أكد جلالة الملك عبدالله الثاني أن "أمن بلدنا وسلامة مواطنينا خط أحمر لا نسمح لأحد بتجاوزه"، مشددا أن "الأردن والحمد لله بلد آمن ومستقر، ومؤسساتنا مؤسسات قادرة ومتطورة قارب عمرها المئة سنة، وراكمت من المؤسسية والثقة والقدرة ما يمكننا من تجاوز أي مأزق".
واعتبر جلالته، في الحلقة الثانية من المقابلة التي أجراها رئيس تحرير صحيفة الحياة اللندنية الزميل غسان شربل، أن "الأهم من ذلك أن شعبنا الأردني حريص على بلده وقادر على حمايته وضمان استمرار تقدمه".
وقال جلالة الملك إن "القلق هو حول مستقبل المنطقة في شكل عام إذا استمر الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي واستمر التوتر ولم يحصل الشعب الفلسطيني الشقيق على حقه في الحرية والدولة المستقلة".
وشدد جلالته أن "القاعدة ليست مصدر قلق للأردن بشكل خاص"، منوها جلالته إلى أن الأردن "جزء من القلق العربي من التكفيريين، وجزء من الفريق الذي يواجه هذا الضلال، ونواجههم فكريا وثقافيا ورسالة عمان جزء من هذا الجهد".
واستذكر جلالة الملك تفجيرات عمان الإرهابية التي استهدفت ثلاثة فنادق في تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، واصفا إياها بـ"الجريمة البشعة التي عكست في شكل واضح عبثية الإرهاب وضلال القاعدة والزرقاوي وما يمثلون".
وكشف جلالته في هذا الصدد عن دور الأجهزة الأمنية في عملية ملاحقة الزرقاوي، المسؤول عن الاعتداءات الإرهابية على الأردن، ونجاحها في جلب الكربولي، الذي قتل مواطنا أردنيا من خارج البلاد ليحاكم على جريمته.
وهنا نص الحلقة الثانية من الحوار:
* هل ما زالت "القاعدة" مصدر قلق للأردن؟
- لا ليس بالنسبة الى الأردن بشكل خاص، ولكن نحن جزء من القلق العربي من التكفيريين، وجزء من الفريق الذي يواجه هذا الضلال، ونواجههم فكرياً وثقافياً ورسالة عمان جزء من هذا الجهد. وننسق أيضاً أمنياً مع الدول العربية والإسلامية لمواجهتهم.
* ضرب الإرهاب الأردن، تحديداً في عمان التي استهدفت فنادقها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2005. هل صحيح أن الأجهزة الأردنية ساهمت في الإيقاع بالزرقاوي، وجلبت مساعده "الكربولي" من بيروت؟
- كانت الاعتداءات الإرهابية على الأردن جريمة بشعة عكست في شكل واضح عبثية الإرهاب وضلال القاعدة والزرقاوي وما يمثلون. فكيف يمكن لقتل الأبرياء الأطفال والنساء، وكيف يمكن لقتل أسر تحتفل بزفاف أبنائها أن يكون جهاداً من أجل الإسلام وقضايا المسلمين؟ ووقف الأردن كله ضد هذه الجريمة وضد إرهاب القاعدة والزرقاوي.
استطاعت القاعدة القيام بهذه العملية على أيدي إرهابيين غير أردنيين، وبأسلحة هُرّبت إلى الأردن، بعدما أحبطت أجهزتنا الأمنية التي أفتخر بها وبأدائها محاولات عدة لقتل أردنيين، وضرب استقرار البلد وأمن مواطنيه. وقامت هذه الأجهزة بواجبها بملاحقة الزرقاوي، ومن دون الخوض في التفاصيل، نعم، كان لأجهزتنا الأمنية دور في عملية ملاحقة الزرقاوي ونجحت أيضاً في جلب الكربولي، الذي قتل مواطناً أردنياً بدم بارد، من خارج البلاد ليحاكم على جريمته. فأمن بلدنا وسلامة مواطنينا خط أحمر لا نسمح لأحد بتجاوزه.
* كانت السنوات العشر الماضية حافلة بالأحداث والتطورات عربياً ودولياً. كيف تصفون هذه الحقبة؟
- بالطبع، على المستوى الإقليمي تحديداً، كانت فترة صعبة جداً وشهدت تحولات كبيرة وأحداثاً مصيرية في فلسطين، والعراق، ولبنان، وأفغانستان وغيرها من المناطق.
