 

ويتطرق هذا القرار التنظيمي إلى الالتزامات الواجب تنفيذها من قبل أطراف المعادلة، وهم المستفيد وشركات الاتصالات الخلوية والجهة المرسلة لتلك الرسائل، منوهة إلى أن هذا القرار لا يعني منع استقبال هذه الرسائل بشكل تام، وإنما يهدف إلى الحد منها قدر الإمكان، وحتى يكون القرار مدار البحث فعالا فإن على المستفيدين والشركات مزودة الخدمة وشركات الاتصالات الخلوية التعاون مع الهيئة في هذا المجال.

 

وبحسب الهيئة، يتوجب على شركات الاتصالات الخلوية بهذا الشأن إنشاء قائمة تحتوي على أرقام كافة المستفيدين غير الراغبين باستلام الرسائل الدعائية وتوفير آلية سهلة وميسرة ومجانية تتيح أمام المستفيد إمكانية رفض استقبال أو إلغاء استلام تلك الرسائل وعدم إرسال الرسائل الدعائية في الأوقات والأيام المتعارف عليها أنها للراحة ولأكثر من رسالة واحدة في اليوم إلى المستفيد نفسه من كل مصدر لرسائل الجملة، وعدم إرسال رسائل جملة مخالفة للنظام العام أو منافية للآداب أو بقصد الاحتيال أو التهديد أو الاهانة أو نقل خبر مختلق بقصد إثارة الفزع.خدمات التكاليف المضافةوأفادت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات أنه لا يمكن اعتبار جميع الرسائل الواردة للمستفيد رسائل غير مرغوبة، حيث أن بعض الرسائل التي يستلمها المواطن هي لحثه على الاشتراك في خدمات معينة مثل البحث عن شريك أو الأبراج أو الأخبار، والتي يتم الاشتراك بها بناء على رغبة المستفيد.

 

وأضافت أن هذه الخدمات تسمى بخدمات التكاليف المضافة، وعادة ما تكون تكلفة تلك الخدمات باهظة، ويتم ترخيص هذه الخدمات ومراقبة محتواها من قبل هيئة الإعلام المرئي والمسموع، كونها لا تعتبر خدمات اتصالات، حيث تقدم تلك الخدمات معلومات أو ترفيها أو أي خدمة إعلامية من خلال شبكات الاتصالات الثابتة أو الخلوية، وذلك على شكل مكالمات صوتية أو رسائل قصيرة أو انترنت، ويتم تقديم هذه الخدمات بالتعاون مع مشغل شبكة الاتصالات.

 

أما في حال تكرار إرسال هذه الرسائل، فاشترطت "الهيئة" على شركات الاتصالات الخلوية فرض الجزاءات المناسبة على الشركات المرسلة لرسائل الجملة المتعاقد معها في حال قيامها بإرسال رسائل الجملة إلى مستفيد بالرغم من علمها بأن هذا المستفيد طلب عدم استلام تلك الرسائل، على أن تتمتع هذه الجزاءات بالجدية والردع، وأن يكون من بين تلك الجزاءات حق الشركة في إيقاف تقديم الخدمة من خلال شبكتها لمصدر رسائل الجملة في حال تكرار المخالفة.أساليب مرفوضة اجتماعياويرى مواطنون في نشر هذه الخدمة عبر بعض شركات الاتصالات الخلوية أسلوباً مرفوضاً من حيث الطريقة والمضمون.

 

من جهتها، أكدت المعلمة سهام عبيدات رفضها لمثل هذه الأساليب في التعارف، لكونها غير مقبولة أسريا واجتماعيا، فهي تتعدى على مؤسسة الأسرة وخصوصية العلاقة الزوجية، وتفتح الأبواب لإثارة الشباب والفتيات وتقويض مفاهيمهم الأخلاقية دون أدنى إحساس بالمسؤولية من مرسليها الذين يهدفون إلى كسب الأموال وإن كان على حساب المجتمع.

 

في حين قال أحمد خضر إن هذه الشبهات وغيرها ظهرت عندما تخلت الأسر، وبخاصة الآباء والأمهات، عن دورها الحقيقي والفاعل في تربية الأبناء، فإغفال هذه الجوانب فتح المجال لاستغلال الشباب من قبل البعض بغية تحقيق مكاسب مادية، إضافة إلى تسليم زمام الأمور لأشخاص يسعون لتأسيس الأجيال حسب أهوائهم، وفي مقابل هدم البناء الداخلي للأسرة.

 

الطالبة الجامعية ميسون عبدالفتاح كان لها رأي آخر في هذا الموضوع، إذ أكدت أن المسؤولية تقع بالكامل على عاتق الشباب أو الفتيات في تقبلهم أو رفضهم لمثل هذه الخدمة النصية وطريقة التعامل معها.

