في الوقت الذي تلجأ فيه أمهات إلى عمليات إجهاض خوفا من مستقبل مظلم ينتظر أطفالا قد يصابون بتشوه أو مرض، يؤكد الشرع أنه لا يجوز إسقاط الجنين بناء على "الظن النسبي" مع أنه يبيح في الوقت نفسه عمليات الإجهاض قبل بلوغ الجنين 40 يوماً إذا ما أثبتت الفحوص بأنه مصاب بتشوه أو مرض.
في حين يدعو أطباء ومختصون إلى فتح باب الاجتهاد لإصدار فتوى بهذا الشأن، مطالبين مجلس الإفتاء بدراسة القضية بشكل معمق وبعناية أكبر، وخصوصاً الأبعاد النفسية والمعنوية السلبية على المرضى وأهاليهم.
وفيما يبلغ أعداد الأشخاص المعوقين في الأردن نحو 180 ألفا بنسبة تتراوح ما بين 4 و6% من تعداد سكان المملكة، وفق إحصائيات رسمية، إلا أن الخطوات الاحترازية للحد من تزايد أعداد الأطفال المعوقين سواء قبل أو بعد الزواج "ما تزال محاطة بالعديد من التحفظات الدينية والاجتماعية".
الثلاثينية مرام، وهو اسم مستعار، بدت حائرة وغير قادرة على تحديد موقفها أو رأيها من عمليات إجهاض الأم جنينا مشوها، وهي التي أجهضت جنينها بشكل سري قبل خمسة أعوام، بعد أن وجدت طبيبا وافق على إجراء عملية إجهاض لها.
وتقول مرام، الأم لطفلين، إن خمسة أعوام مضت لم تنسها تلك العملية التي تركت في نفسها آثاراً "سلبية" أهمها شعور "بأنها قتلت جنينا، ولم تمنحه فرصة الحياة حتى لو كان مشوها"، ناهيك عن "ارتكابي إثما شرعيا وجريمة يعاقب عليها القانون".
كما تؤكد أنها وقبل إجراء العملية لم تفكر كثيرا، وبمجرد أن علمت بأن جنينها ذا الخمسة أشهر سيولد "مشوهاً"، شعرت بأن مستقبلا مظلما ينتظر جنينها، حيث عرضت على زوجها فكرة إسقاطه، حيث وافقها على ذلك، رغم تأكيد طبيبها بأن العملية "محرمة شرعا ومخالفة للقانون".
لم تنتظر مرام وزوجها كثيرا، فكان الحل عن طريق صديق للزوج تبنى إيجاد طبيب يقبل وبشكل سري إجراء عملية إجهاض لمرام مقابل ألف دينار.
مرام اليوم ورغم شعورها بالذنب، إلا أنها تدافع عن ما قامت به، موضحة أنها لو لم تفعل ذلك لكانت ستتعرض لـ"الوجع" كل دقيقة وخصوصاً عندما ترى طفلها يتألم ولا تستطيع فعل شيء له، إلى جانب أنها ستعاني يوميا من فقدانه بحال وفاته نتيجة التشوه، حيث أكد لها الطبيب وقتها أنه "قد يموت بأي لحظة، وقد يعيش طويلاً".
فكرة الارتباط عاطفيا بطفلها الوليد ومن ثم فقدانه أكثر ما تركز عليه مرام، إذ تقول إنه السبب الرئيس وراء قرارها بإجراء عملية إجهاض، لكنها لا تنفي أنها "غير مهيأة معنوياً ونفسياً للاعتناء بطفل مشوه، فأعصابها لا تحتمل ذلك".
مرام تعكس مثالاً للعديد من الحالات التي تقع ضحية صعوبة اتخاذ قرار الإجهاض، في حال بينت الفحوصات أن الجنين مشوه أو مريض، خصوصاً أن أغلب الحوامل عادة ما يخضعن لتلك الفحوص بعد انتهاء المدة التي يجيز فيها الشرع الإجهاض، وهي 40 يوماً من بدء الحمل، بحسب أستاذ الشريعة حمدي مراد.
مراد يؤكد أن تقدم الطب فتح المجال لاستكشاف الأمراض والإعاقات في الأسابيع الأولى من الحمل، كما انه من الممكن التنبؤ بأن الطفل معاق حتى قبل حدوث الحمل من خلال دراسة اللوحات الجينية للأبوين "فيتم أخذ الاحتياطات حتى قبل الحمل".
كما يؤكد أنه إذا ثبتت الإعاقة قبل انتهاء مدة الأربعين يوما، أي قبل نفخ الروح في الجنين، "يجوز الإسقاط لهذه الضرورة".