لكنها أيضاً مرحلة استوجبت التفكير في شكل جدّي في كيفية التعامل مع هذه الأحداث بما يحمي المصالح العربية، ويحقق للشعوب والدول العربية ما تستحقه من أمن واستقرار وتطور. نحن عملنا وما زلنا نعمل من أجل مواجهة تبعات هذه الأحداث، والتحدي يكمن في الاستمرار في التنسيق والتشاور في ما بيننا كعرب ليس لمجرد تجاوز نتائج التحولات الصعبة، بل لأجل التعلم من دروس الماضي وإعداد أنفسنا للتعامل مع المستقبل، بقدرة أكبر على حماية مصالحنا.
أمّا داخلياً، فالحمد لله، شهد الأردن تحولات جذرية من ناحية التطوير والتحديث والإصلاح والنمو الاقتصادي، وتطوير البنية التحتية، وتحسين قطاعي التعليم والصحة، وتمكين المواطنين من امتلاك المهارات والقدرات التي تؤهلهم لمواجهة متطلبات المستقبل، بالإضافة إلى حفاظنا على أمن البلد واستقراره والاستمرار في البناء على ما أنجز.
* متى عرفتم أن إدارة بوش تنوي إسقاط النظام العراقي، وماذا فعلتم خصوصاً أن الحرب ستدور قرب حدودكم، وهل أجريتم اتصالات بالعراق؟
- كنا قلقين من التوتر، وبالطبع كنّا نراقب الأحداث بدقة، وكنا نخشى أن تتطور وأن يؤدي التوتر الذي كان قائماً إلى عملية عسكرية ضد العراق. خيار الحرب كان مرفوضاً، وكنا نخشى في شكل كبير على أشقائنا العراقيين ومن خطورة الحرب عليهم، وكنا نتحرك بكل قدرتنا لمحاولة إقناع جميع الأطراف بضرورة الاحتكام إلى لغة الحوار وتفادي الحرب، والاحتكام إلى مؤسسات الأمم المتحدة لحل كل الخلافات، وسعينا لحض الحكومة العراقية على تفادي تأزيم الموقف، وعلى حماية العراقيين من ويلات الحرب. ولكن للأسف، حدث ما حدث.
* هل أقلقكم مشهد دبابة أميركية تقتلع تمثال صدام حسين ونظامه، وتجول منتصرة في شوارع بغداد، وهل خشيتم من اضطرابات في الأردن؟
- لم يكن سهلاً على أي عربي أن يرى جيوشاً أجنبية في بغداد. وبالتأكيد كانت هناك مرارة لرؤية الشعب العراقي الشقيق يعاني ويلات الحرب والدمار. كان همّنا هو مساعدة الأشقاء العراقيين على تجاوز هذه المحنة، وقمنا بكل ما نستطيعه لتحقيق ذلك. فالعراق دولة عربية كبيرة وشقيقة، والشعب العراقي هو أهلنا، وأمن العراقيين واستقرار بلدهم وبناء مستقبل آمن لهم هو ضرورة لاستقرار المنطقة، ونأمل بأن يتمكن العراقيون من تحقيق الأمن والاستقرار وإعادة بناء بلدهم.
* هناك من يعتبر أن إدارة بوش قدمت بغزوها العراق هدية لإيران التي اندفعت لتوسيع دورها في المنطقة. هل تعتقدون أن ما حدث كان نتيجة سوء تقدير أم هو أبعد من ذلك؟
- لا شك أنه كانت هناك أخطاء كثيرة في الماضي. والكل يعرف أن نتائج الحرب غيّرت موازين القوى لمصلحة إيران. لكن مصلحة إيران ومصلحة المنطقة وأمنها تتطلبان أن يزداد التعاون، لا أن تحاول أي جهة توسيع نفوذها على حساب الآخرين. وما يهمنا الآن هو التركيز على تجاوز العراق محنته واستعادة أمنه واستقراره. ونحن نرفض التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، والعلاقات التي نريدها مع إيران هي علاقات جوار سليمة مبنية على الاحترام المتبادل.
