قلب عمان ينبض بقصص شتى تغص بها الشوارع والازقة اسر تعيش على الهامش الفت الجوع وحياة التقشف لا يعلم سرها الا الخالق تعالى سنين مرت ولم يطرق بابهم احد ليسأل عن احوالهم يخفون مصابهم وحاجتهم ويصبرون على الجوع (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً ) يمتهنون بعض الاعمال التي تروي ماسي اصحابها هي بمثابة الشعرة التي تفصلهم عن سؤال الناس.
في شار ع الملك طلال امام المسجد الحسيني في تلك الساحة يجلس بكر راغب ابو مخلوف متكئا على الجدار الخارجي للمسجد اشعة الشمس الحارقة تطاردة من حين لاخر كلما استدار قرص الشمس وارتفع في كبد السماء حيث لايبقى سوى القليل القليل من الظلال التي بالكاد تكفي لاخفاء راسة من وخزات الحر فيما باقي الجسد يترك مسجى على الارض. امامة مضخة مع بعض المبيدات الحشرية يسترزق من خلال رش الحدائق والبيوت او بيع علبة مبيد لزبون لايترك لة من الربح سوى القليل بعد جدال وحوار طويل واستجداء ويتخللها حلف للايمان ان كان هامش الربح الذي يربحة لايساوي وقفته طوال اليوم تحت الشمس من اجل اقناع الزبون.
« انا من مواليد النكبه عام 1947 « 62 عاما مضت من العمرهكذا ابتدرنا « ابو مخلوف» واكد على انة من مواليد النكبة اكثر من مرة في اشارة منه الى ان حياتة ملئى بالنكبات جراء تردي الاحوال المعيشية وصعوبة تامين رغيف العيش «يضيف بيتي مستاجر ب 100 دينار واذا لم اعمل لا اكل» ... فكيس الخبز وبعض حبات الخضار التي يحملها نهاية اليوم مرتهنة بمن ياتي الية ويطلب منة ان يرش له شجرة او حديقة،.. مضى اسبوع ولم يأت زبون «يتابع مخلوف» ينظر الى السماء ويتاوه مستنجدا باللة على ما الت اليها حاله واسرته البالغة خمسة افراد ثم «يقسم على انة تمر علية ايام لاياكل الا الفتات».
ويقول : «فيما سبق كان العدس رفيق الدرب ايام الضنك والجوع ، غير انة الان لم يعد لحمة الفقراء بعد ان ارتفعت اسعارة وغادر مطابخ الفقراء الى منازل الاغنياء «. يجلس من الساعة السادسة وحتي غروب الشمس يوميا منذ اكثر من عشر سنوات حتى الفة المكان والناس لكن الظروف كما هية بل انها الان تراجعت الى الاسوأ «يقول ابو مخلوف» صمت لبرهة واستطرد قائلا : « ليس هناك فارق بيننا وبيت الاموات سوى النفس الذي نتنفسة « يضيف « انا لا ابصر الا بعين واحدة وهي ايضا ضعيفة» معدل عملة الشهري في احسن الاحوال لايتعدى ال100 دينار وفي المقابل يدفع اجرة شهرية للمنزل 100 دينار «وكانك يا بو زيد ما غزيت» يتسائل» ابو مخلوف» «احتاج الى خمسة كليو خبز يوميا لاطعام الاسرة التي تتضور جوعا والما» .
ثم يكتنفة صمت مطبق وكان لسان حالة يقول: « ما نفع الكلام والحديث عن الحال.. لم يعد في جعبتي اكثر من الحديث الذي سمعتة» ادار ظهرة واخذ يكور جسدة المتهالك في محاولة منة التفيء بما تبقى من فلول الظلال . امين عبد ادريس الذي كان بالجوار وينصت الى حديثنا لايختلف حالة عن حال بكر سوى انة مازال اعزبا رغم بلوغة ال34 من العمر «من اين الي المال لاكل فكيف بي ساتزوج..؟ يتساءل امين فانا اعمل عامل اتي مع بزوغ الفجر وحتى الغروب انتظر اي عمل واغلب الاحيان لاجد ما ادفع بة اجرة النقل» يعاني « ادريس» من مرض الفداق ولايبصر الا بعين واحدة ويعيل والدتة العاجزة والبالغة من العمر 65 عاما واسرة من عشرة افراد معدل عملة الشهري لايتعدى ال60 دينار يضيف «مر الان على اسبوع ولم « اطق طقة» - اي انة لم يعمل شيئا - «يتابع.. انا مش طالب شيء لا بدي اعيش بقصور ولا اركب السيارات بس بدي اجد رغيف الخبز دون عناء ولا اضطر لسؤال الناس.
