لم يعد النزيل في سجون الإصلاح والتأهيل بمعزل عن العالم الخارجي، أو ينتظر بفارغ الصبر زيارة مقتضبة للأهل، بل غدا بوسعه التواصل مع المحيط من خلال الجلوس ولو لدقائق أمام الكمبيوتر وتصفح شبكة الإنترنت.
وكانت مذكرة التفاهم التي وقعها مركز تكنولوجيا المعلومات ومديرية الأمن العام، أخيرا، فتحت باب التواصل مع العالم الخارجي أمام السجناء، بعد أن وفرت خدمات الإنترنت لنزلاء مراكز إصلاح وتأهيل الموقر والنساء وأم اللولو وسواقة.
وتعد هذه الخطوة الأولى من نوعها باتجاه تعديل وتقويم سلوك النزلاء من خلال اطلاعهم على برامج تثقيفية وتعليمية تبثها شبكة الإنترنت.
ويُجمِع خبراء على أن الفكرة ايجابية ومهمة وتسهم في بناء قيم إيجابية لدى النزلاء حول أنفسهم والعالم المحيط.
وهذا ما يؤكده اختصاصي علم الاجتماع د. منير كراتشة قائلا "هذه الخطوة تعكس الصورة الحضارية عن الأردن، وخطوة إيجابية تبقي النزلاء على تواصل دائم مع مجتمعهم وتمنحهم فرصة الاطلاع على آخر الأخبار".
الناطق الإعلامي في مديرية الأمن العام محمد الخطيب يرى أن الهدف من فتح باب خدمة الإنترنت في السجون لضمان عدم عزل النزلاء عن العالم الخارجي، ولإفساح المجال أمامهم للاطلاع على أهم المواقع العلمية والدينية والمعرفية، مبيناً أنهم سيتمكنون من مراسلة أهاليهم عبر "الإيميلات" وضمن ضوابط معينة.
مدير عام مركز تكنولوجيا المعلومات الوطني، الجهة المشرفة على برنامج محطات المعرفة، المهندس ناصر خلف، يشير إلى أن ايجاد محطات المعرفة في مراكز الإصلاح والتأهيل جاءت لتؤكد أن نشر التكنولوجيا من قبل البرنامج لا يقتصر على فئة معينة في المجتمع دون غيرها.
ويلفت إلى أن توفير أجهزة الحاسوب وخدمات الإنترنت للنزلاء سيفتح أمامهم أبواباً جديدة للتواصل الاجتماعي ومعرفة آخر المستجدات.
ويشير إلى أن توفير هذه الخدمات سيسهم في إعادة تأهيل النزيل وتنمية شخصيته ومهاراته والبحث عن فرص عمل قد يجدها بعد انقضاء مدة محكوميته، مؤكدا أن البرنامج لديه توجه لزيادة عدد مراكز الإصلاح المشمولة بهذه الخدمة.
ويسعى برنامج محطات المعرفة الذي يتبع مركز تكنولوجيا المعلومات الوطني بالتعامل مع البلديات وبعض الجهات الحكومية إلى توفير خدمات الحاسوب والإنترنت والتدريب عليها، وخصوصاً بالمناطق النائية والريفية، كما ويهدف لرفع عدد محطات المعرفة في المملكة لأكثر من 180 محطة مع نهاية العام.
ويرى خبير مهارات الاتصال ماهر سلامة أن عملية "الإصلاح متكاملة"، وأن فكرة توفير خدمة الإنترنت لهذه الفئة أمر مهم وخطوة إيجابية، يمكن من خلالها تثقيفهم وتوعيتهم بمختلف المجالات.
ويضيف أن شبكة الإنترنت عالم من المعرفة وستضيف للنزيل معلومات جديدة، مشددا على ضرورة مراقبة طرق البحث على الإنترنت.
وفي هذا السياق يرى اختصاصي علم الاجتماع د.قبلان المجالي أن كل شيء له ايجابياته وسلبياته، منوها إلى أن هذه تجربة جديدة، يمكن اختبارها لمدة معينة ومعرفة النتائج التي ستترتب عليها.
ويشير إلى أن الرقابة على الإنترنت داخل السجون شيء جيد، ويمكن أن يسهم في تثقيف السجين في حال كانت خاضعة لشروط معينة، تفرض ضوابط حول طبيعة المواقع التي يتم الدخول إليها.
ولمواجهة النتائج السلبية التي قد تنتج عن استخدام الإنترنت لأغراض أخرى، يقول الخطيب أن الخطوة مدروسة ومراقبة من كافة النواحي العلمية والأمنية.
ويرى كراتشة أن هذه الخدمة لها آثارها الايجابية على النزيل، إذ ستسهم في إخراجه من العزلة الفكرية والثقافية التي يعيشها، كما أن التواصل سيجعله يعيد تفكيره حول العالم، وتخلصه من الأفكار الجرمية، بالإضافة إلى أنه يعزز البعد الثقافي والأخلاقي والقِيمي لديه ويهذّب سلوكه.
وعن التأثير الذي قد يتركه استخدام الإنترنت على نفسية النزيل، يؤكد اختصاصي علم النفس د.جمال الخطيب أن هذا الإجراء سيجعل النزيل يشعر بقيمة الحرية المفتقدة ويقدرها بشكل كبير، ويسعى للتمسك بها، ويثنيه عن الأفعال الجرمية التي تسلب حريته. الغد