* كيف تصفون علاقتكم بالسعودية خلال السنوات العشر الماضية، وبخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز؟
- على أفضل ما يكون، فعلاقتنا مع السعودية الشقيقة ثابتة وراسخة وتتطور في شكل دائم، وعلاقتي مع خادم الحرمين الشريفين هي علاقة أخوّة حقيقية وعميقة. وهنالك تنسيق وتشاور وتواصل دائم بيننا، ونتحدث بصراحة حول كل الأمور التي تهمنا سواء في ما يتعلق بعلاقاتنا الثنائية أو القضايا الإقليمية والدولية. ونحن نثمّن عالياً وقوف السعودية الشقيقة بقيادة خادم الحرمين إلى جانبنا، ودعمها المستمر للأردن.
* هل سعيتم إلى خفض التوتر بين واشنطن ودمشق بعد غزو العراق؟
- كنت ذهبت إلى سورية لزيارة الرئيس الراحل حافظ الأسد رحمه الله قبل الحرب بسنوات، وحمّلني رسالة حول محادثات السلام الإسرائيلية - السورية. وأنا أعتقد أن كل دولة مسؤولة عن تخفيف التوتر بين جيرانها وبين الدول العربية ككل. لذلك، كلما كانت هناك حالة شعر فيها الأشقاء السوريون بأننا نستطيع أن نؤدي دوراً في التأثير في شكل إيجابي في تخفيف التوترات، ليس مع الولايات المتحدة فقط، ولكن مع دول أخرى، قمنا بهذا الدور.
* وعلاقتكم بالرئيس بشار الأسد والتي شهدت فترات مد وجزر؟
- الحمد لله علاقتنا مع سورية قوية. وهي علاقات أخوة وتعاون. وعلاقتي بأخي الرئيس بشار متينة جداً وهنالك حرص مشترك على تطوير هذه العلاقات.
العلاقات بين الشعبين الشقيقين هي فوق السياسة وتتجاوزها، والزيارات بين المواطنين تتم بأعداد كبيرة. كانت هناك خلافات سياسية واتفقنا واختلفنا في السياسة، ويمكن للأصدقاء والأشقاء أن يختلفوا. لكن العلاقات على كل المستويات، على المستوى الشعبي والمستوى الرسمي ظلت قوية وطبيعية، وهنالك تواصل وتعاون مستمر في مجالات الاقتصاد والتجارة والتعليم والتدريب والبنوك والأنظمة المالية، وغيرها.
* كان هنالك إفطار عائلي في رمضان في دمشق، بينك وبين الرئيس الأسد. هل يعني هذا دفئاً في العلاقات؟
- نعم جلسنا كأصدقاء وكانت معي زوجتي وأبنائي سلمى وهاشم، وزوجته وأولاده كانوا أيضاً موجودين، وتناولنا الإفطار ثم ذهبنا إلى البيت وجلسنا أكثر مما كان مبرمجاً، وعدنا في وقت متأخر إلى عمان.
* هل تشعر بأن السياسة السورية تتجه نحو المزيد من الاعتدال، مع تطور العلاقات مع تركيا؟
- أعتقد أن الرئيس بشار يعرف ما هو المطلوب لمستقبل شعبه وكما قلت هناك تطور في العلاقات مع تركيا، والعلاقات مع السعودية عادت قوية وعلاقاتنا نحن باستمرار قوية. وواضح أن هناك صفحة جديدة في العلاقات مع أميركا، وهناك حوار مع أوروبا. وواجبنا أن نقف إلى جانبهم. وأتذكر أنه في العام الماضي وفي اجتماع مع سفراء الأردن في الخارج، وكنت وقتها عائداً من زيارة إلى سورية، قلت لهم أطلب من كل سفير أن يعمل في البلد الذي هو فيه من أجل تقوية الجسور بين البلد الذي يمثلنا فيه مع سورية.
* هل صحيح أن الأردن ساهم في فكرة "الصحوات" في العراق؟
- علاقتنا بالعراق علاقة دول ومؤسسات. نحن حريصون على أمن العراق واستقراره، ونتواصل مع حكومته وقيادته من أجل القيام بأي دور نستطيعه لخدمة مصالح العراق. أذكرّك بأن مئات الألوف من العراقيين جاؤوا إلى الأردن وهم ضيوف أعزاء علينا، وقد أوعزت شخصياً بتقديم كل التسهيلات لهم ومساعدتهم إلى أن يتمكنوا من العودة إلى وطنهم. ما نريده هو أن يستعيد العراق استقراره ومكانته بحيث يعيش جميع المواطنين العراقيين في بلدهم بأمن وسلام ومساواة. ومن أجل ذلك دعمنا العملية السياسية في العراق وأكدنا ضرورة انخراط كل أطياف الشعب العراقي الشقيق في هذه العملية، من أجل تجاوز خلافاتهم وبناء وطنهم.
