صحيفة العرّاب

اعتبارات اجتماعية تحاصر من يرغبون دراسة الفنون وتضعهم بمواجهة مع الأهل

يقف أحمد الذي يمتلك موهبة التمثيل عاجزا عن إقناع والديه كي يدرس الدراما.

 أحمد، ذو الثمانية عشر ربيعا والمتفوق في دراسته الاكاديمية، يذهب إلى أن والديه "يرفضون فكرة أن يكون ابنهم فنانا".
 
ورغم ذلك لم يفقد أحمد الأمل، فهو ما يزال يجدد محاولاته لتغيير نظرة أهله للفن كونه يحمل رسالة إنسانية.
 
وتقف النظرة المجتمعية للفنون بأنواعها حائلا دون تنفيذ الكثيرين رغباتهم لإكمال مشوارهم التعليمي والمهني في هذا المجال.
 
ورغم المكانة الرفيعة التي يحظى بها أهل الفن والتقدير اللافت الذي يوازي ما يتمتع به أهل العلم والثقافة والسياسة، إلا أن الأمر ما يزال عصيا على كثير من الأسر في أن يطرق أحد أفرادها هذا العالم.
 
أحد الفنانين الأردنيين، الذي فضل عدم ذكر اسمه، اضطر إلى دراسة القانون على مدار عامين بسبب رفض أهله إكمال دراسته الجامعية في تخصص الموسيقى.
 
وبعد انقضاء عامين دراسيين، ترك دراسة القانون وتابع مشواره التعليمي في الأكاديمية الأردنية للموسيقى، مواجها العديد من المشاكل مع والديه.
 
صوته الجميل، الذي حمله للشهرة المحلية والعربية، وغناؤه الملتزم، كما يقول، هما ما شفع له عند الأهل، وسرعان ما عادت المياه إلى مجاريها.
 
استاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور قبلان المجالي يؤكد أن لكل مهنة في المجتمع مكانة معينة. ويزيد "ورغم ما تمر به المجتمعات من مراحل تغير، إلا أن النظرة لبعض التخصصات والمهن تبقى متدنية".
 
ويرد المجالي النظرة الدونية من قبل الأهالي والمجتمع لبعض التخصصات لاعتبارات اجتماعية لها علاقة بالعادات والتقاليد والقيم.
 
ويبدي المجالي تفاؤله قائلا "نظرة المجتمع نحو هذه التخصصات قد تتغير، لكنها مرتبطة بالتغير البطيء والمستمر لمستوى التحضر والتغيرات الاجتماعية الاخرى".
 
الكاتب المسرحي وأستاذ الدراما في كلية الفنون في جامعة اليرموك الدكتور مخلد الزيودي يشير إلى أن الرفض من قبل الأهالي لمثل هذه التخصصات يواجه الشاب والفتاة على حد سواء، موضحا أن هذه المشكلة ترافق الطلبة منذ ما يزيد على ربع قرن.
 
ويؤكد أن كلية الفنون ومع الزمن استطاعت التغيير من قناعات الأهل نحو فنون الدراما والموسيقى والتصميم الجرافيكي.
 
ويذهب الزيودي إلى أن التخصصات الفنية أصبحت تحظى باهتمام كبير اليوم، نظرا لتغير نظرة الاهل لرسالة الفن التي تعكس الصورة الحضارية عن الوطن.
 
العشريني عمر الدهني لم يواجه أية مشكلة مع الأهل عندما قرر الالتحاق بكلية الفنون، بل وجد التشجيع والتقدير لهذا التخصص.
 
ويشير "من يواجه مشكلة أكبر هم طلبة الدراما والموسيقى بسبب الصورة السلبية عن الممثل والموسيقي في مجتمعنا"، رائيا أن السبب في ذلك يعود إلى تصوير الاعلام لهذه الفنون بأنها هابطة وتسعى للربح على حساب القيم.
 
غير أن الزيودي يرى أن زخم الإنتاج المحلي على صعيد الأعمال الدرامية ساهم في تحسين صورة الفن، منوها إلى أنها أصبحت مصدر "فخر" للكثير من العائلات التي درس أبناؤها الفن.
 
ويذكر الزيودي نجوما أدردنيين أصبحوا معروفين على المستوى العربي ومنهم: أحمد العمري، صبا مبارك، ماركو حداد، منذر رياحنة، محمد الابراهيمي، وغيرهم "ممن أصبحوا مفخرة للأهل وللوطن"، كما يقول.
 
عميد كلية الفنون والتصميم في الجامعة الاردنية د. عبد الحميد حمام يؤكد أن أغلبية الطلبة المنتسبين للكلية يدرسون الفنون البصرية والتصميم، منوها إلى أن عدد الطلاب في قسم الموسيقى ثابت نوعا ما في كل عام دراسي.
 
ويعزو حمام ذلك إلى أن الدراسة في كليات الفنون لا تؤخذ على محمل الجد من قبل الأهالي، إضافة إلى قلة درايتهم بأهمية هذا التخصص.
 
ويشير حمام إلى أن عدد طلبة الفوج الأول من كلية الفنون والتصميم في العام 2002 لم يتجاوز 25 طالباً، في حين أن عدد من هم على مقاعد الدراسة هذا العام وصل إلى 300 طالب.
 
وعن عدد الطلبة في الكلية، يقول الزيودي انه "ليس في المستوى المطلوب لأسباب متعددة منها ارتفاع سعر ساعة التخصص، مما يشكل صعوبة بالغة خصوصاً مع ارتفاع المستوى المعيشي".
 
ويشير الزيودي إلى المعايير لقبول الطلبة في كلية الفنون ومنها: أن يكون لديه إلمام في الثقافة العامة والسينما والتلفاز، مؤكدا أنه وعلى ضوء ذلك، تقرر لجنة خاصة أهليته لدراسة الفن.
 
ويذهب الزيودي الى أن الفن بحاجة إلى شباب متجدد، ولتحقيق ذلك، فإن "الكلية تسعى دوما لتخريج طلبة على درجة من الكفاءة في التمثيل والإخراج والتصميم الجرافيكي".
 
ولا يواجه طلبة كلية الفنون، بحسب الزيودي، مشكلة البطالة لقلة أعداد الخريجين مقابل التخصصات الأخرى التي تعاني زخماً في عدد طلابها.
 
ويردف "فطلبة الفنون يجدون فرصة العمل أثناء الدراسة وبعدها مباشرة، خصوصاً مع صعود الإنتاج المحلي للأعمال الدرامية".
 
ويعتقد المجالي أن فرض الأهالي على الأبناء تخصصات لا يرغبون بها قد يولد مشكلات مجتمعية أخرى، لذلك يجب نشر التوعية لتغيير الصورة حول دراسة الفنون.