تحدث الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي قبل فترة قصيرة عن أن معدل النمو الاقتصادي مقاساً بمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لا يعكس في حد ذاته حقيقة مستوى ونوعية الحياة التي نعيشها، فهو لا يعكس مثلا كفاءة النظام التعليمي أو مستوى الخدمات الصحية أو الأمن أو مستوى الحريات التي يتمتع بها الأفراد ونحو ذلك من متغيرات مهمة تعطي في مجملها مقياساً مناسباً لمستويات الرخاء التي يتمتع بها الأفراد في المجتمعات المختلفة. أحد أبرز المؤشرات التي تقيس الرخاء بهذا المفهوم الشامل هو مؤشر ليجاتوم للرخاء الشامل Legatum Prosperity Index، ويمكن الوصول إليه على هذا الرابط http://www.prosperity.com/rankings.aspx ، والذي يصدره معهد ليجاتوم في لندن ضمن تقرير سنوي حول الرخاء الشامل في العالم منذ عام 2007. وقد حظي تقرير هذا العام الصادر الأسبوع الماضي بتغطية إعلامية أوسع من العادة في ضوء ما سبق أن تحدث به الرئيس الفرنسي من ضرورة استخدم مؤشرات أكثر شمولاً في المقارنات الاقتصادية بين بلدان العالم وهو ما يتميز به هذا المؤشر.
فمؤشر ليجاتوم يقيس الرخاء الشامل في 104 بلدان يشكل سكانها نحو 90 في المائة من سكان العالم، من بينها 11 بلداً عربياً هي: السعودية، الكويت، الإمارات، اليمن، الأردن، لبنان، مصر، السودان، تونس، الجزائر، والمغرب، وذلك من خلال 79 متغيرا صنفت في تسعة مؤشرات فرعية تشكل في مجموعها المؤشرات الأساسية لقياس الرخاء في أي بلد في العالم، والمؤشر العام للرخاء عبارة عن متوسط أداء كل دولة في هذه المؤشرات الفرعية. هذه المؤشرات الفرعية هي: الأساسيات الاقتصادية وتشمل متغيرات كالنمو الاقتصادي وقوة الاقتصاد، ريادة المشاريع والإبداع والذي يقيس مدى وجود بيئة مناسبة لقيام مشاريع جديدة تتحول من خلالها الأفكار الإبداعية إلى مشاريع ناجحة تجاريا، التعليم باعتبار أن وجود نظام تعليمي عالي الكفاءة حجر الأساس في التنمية الإنسانية، المؤسسات الديمقراطية القادرة على ضمان شفافية أداء الأجهزة الحكومية وخضوعها للمحاسبة بصورة تسمح بتحقيق معدلات نمو أعلى، الحكم الرشيد باعتباره خير ضمانة لحفظ النظام وتشجيع الإبداع، الخدمات الصحية، الحريات الشخصية، الأمن والأمان اللذان يهيئان البيئة المناسبة التي تتيح لأفراد المجتمع إمكانية استغلال كل ما يتاح أمامهم من فرص، وأخيراً رأس المال الاجتماعي الذي يقيس مدى الثقة بالآخرين وقوة العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
ورغم أن الدول العربية لم تشكل إلا نحو 11 في المائة من الدول المشمولة في هذا المؤشر إلا أنها شكلت نحو ثلث الدول متدنية الرخاء على مستوى العالم، فثمان من الدول العربية كانت بين الدول الـ 25 الأسوأ أداء، من بينها دولتا، السودان واليمن، كانتا في الواقع ضمن أسوأ ثلاث دول على مستوى العالم حيث أتيا مباشرة بعد زمبابوي التي حققت أدنى مستوى في الرخاء الشامل عالميا. كما لم يكن بين أفضل 50 بلداً في العالم أي بلد عربي عدا الإمارات التي جاءت في المرتبة 47 على مستوى العالم، فيما كانت ماليزيا هي الأفضل أداء بين الدول الإسلامية بتحقيقها المرتبة 39 عالميا. أما بالنسبة للدول الأفضل أداء على مستوى العالم فقد جاءت فنلندا على رأس القائمة تلتها سويسرا فالسويد فالدنمارك ثم النرويج، ويلاحظ تركز معظم الدول الأكثر رخاء في منطقة شمال الأطلسي، أي في قارتي أوروبا وأمريكا الشمالية، أما دول القارة الآسيوية فلم يكن بين هذه المجموعة إلا اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وهونج كونج وسنغافورة والكيان الإسرائيلي، فيما غابت الدول الإفريقية عن هذه المجموعة بشكل تام.
الغريب أن بلداناً فقيرة نستقدم منها عمالتنا ومن يخدم في منازلنا جاءت في مجموعة الدول متوسطة الرخاء، فيما جاءت معظم الدول العربية في مجموعة الدول ضعيفة الرخاء، على سبيل المثال جاءت تايلاند في المرتبة 44، الفلبين في المرتبة 55، سريلانكا في المرتبة 58، وإندونيسيا في المرتبة 61، في حين لم يكن من بين مجموعة الدول متوسطة الرخاء من الدول العربية إلا الإمارات والكويت وتونس وبقية الدول العربية كانت ضمن مجموعة الدول ضعيفة الرخاء. وهذا الأداء المتواضع جداً للبلدان العربية يظهر حجم الجهد المطلوب من الدول العربية لتحسين مستوى حياة مواطنيها، ومؤشر خطير على تدن في مستوى استغلال إمكاناتها الاقتصادية الذي جعل دولا فقيرة تحقق معدلات رخاء أعلى منها بكثير رغم كل ما تملكه البلدان العربية من موارد تؤهلها بكل سهولة لتحقيق مستويات عالية من الرخاء الشامل لسكانها ومن الغريب جداً ألا تتمكن من ذلك.