الحريري
* في شباط (فبراير) 2005 شهد لبنان اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. ماذا تذكرون من علاقتكم معه؟
- كان الرئيس الحريري، رحمه الله، صديقاً عزيزاً وقائداً كبيراً، خسر لبنان والمنطقة برحيله شخصية سياسية وقيادية مستنيرة، وحريصة على سلم لبنان وتطوره وأمنه. وأذكر كم كان ذلك واضحاً في حواراتنا. كان اغتياله جريمة كبيرة وتألمنا كثيراً لرحيله. ونحن نأمل بأن يحقق لبنان ما عمل من أجله الرئيس الشهيد، في بناء لبنان سيداً مستقلاً، وقادراً على ضمان المستقبل الأفضل لجميع أبنائه.
* كيف تصفون علاقتكم بالرئيس ميشال سليمان؟ وهل عندكم علاقة مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري؟
- علاقة أصدقاء. الرئيس سليمان زارني حين كان قائداً للجيش ونشأت علاقة طيبة بيننا، وربما بسبب خلفيتنا العسكرية. والتقينا أكثر من مرة بعد تسلمه الرئاسة على هامش مؤتمرات، وزارنا في الأردن، وكانت من أنجح الزيارات. أنا أحترمه وأقدره كثيراً.
والرئيس المكلف سعد الحريري صديق قديم، ووالده، رحمه الله، كان أخاً عزيزاً جداً عليّ، وبيننا علاقة عائلية، ونحن على اتصال دائم.
* هل يمكن القول إن عدوان إسرائيل على لبنان في تموز (يوليو) 2006 والعدوان على غزة بعد عامين، هما في العمق مواجهة إسرائيلية - إيرانية حول ترتيب المواقع في المنطقة؟
- لا شك أن هناك ترابطاً وتداخلاً بين القضايا الإقليمية. ولكن ما أؤمن به في شكل قاطع هو أن القضية الفلسطينية هي أساس الصراع والتوتر في المنطقة، وحلّها يوفر المدخل للتعامل مع كل القضايا الأخرى في المنطقة. وبغض النظر عن عن التحليلات، فإن العدوان الإسرائيلي على لبنان وعلى غزة كانا عملين مرفوضين ومدانين بالمطلق، وفاقما التوتر وزادا حجم المعاناة الإنسانية. الأبرياء، الأطفال، النساء والمدنيون العزل كانوا ضحايا الحرب. وما أقوله دائماً هو أن إسرائيل لن تستطيع تحقيق أمنها من خلال الحروب والاحتلال والقوة العسكرية والحواجز والجدران، لأن الأمن الحقيقي لن يتأتى إلا بتحقيق السلام الشامل والدائم. لن تحصل إسرائيل على الأمن إلا إذا حصل الفلسطينيون على أمنهم وعلى حقهم بالعيش في حرية وكرامة في دولتهم، من دون احتلال ومن دون نقاط تفتيش وحصار ومعاناة.
شرق أوسط جديد
* هل تشعرون بالقلق من احتمال قيام شرق أوسط جديد تتقدم فيه الأدوار الإيرانية والتركية والإسرائيلية على حساب الجانب العربي؟
- نحن لا نريد العداء مع إيران أو غيرها، نريد للشرق الأوسط أن ينعم بالأمن والاستقرار الذي حرم منه لعقود طويلة. ما نريده هو علاقات جوار وصداقة سليمة ومبنية على الاحترام المتبادل، وعلينا نحن كعرب مسؤولية كبيرة في حماية مصالحنا وتنسيق مواقفنا من أجل الحفاظ على دورنا ومكانتنا وحقوقنا في المنطقة وفي العالم، وتفويت الفرص على أي جهة تطمع في توسيع نفوذها على حساب المصالح العربية. وفي النهاية لا أعتقد أنه سيكون هناك استقرار وأمن حقيقي في المنطقة إذا لم تنهِ إسرائيل احتلالها، ويتحقق السلام الشامل، أو تغوّل أي طرف واعتدى على حقوق الآخرين. لذلك لا بد من أن يكون هناك توازن في العلاقات الإقليمية في إطار من الاحترام المتبادل والتعاون.