لكن بعد الأربعين يوما يؤكد مراد "يوجد تحفظ شرعي واضح على عمليات الإجهاض لأنه لم يثبت طبيا أن هذه الإعاقات تبقى كما هي منذ التشخيص الأول، فإما أن تتطور للأسوأ أو للأحسن".
ويضيف "أن أطباء أكدوا له أن التشخيص الأولي لحالة الجنين قد تبين إصابته بتشوه خلقي، إلا أنه مع تقدم الحمل قد يزول هذا التشوه أو قد يزيد".
وبذلك يرى مراد أنه أمام هذه الاحتمالات الطبية غير الثابتة وغير القطعية "لا يجوز إسقاط الجنين بناء على الظن النسبي".
ويرد مراد على من يقول إنه قد تبقى التشوهات ولا تذهب مع تقدم الحمل وقد يموت الجنين بعد ولادته بساعات أو أيام، "ما دام هذا احتمالا وليس قطعيا ننتظر، لعل الأمر يتغير، فإن لم يتغير فأمر الله نافذ".
كما يشدد على أهمية أن يتنبه الأهالي لضرورة إجراء الفحوصات بمجرد حدوث الحمل أو قبل ذلك، داعياً الأطباء إلى نصح الأهالي وتوعيتهم بأهمية تلك الفحوصات، وبذلك يتجنبون الجرم الشرعي والقانوني في حال تبينت الإعاقة في الشهور المتقدمة من الحمل.
كما يؤكد اختصاصي علم الشريعة الدكتور هايل عبدالحفيظ أن الشرع "يحرم إجهاض الحامل للجنين حتى لو تبين بأنه معاق، فهو له كامل الحق في الحياة التي وهبها الله له".
ويذهب إلى أن القانون الأردني "يجرم هذا الفعل"، وان الحالة الوحيدة التي يسمح فيها بالإجهاض هي أن تكون حياة الأم معرضة لـ"الخطر".
بيد أن الدكتور علي الحلبي، أحد شيوخ الدعوة السلفية، يقول "إن هناك استثناءات في هذا الأمر، ففي حال أفتى الطبيب المتمرس بجواز أمر الإجهاض فإن الشرع يوافق على ذلك، ولكن يتوقف على هذا الأمر استشارة اكثر من طبيب"، مستدركا أن الأصل في الأمر هو أن "لا يتم الإجهاض إلا في حال كان هناك خطر على حياة الأم".
ويؤكد أيضاً مدير الاختصاصات الطبية بوزارة الصحة الدكتور أحمد قطيطات أنه لا يجوز إجهاض الحامل للجنين المعاق، إلا في حال تبين أنه لن يعيش فور ولادته، شريطة إحضار ثلاثة تقارير طبية من اختصاصيين معتمدين يثبتون صحة ذلك، ليتم إجراء الإجهاض بشكل قانوني.
ويوضح أنه في حال أجرى طبيب عملية إجهاض غير قانونية، فإنه يتم إحالته إلى لجنة تأديب عليا وقد تسحب رخصة مزاولة المهنة منه أو إحالته إلى المدعي العام.
ومع تزايد الأعباء الاقتصادية التي تقع على كاهل الأفراد في المجتمع، فإن معرفة الأم بوجود جنين معاق في أحشائها يجعل الأمر أكثر صعوبة، وذلك بسبب التكلفة المادية المرتفعة التي تحول بين المرأة الحامل وبين إجراء الفحص الذي يظهر فيه نوعية الإعاقة التي يحملها الجنين.
وتؤكد ذلك أم أحمد، موضحة "لم أكن أعلم بأن الفحوصات التي تؤكد سلامة الجنين بدرجة عالية من الأهمية، إلا بعد أن رزقت بطفلي أحمد الذي يعاني من إعاقة عقلية".
وتعزو أم أحمد سبب عدم إجرائها تلك الفحوصات إلى "ارتفاع كلفتها المادية التي تفوق قدراتها هي وزوجها"، معربة عن ندمها على "عدم إجرائها لتلك الفحوصات".
وبصوت يغلفه الألم، تقول "أشعر بالحزن الكبير على ابني الذي كنت أتمنى أن يكون سليما ومعافى كباقي الأطفال، ويتملكني شعور كبير بالذنب كلما نظرت إليه"، مبينة أنها وزوجها يدفعان مبالغ طائلة لعلاج ابنهما المعوق.