« وفي الجهة المقابلة من المسجد الحسيني يتجاور كل من علي عبد الرحمن وجمال جميل صيام وصالح سليمان حيث اختار كل منهم بسطتة على جانب الرصيف في شارع « الملك طلال» الذي يعد من اقدم شوارع عمان لاتفصلهم عن بعضهم سوى بضعة امتار ولكل منهم مهنتة التي اختارها ليخوض من خلالها غمار الحياة بحثا عن لقمة العيش «صالح» جلب لنفسة طوبة ووضعهها في مكان اصبح بحكم العادة يخصة وليس لاحد ان يتعدى علية يبسط امامة بعض النثريات كالفاين والكريمات وطلاء الاحذية وبعض البسكويت ياتي كل صباح يحمل بضاعتة البسيطة بشنطة ويبقى الى ان يغلق السوق حينها يلملم بضاعتة ويحاول عبثا ان يحصي ما ابتيع منة ذلك اليوم حيث يكتفي بالنظر الى ما في جيبة ليدرك انة جمع شيئا يعينة على قضاء الحاجات البسيطة المطلوبة منة. «صالح» معاق حركيا ولايستطيع النطق تعامل معنا بالاشارة تارة والكتابة تارة اخرى ليروي قصتة و بالرغم من حالتة الصحية الا انة ابى ان يكون عالة على احد ويمد يدة فاختار لذاتة مهنة تناسب وضعة الصحي وامكاناتة المالية لتوفير راس المال.
يقول « انة يتيم الام وتحمل مسؤلية المصروف على شقيقية حيث يبيع مامعدلة ديناران في اليوم يعيش مع اسرتة ببيت مستاجر ويحمد اللة على انة لايسال الناس «صالح البالغ من العمر 29عاما يطارد الظلال اينما ولت في الصباح يقف امام المسجد الحسيني حيث تكون الظلال وارفة ومساء يعود الى مكانة الذي الفة يصارع الانتظار على امل ان يعود الى اهلة بشي.
و حال علي عبد الرحمان البالغ من العمر 54 عاما لا يختلف كثيرا عن الباقين سوى انة كان يتقاضى فيما سبق معونة من التنمية الاجتماعية قدرها 180 دينار وتقلصت الى ان اصبحت الان 60 دينارا لأنة كان يعمل ببيع السكاكين التي لاتسمن ولاتغني «بحسب قولة» ويقول عبد الرحمن الذي يعيل اسرة من سبعة افراد» انه بالكاد يحصل على دينار ونصف من خلال هذا العمل الذي لايتقن غيرة وخاصة انة يعاني من نوبات صرع تاتية على حين غرة « ويتابع «اعيش في بيت يعود لاحد الاقرباء تصدق علي بة الى حين تدبر اموري لكني اعجز الان عن تامين ثمن العلاج الذي اتناوله جراء اصابتي بالصرع ويتساءل عبد الرحمن مستهجننا «لماذا قطعت عني المعونة وهل يعتبرون عملي هذا مصدر دخل...؟ .
ويضيف «لو اني كنت اعرف ان عملي هذا سيكون سببا لتقليص المعونة لاخترت البقاء في البيت عوضا عن الكد والتعب بانتظار ان احصل على مبلغ لا يساوي وقفتي في الشمس طوال اليوم « ويضرب جميل الصيام 40 عاما مثلا يحتذى بة في المثابرة والصبر على البلاء والتغلب على المصاب فهو بالرغم من انة ضرير وسمعة ضعيف لكن هذا الامر كان دافعا له لمواجهة الواقع والتعايش معه رغم المواقف الصعبة التي واجهتة فيما سبق ويقول « انني تقدمت للثانوية العامة اربع مرات و لم يحالفني النجاح لكني مصمم على مواصلة اكمال تعليمي بحيث اكون عنصرا عاملا في هذا الوطن لا عالة علية» ويضيف لقد مررت بظروف صعبة في الماضي سواء من ناحية تقبل المجتمع لرجل ضرير فاعل بينهم او الحصول على اي عمل يؤمن لي مصدر رزق ويكفيني سؤال الناس» .
ويتابع « بالرغم من الظروف الصعبة لكني لم أيأس فأخترت العمل من خلال بيع البسكويت والعلكة لتامين لقمة العيش حتى لو كانت بتقشف «ويتابع انا اتحصل ما معدلة 50 دينار شهريا من خلال عملي هذا واحاول ان اتكيف مع هذا الواقع بانتظار الفرج فهذا خير لي من الانكفاء في البيت او سؤال الناس، على الاقل لست عالة على احد ولا احاول ان امتهن التسول كما يفعل الكثيرون ممن هم اكثر قدرة على العمل مني ومن غيري.