* هل تخشون صفقة إيرانية - أميركية تعطي طهران الدور الأول في الإقليم؟
- مرة أخرى، وكما قلت، كلما زدنا درجة التنسيق والتعاون بيننا كدول عربية، استطعنا حماية مصالحنا. وليس من مصلحة أحد أن تكون العلاقات الإقليمية متوترة، أو أن يكون هنالك تجاوز لحقوق الآخرين.
إيران و "الكارثة"
* هل يمكن أن نستيقظ ذات يوم لنكتشف أن إسرائيل هاجمت المنشآت النووية الإيرانية، وخلطت كل الأوراق في المنطقة؟
- يجب ألا يحدث ذلك، لأن النتائج ستكون كارثية على المنطقة برمتها. الحرب ليست حلاً، ولا بديل من الحوار وسيلة لحل الخلافات. وأنا أقول دائماً إنه لا يجب أن تكون هناك ضربة عسكرية ضد إيران، لأن أي عمل عسكري ستكون له آثار مخربة في المنطقة. قلت لإدارة بوش وتحدثت مع اوباما أن حل القضية الفلسطينية هو الأساس، ويخفف كل التوترات في المنطقة. وحاولت أن أوضح للغرب أنه في حال فتحت إسرائيل جبهة مع إيران، فنحن جميعاً سندفع الثمن. وواجب الغرب أن يضغط على إسرائيل من أجل ألا توقعنا في هذا المطب. لا نريد مفاجآت مثل ما حدث في العراق.
* في بداية عهدكم نزلتم إلى الشارع متنكراً لمعرفة مشاعر الناس ومطالبهم. هل يستطيع الحاكم البقاء على علاقة بنبض الناس، على رغم الإجراءات الأمنية وكثرة الانشغالات؟
- نعم يستطيع القائد الحريص على شعبه البقاء قريباً منه، وعلى علاقة بنبض الناس كما تسميه. فأسعد لحظاتي هي تلك التي أكون فيها بين المواطنين أستمع منهم إلى همومهم وطموحاتهم. وأنا أتواصل في شكل دائم مع أعداد كبيرة من المواطنين، أستقبلهم وأزورهم في مدنهم وقراهم وبواديهم ومخيماتهم. وتذكر أخي أنني أمضيت أكثر من عشرين سنة من حياتي في المؤسسة العسكرية، حيث كنت على تواصل مباشر مع رفاق السلاح، وكنا نتحدث دائماً بصراحة وأريحية وبود في كل القضايا. كنا رفاق سلاح ولا حواجز بيننا.
أما بالنسبة الى التخفي فدعني أوضح أولاً أن الأردن بلد مؤسسات، وتصلني المعلومات عبر مؤسساتنا، لكن هدف زيارات التخفي هو ملامسة ما يجري في شكل مباشر، وتحفيز الناس على العمل ودفع المسؤولين للقيام بواجباتهم تجاه الناس في شكل أفضل. والحقيقة أن ما أكتشف من هذه الزيارات أقل بكثير مما لم يكشف.
* هل يراودكم أحياناً شعور بأن الأردن لا يزال مهدداً ككيان؟
- لا. فالأردن والحمد لله بلد آمن ومستقر، ومؤسساتنا مؤسسات قادرة ومتطورة قارب عمرها المئة سنة، وراكمت من المؤسسية والثقة والقدرة ما يمكننا من تجاوز أي مأزق. والأهم من ذلك أن شعبنا الأردني حريص على بلده وقادر على حمايته وضمان استمرار تقدمه.
الخوف ليس على الأردن. القلق هو حول مستقبل المنطقة في شكل عام إذا استمر الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي واستمر التوتر ولم يحصل الشعب الفلسطيني الشقيق على حقه في الحرية والدولة المستقلة، ولم يتحقق السلام الشامل، لأن استمرار الصراع يعني احتمال تفجر الأوضاع في أي لحظة. وهذا خطر على أمن واستقرار المنطقة برمتها، والأردن جزء منها.