يذكر أنه تبلغ قيمة فحص "سلامة الجنين الرباعي" 50 ديناراً، بحسب فنية مختبر طبي مضيفة أن هناك فحوصات أخرى يمكن إجراؤها للتأكد من سلامة الجنين "تتجاوز قيمتها 100 دينار".
ويؤكد اختصاصي الأمراض النسائية والتوليد الدكتور عصام الساكت أن الإقبال على مثل هذه الفحوصات "محصور بفئة معينة من المجتمع وهي الفئة المقتدرة"، خصوصاً وأن نسبة الفقر في المملكة تبلغ 13%.
ويضيف "هذا الأمر فيه ظلم للمواطن، فمهما ارتفع سعر الجهاز الذي يتم من خلاله فحص سلامة الجنين الرباعي، فإنه لن يصل إلى حد أن يدفع المواطن خمسين دينارا للفحص الواحد".
ويشدد الساكت على ضرورة أن يتم إجراء فحص التأكد من سلامة الجنين لكل سيدة حامل حتى تستطيع استباق الأحداث والتعرف على حالة جنينها الصحية، خصوصاً أولئك اللواتي لديهن تاريخ مرضي في العائلة أو المتقدمات في العمر.
وينصح أن تستعين المرأة بفيتامينات ومواد أساسية من شأنها أن تبعد التشوه عن الجنين، والابتعاد عن الأكل الذي يتوفر فيه كميات من الزئبق، فضلا عن تجنب التدخين لما له من أضرار على صحة الجنين.
وفي ظل تجريم وتحريم الشرع والقانون لعمليات الإجهاض حتى في الحالات التي يكون فيها الجنين مشوها أو مريضا، لم يرغب أطباء بالحديث عن هذه القضية.
فمن أصل سبعة أطباء نسائية وتوليد، اتصلت بهم "الغد"، رفض ستة منهم الحديث في هذا الموضوع، لكنهم أكدوا أنهم "لا يقبلون بإجراء مثل هذه العمليات، كما لا علم لديهم بوجود أطباء يجرون عمليات إجهاض".
طبيبة واحدة فقط من بين هؤلاء الأطباء السبعة وافقت على الحديث بهذا الموضوع
لا أنها رفضت الكشف عن أسمها "درءا للشبهات" كما تقول.
وتؤكد هذه الطبيبة، التي تمارس عملها منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، أنها واجهت الكثير من الحالات لحوامل بأجنة مشوهة أو مريضة، وأنها تخبر الحامل وزوجها بذلك وتشرح لهم طبيعة التشوه أو المرض.
وتقول "إن أغلب العائلات تعلم أن الإجهاض حرام"، خصوصاً انه عادة ما يتبين وجود علامات المرض أو التشوه في نهاية الشهر الرابع من الحمل وذلك عند إجراء الحامل "الفحص الرباعي الأبعاد" الذي يبين وجود تشوهات أو أمراض لدى الجنين، مشيرة إلى أن بعض العائلات "يطلبون منها إجراء عملية إجهاض، إلا أنني أرفض".
وتضيف "إن البعض أخبرها أن حوامل يجرين عمليات إجهاض عند أطباء بعد تأكدهن أن الجنين مريض مقابل مبلغ من المال، في حين تلجأ أخريات لإجرائها خارج الأردن في بلدان تسمح بإجهاض الأجنة المشوهة".
وترى الطبيبة أن التعامل مع طفل لديه تشوه أو مرض "أمر يسبب انهاكا معنويا وماديا لعائلته، التي ستعاني في أغلب الحالات من عزل اجتماعي للعائلة"، شارحة أن الطفل المريض "يحد" من علاقات أهله الاجتماعية.
كما ترى أنه من "الضروري جدا" أن يُفتح باب الاجتهاد في هذا الموضوع على أن يُنظر بشكل دقيق ومعمق وإنساني لحالات العائلات التي لديها طفل مريض أو مشوه.
وتعتبر الطبيبة "أن قرار الإجهاض يجب أن يكون شخصيا بمعنى أنه بحال رغبت العائلة الاحتفاظ بالجنين المريض فلها ذلك، في حين يجب احترام رغبة العائلة التي تقرر إجهاض الجنين وعدم تحميلها مسؤولية دينية أو قانونية".
ويعرف قانون الصحة العامة الإجهاض بشكل عام بأنه "إنهاء الحمل بطريقة تلقائية أو مبتعثة قبل أن يكون الجنين قابلا للحياة مستقلا عن أمه".
فيما يعرفه قانون العقوبات بأنه "القيام بأفعال تؤدي إلى إنهاء حالة الحمل لدى المرأة قبل الوضع الطبيعي إذا تمت تلك الأفعال بقصد إحداث هذه النتيجة".