 

بيد أن أول من يحدد إمكانية القبول أو الرفض في التعاطي مع هذه الخدمة، بحسب ميسون، هي التربية الأسرية، فكلما كان الأهل قريبين من أبنائهم ويتحدثون إليهم بصراحة ومصداقية يكون التعامل مع هذه الحوادث الطارئة أسهل وأكثر أمنا من قبل الأبناء.

 

لكن أم محمد البرغوثي ترى أن هذه الألاعيب، كما وصفتها، باتت مكشوفة للجميع، مشيرة إلى أن من يقع في شراكها هم صغار السن وضعفاء النفوس، لأنها تخاطب عواطفهم وغرائزهم دون الانتباه لخطورة ما تهدمه في نفوسهم من قيم وأخلاق حميدة من قبل القائمين عليها الراغبين بجمع الأموال، داعية الجهات المعنية إلى اتخاذ موقف حازم ممن يروجون هذه الأكاذيب.الشرع يحرمها وينكرهاوعن حكم الشرع الإسلامي في خدمة رسائل "كيف تصطادين عريسا"، وما مدى مشروعية التعامل بها ونشرها، يؤكد وزير الأوقاف الأسبق الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني أن هذه المسجات المجهولة بما تحمله من مضمون حرام شرعاً، لأن الله أمر الرجال أن يخطبوا النساء من أوليائهنّ.

 

لكن هذه الخدمة التي تحث الفتاة على إقامة علاقة مباشرة مع أشخاص غير معروفين تعد وسيلة للإفساد، معتبرا إياها طريقة سهلة لمخاطبة العواطف والغرائز، إلا أنها فاشلة، لكونها تسعى لنشر الفساد الأخلاقي والأسري، فهي تتخطى الحواجز الأسرية من خلال دفع الفتيات باتجاه إجراء اتصال مباشر بأشخاص مجهولين.

 

وشدد الكيلاني على أن هذه الأساليب، قاصدا خدمة "كيف تصطادين عريسا"، تغيّب مقاييس الزواج السليمة والمقبولة شرعا وعرفا, مؤكدا على حرمتها شكلا ومضمونا.

 

وفي السياق ذاته، تحدث الأب إبراهيم دبور لـ"السبيل"، مؤكدا على حرمة اتباع هذه الأساليب لما لها من سلبيات على الفرد والمجتمع.

 

وقال إن مخاطبة شخص مجهول والحديث إليه سواء عن طريق الهاتف أو المسج حرام قطعا، لأنه يؤثر على العلاقات الأسرية بشكل سلبي، مضيفا أن خدمة الرسائل تلك تحث على التعارف بين الفتيات وأشخاص مجهولين، مما يخلق أجواء من التوتر داخل الأسرة.

 

وأكد أن الطريقة الصحيحة للارتباط والزواج تكزن من خلال الأسرة والمجتمع لأن الجميع يرحب بها، أما هذه الطرق الملتوية فهي قفز من النافذة، ومن هنا جاء تحريمها.

 

تراجع سلطة الأسرة أمام التكنولوجيا

 

ولمعرفة أسباب انتشار مثل هذه الخدمات، وإمكانية تقبل البعض لها في المجتمع، يلفت الباحث الاجتماعي محمد الجريبيع إلى تراجع سلطة الأسرة أمام سلطة التكنولوجيا والاتصالات وقلة تواصل الأهل مع الأبناء، مشيرا إلى أن توفر هذه التكنولوجيا يدفع بمؤسسات أخرى لأخذ دور الأسرة في التنشئة والرقابة، وهو ما يؤدي لظهور عادات وسلوكيات غريبة تهدف لضرب قيم المجتمع وزعزعة أمنه الاجتماعي.

 

غير أن الجريبيع يقول إن هنالك جزءا آخر من هذه الخدمات ذات طابع تجاري، هدفها جني الأرباح عن طريق شركات الاتصالات بغض النظر عن الطريقة المستخدمة لذلك.

 

ووفقا للباحث الاجتماعي، فإن من الملاحظ أن أكثر الفئات تقبلا لهذه الأفكار "المسجات" فئة الشباب والمراهقين، لأنها تخاطب عواطفهم وغرائزهم، لا سيما أن هذه المرحلة تشهد تغيّرات نفسية وعاطفية وبروز حاجات فسيولوجية تحتاج لتلبية بأي طريقة كانت ومن أي مصدر، لذلك فإن الشباب بحاجة لتوعية وعناية في هذه المرحلة العمرية حتى لا نترك مهمة تنشئتهم وتوعيتهم لمؤسسات وأفراد خارج نطاق الأسرة السليم.

 

السبيل