فكرة الوطن البديل
* هل تخشون أن تستيقظ فكرة الوطن البديل مجدداً؟
- مرة أخرى: لا، لا يوجد في قاموسنا شيء اسمه الوطن البديل. ولا نخشى هذه الفكرة التي للأسف يثيرها المشككون داخل الأردن أكثر من غيرهم. هذا الموضوع ليس مطروحاً للنقاش، الأردن قادر على حماية نفسه ومصالحه، ونرفض أي تخوف مما يسمى الخيار الأردني، وأي كلام عن الوطن البديل. الخيار الوحيد هو حل الدولتين، الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني. وإضافة إلى ذلك، وكي أجيب عن أفكار مرفوضة أخرى تثار من دوائر معينة بين فترة وأخرى، لن يقوم الأردن بأي دور داخل الضفة الغربية. نحن نعتقد أن قيام الدولة الفلسطينية حق للفلسطينيين ومصلحة استراتيجية أردنية، وشرط لاستقرار المنطقة، والدور الوحيد الذي قمنا به وسنظل نقوم به هو مساعدة الأشقاء للحصول على حقوقهم وبناء دولتهم ومؤسساتها.
الإصلاح بكل جوانبه
* ما هي المعركة الأهم بالنسبة إلى جلالتكم: الاستقرار أم الإصلاح أم تحسين الوضع الاقتصادي، وهل اكتشفتم أن العوائق أكبر مما توقعتم؟
- الإصلاح وتحسين الوضع الاقتصادي مرتبطان بالاستقرار، بالتالي القضية ليست قضية مفاضلة بين هذه العوامل. الاستقرار أولوية والإصلاح أولوية وتحسين الوضع الاقتصادي أولوية. وما نعمل عليه هو إيجاد الآليات التي تسمح لنا بتطوير وطننا وتحسين مستوى معيشة الأردنيين، وتوفير أفضل فرص الإنجاز والإبداع لمواطنينا. وأنا قلت منذ سنوات ان لا إصلاح اقتصادياً من دون إصلاح سياسي. نحن ملتزمون الإصلاح بكل جوانبه، انطلاقاً من قناعتنا بضرورته وضرورة التطوير والتحديث الكفيل بإطلاق طاقات الأردنيين.
ونحن نقوّم الأداء في شكل مستمر، ونتخذ الخطوات والإجراءات الضرورية لمعالجة الأخطاء. بالتأكيد كانت هناك عوائق، لكن التصميم والإرادة كانا أقوى والحمد لله أنجزنا الكثير. وانظر إلى المؤشرات الاقتصادية وغير الاقتصادية، فقد تجاوز معدل النمو الاقتصادي 6 في المئة على مدى السنوات العشر الماضية، وارتفعت الصادرات بنسبة 100 في المئة، أنجزنا أكثر من 95 في المئة من برنامج الخصخصة، وبلغت الاستثمارات الخارجية بليوني دولار سنوياً، ووقعنا اتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي، وهذا فتح أفاقاً واسعة للصادرات الأردنية. بالإضافة إلى ذلك، في الأردن أكثر من 23 جامعة ونسبة الأمية أقل من 8 في المئة وحقق برنامج تطوير العملية التعليمية نتائج ممتازة وأصبح أنموذجاً اعتمده العديد من الدول، وأنت تعرف الأردن جيداً وتعرف ما فيه من بنية تحتية وكفاءات وما ينعم به من أمن واستقرار.
الآن نعمل على العديد من المشاريع الضخمة، مثل مشروع نقل مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت، ونقل مياه الديسي ومشاريع تحلية المياه وبرنامج الطاقة النووية للأغراض السلمية والسكك الحديد، إضافة إلى مشاريع أخرى ستبلغ كلفتها أكثر من 15 بليون دولار على مدى السنوات المقبلة. وهذه مشاريع ستنعش الاقتصاد وستلبي حاجات ضرورية للأردن في مجالات الطاقة وغيرها. وفي الوقت ذاته قمنا بتحديث القوانين والتشريعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ونعمل على تعديلات في قوانين أخرى لنضمن مواكبة الأردن ما يشهده العالم من تطور وتغيّر على كل المستويات.
وبالطبع ما زلنا نعمل لتجاوز المعوقات، وهي موجودة وأكثرها مرتبط ببطء التنفيذ أو بمقاومة التغيير أو بمحدودية الموارد، وفي قضايا معينة تكون مرتبطة بالظروف الإقليمية. لكننا مصممون على السير الى أمام وهناك الكثير مما علينا أن ننجزه في المستقبل. ونحن نعمل ضمن رؤية واضحة وعلى أساس برامج محددة للوصول إلى غايتنا الرئيسة، وهي البناء على الإنجاز وتحقيق أفضل ما يمكن تحقيقه لبلدنا وشعبنا. وأنا أثق بقدرات شعبي وبإرادته القوية.