ويبين الدكتور هاني جهشان، من مركز الطب الشرعي، أن التشريعات القانونية توضع لحماية موضوع معين ففي جريمة الإجهاض يكون الهدف حماية حياة الجنين.
ويقول إن المادة 321 من القانون الأردني تنص على "كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل أو رضيت بأن يستعمل لها غيرها هذه الوسائل، تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات".
كما تنص المادة التي تليها على "من أقدم بأية وسيلة كانت على إجهاض امرأة برضاها، عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وإذا أفضى الإجهاض أو الوسائل التي استعملت في سبيله إلى موت المرأة عوقب الفاعل
بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس سنوات".
في حين تنص المادة 323 على "من تسبب عن قصد بإجهاض امرأة من دون رضاها عوقب بالأشغال الشاقة مدة لا تزيد على عشر سنوات، ولا تنقص العقوبة عن عشر سنوات إذا أفضى الإجهاض أو الوسائل المستعملة إلى موت المرأة".
كما تبين المادة 325 أنه في حال كان مرتكب جريمة المساعدة على الإجهاض طبيبا أو جراحا أو صيدليا أو قابلة، يزيد على العقوبة المعينة مقدار ثلثها.
أما قانون الصحة العامة فتنص المادة 12 منه على "يحظر على أي طبيب وصف أي شيء بقصد إجهاض امرأة حامل أو إجراء عملية إجهاض لها، إلا إذا كانت عملية الإجهاض ضرورية لحمايتها من خطر يهدد صحتها أو يعرضها للموت، وعلى أن يتم ذلك في مستشفى شريطة موافقة خطية مسبقة من الحامل بإجراء العملية وفي حالة عدم مقدرتها على الكتابة أو عجزها عن النطق تؤخذ هذه الموافقة من زوجها أو ولي أمرها، كما يتم أخذ شهادة من طبيبين مرخصين ومن ذوي الاختصاص والخبرة تؤكد وجوب إجراء العملية للمحافظة على حياة الحامل أو صحتها".
ويرى جهشان أن الأسباب الأخلاقية مثل الحمل الناتج عن الاغتصاب أو هتك العرض أو الزنا، أو الأسباب الاقتصادية كالفقر، أو إجراء الإجهاض بسبب تشخيص أو التخوف من إصابة الجنين بتشوهات خلقية "لا يشكل سبباً قانونيا للإجهاض، كما لا تعد سبباً لإجراء الإجهاض العلاجي".
من جهته، يدعو أمين سر نقابة الأطباء رئيس قسم التلاسيميا في مستشفى البشير باسم الكسواني مجلس الإفتاء إلى دراسة قضية إجهاض الحامل للجنين المشوه أو المريض بشكل معمق وبعناية أكبر، مبينا أن الرأي المفصلي يكون لعلماء الشرع وليس للأطباء.
بيد أنه يرى أنه من الضروري أن يقف مجلس الإفتاء عند حالات المرضى ويدرس الأبعاد النفسية والمعنوية السلبية عليهم وعلى أهاليهم وانطلاقا من ذلك يفتحون باب الاجتهاد لإصدار فتوى بهذا الشأن.
كما يرى أنه من الضروري تشكيل هيئة عربية إسلامية من علماء الشريعة "المتنورين" لدراسة الأمر، مضيفاً "الدين يسر وليس عسرا".
ورغم أن مرض التلاسيميا لا يعد من الأمراض التي تدخل في سياق الإعاقات أو التشوهات، إلا أن الكسواني يؤكد أن عائلات تراجعه "تريد إجهاض المرأة لجنين مصاب بالتلاسيميا".
ورغم تأكيده على عدم وجود فتوى شرعية "تجيز" الإجهاض، إلا أن ذلك لا يمنع أهالٍ من السؤال عن المكان الذي من الممكن فيه إجراء عميلة الإجهاض حتى لو بشكل غير شرعي وقانوني.
وقال الكسواني "بعض العائلات تلجأ لإجراء العملية خارج الأردن".
ويوضح أن مرض التلاسيميا عبارة عن مرض جيني وراثي ناتج عن خلل في تركيب خضاب الدم يؤدي إلى تقصير عمر الكريات الحمراء لشهر واحد فقط، في حين تعيش أربعة أشهر لدى الإنسان الطبيعي.
بالتالي يحتاج المريض لنقل دم بمعدل مرة كل شهر، بالإضافة إلى أخذ علاج طارد للحديد الذي يتراكم في الأنسجة بشكل كبير نتيجة نقل الدم ما يسبب "في حال عدم أخذ الدواء" إلى مضاعفات خطيرة كالإصابة بأمراض في القلب، والبنكرياس، والرئتين، والكلى، وفق الكسواني.
ولفت الكسواني إلى أن عدد مرضى التلاسيميا في الأردن يبلغ 1200 مريض يحتاجون سنوياً 25 ألف وحدة دم، فضلا عن أن تكلفة الفحوصات التي تجرى على وحدة الدم الواحدة تبلغ 50 دينارا.
ويبين الكسواني أن المريض الواحد يكلف خزينة الدولة ما بين 3 و8 آلاف سنويا، لافتا إلى أن 150 ألفا من الأردنيين يحملون الجين الوراثي للتلاسيميا، أي ما نسبته 4% من الأردنيين.
وأشار إلى التجربة القبرصية التي استطاعت ضمان عدم ولادة أطفال جُدد مصابين بالتلاسيميا عن طريق "إباحة الإجهاض المبكر للجنين، بعد أن وصلت النسبة لديهم إلى 17%".
وأكد الكسواني أن المختبرات الأردنية "قادرة على التشخيص المبكر لمرض التلاسيميا، ما يمّكن من تشخيصه في الأسابيع الأولى من الحمل".
كما يؤكد اختصاصي الأمراض النسائية والتوليد الدكتور جميل شعبان أن معرفة فصيلة الدم وإجراء فحص التلاسيميا ومعرفة الأمراض الوراثية في العائلة من الأمور التي يجب معرفتها.
ولم تكن تعلم الأربعينية منى سعيد أن صلة القرابة بينها وبين زوجها ستهدد حياة طفليها، موضحة "لقد قمت بإجراء الفحص منذ بداية أشهر الحمل نظرا لصلة القرابة التي تربطني بزوجي".
وتضيف "تبين بعد إجراء الفحص، بأنني أحمل بجنين معاق، وصممت على إجهاضه، إلا أن الدين والقانون حالا دون تحقيق ذلك".
وتتابع "رزقت بطفلين معاقين، وهما يشكلان عبئاً كبيراً علي وعلى زوجي، ويحتاجان لرعاية متواصلة"، مبينة أن إمكاناتهم المادية لا تسمح بوضعهم في دور الرعاية الخاصة.
وحال سهام لا يختلف كثيراً عن حال منى التي تبين لها من خلال الفحص أن جنينها يعاني من فتحة في الظهر، إلا أن زوجها رفض تماماً أن تقوم بإجهاضه لأنه حرام دينياً، غير أن الطفل توفي فور ولادته.
وفي ذلك، يقول شعبان بأن هناك حالات عديدة من الأطفال المعوقين الذين يعيشون أعمارهم الطبيعية ويتمتعون بدرجة عالية من الذكاء، وهناك كذلك إعاقات غير قابلة للحياة مثلما يحصل مع الأطفال الذين يعانون من فتحة في الظهر أو انسداد في الأمعاء أو في البلعوم ويموتون فور ولادتهم، وبهذه الحالة فقط يكون "جائز شرعاً وقانوناً أن يتم إجهاض الجنين".
بالمقابل، تؤكد أروى، أم لطفل منغولي عمره الآن سبعة أعوام، أنها لم تفكر لحظة واحدة بإجهاض المرأة لجنينها عندما أخبرتها الطبيبة أنه يعاني من متلازمة البلاهة المنغولية، حيث كانت في أواخر الشهر الرابع من الحمل.
أروى، التي تعاني حاليا من هواجس فقدان طفلها حيث أخبرها الأطباء بأنه قد يموت قبل وصوله سن الخامسة عشرة، تقول إن الاهتمام بطفل يعاني من هذا المرض ليس أمراً سهلا خصوصاً بوجود أشقاء له، فضلاً عن نظرة المجتمع لطفلها.
وتضيف إن الاعتناء بطفل يعاني مرض البلاهة المنغولية "يكلف مصاريف كثيرة جداً"، متسائلة عن أوضاع العائلات الفقيرة التي لديها طفل يعاني من هذا المرض؟ وكيف تحل مشكلة توفير رعاية خاصة لأطفالهم؟ وما هو دور الحكومة ومنظمات المجتمع بتقديم المساعدة المعنوية والمادية لتلك العائلات؟
وتقول إنه لو رجع بها الزمن إلى الوراء لكانت ستتخذ نفس القرار وستحتفظ بالجنين الذي "هو نعمة من رب العالمين، والعناية به فتحت لي آفاقا جديدة من التفكير وقربتني من الله أكثر". الغد