لم يجد رجل الأمن السابق أسامة عبد السلام أسهل من الاعلام ليمتطيه من أجل الوصول الى أهدافه وتحقيق مطالبه من خلال جذب الانظار الى معاناته من خلال تهديده بمحاولة الانتحار.
ففي سابقة غير معهودة لدى محاولي الانتحار, طلب الشاب من الصحافيين الحصول على ارقام هواتف ممثلي وسائل الاعلام وتبرع باعطاء رقم هاتفه للاتصال معه خلال عملية محاولة الانتحار. كما طلب ابلاغ الامن العام بانه سيقوم بمحاولة الانتحار وليس الانتحار.
مداعبة الموت أمام الكاميرات تحمل الكثير من الاثارة كما تجلب الكثير من العطف والشفقة في طريق تحقيق الاهداف التي يعجز البعض عن تحقيقها في مواجهة الحياة مباشرة عندما يفشل الانسان ويحول فشله الى هزيمة.
لقد حضر أسامة في حوالي الساعة السادسة والنصف الى مبنى صحيفة العرب اليوم بكامل أناقته, ووفق التوقعات فإنه ذهب كذلك إلى وسائل اعلام أخرى طالبا منها رقم هاتف مراسليها من أجل دعوتهم لمشاهدة محاولة انتحاره.
وبرر الشاب تصرفه هذا بانه كان قد طرق ابواب المسؤولين لكن لم يقم أحد منها بحلها وأنه سيحاول الانتحار من أجل جلب انظار جهات عليا الى معاناته.
يقول مدير المركز الوطني للامراض النفسية الدكتور محمد عصفور ان الذين يحاولون الانتحار اعلاميا هم ليسوا مرضى نفسيين ولكنهم اشخاص يخططون للحصول على مبتغاهم.
ويبدو أن المواطنين الراغبين بلعب دور المنتحر اكثر وعيا باهمية الاعلام فاصبح التنسيق مع وسائل الاعلام أمرا مهما, وكأنه مؤتمر صحافي تتم فيه دعوة ممثلي وسائل الاعلام من أجل تغطية الحدث, ما يتطلب من الاجهزة الامنية دورا لاحقا لالقاء القبض على الذين يحاولون الانتحار بالافصاح عن الاجراءات التي قامت بها تجاههم من اجل عدم تشجيع الاخرين للقيام بذات الامر على اعتقاد ان ما قام به المحاولون للانتحار قد اتى أكله.
ابتزاز للمجتمع
ووفق د. عصفور فإن الطب النفسي يعتبر هذه المحاولات ابتزاز للمجتمع, مشيرا الى ان محاولات الانتحار الحقيقية عادة تكون مرتبطة بضغوطات الحياة كالفقر او البطالة والمشاكل الاسرية في ظل وجود مرض نفسي يودي بالشخص الى الانتحار, مشيرا انه لا يستطيع ان يصنف اية حالة بشكل دقيق الا بعد ان يتم فحصها بشكل حقيقي.
وعندما وصل اسامة الى العرب اليوم وعندما حاول الصحافيين السؤال عن همومه قال: إنه لا يريد سوى اخبار الصحيفة أنه الان يبحث عن مبنى مرتفع ليحاول الانتحار من خلاله.
ولخص اسامة معاناته بانه لا يملك أية وثائق شخصية رسمية وأن جميعها محتجزة لدى جهات عمله السابق وهي رخصة القيادة وهوية اضافة الى دفتر خدمة العلم, مشيرا ان الافراج عنها مرتبط بدفعه غرامة قيمتها الف دينار.
وأضاف ان الديون تراكمت عليه حتى وصلت الى حوالي 10 الاف دينار وأن زوجته حامل في شهرها الاخير الامر الذي يجعله يلجأ الى اي حل من اجل الحصول على المبالغ المتراكمة عليه.
لقد نجح اسامة في جلب الانظار واحتلت صوره قصته حيزا كبيرا في الاعلام لكن القضية هل الاعلام اصبح دافعا اكبر للحصول على النجومية وتحقيق المطالب ليعطي صورة مختلفة عن الذات.
ووفق مدير المركز الوطني للامراض النفسية فان المركز استقبل قبل فترة إحدى أشهر محاولات الانتحار الاعلامية لفتاة وبعد فترة من المراقبة ظهر بان تلك الحالة سليمة وليست مريضة نفسيا, لكن محاولتها الانتحار وفرت لها جميع مطالبها الامر الذي يشجع البعض على سلوك الطريق ذاته.
الاعلام مضطر الى تغطية تلك المحاولات
من جانبها, قالت الاعلامية يسر حسان إن الاعلام مضطر الى تغطية تلك المحاولات كونها تحمل الاثارة التي يبحث عنها المشاهد في الوقت الذي لم تنف فيه محاولات محاولي الانتحار استغلال الاعلام.
وأضافت, ليس الاعلام من يشجع تكرار تلك المحاولات للانتحار بل الجهات التي تحاول تحقيق المطالب الفردية لمن يحاولون الانتحار أمام الاعلام ولا يلتفتون الى المشكلة بشكلها العام والتي تغطي فئة أكبر من أصحاب الاحتياجات المشابهة.
وقالت: لا نستطيع تبرئة الاعلام بشكل تام فهناك بعض الوسائل التي تحاول صنع الخبر وتلاحق هولاء الاشخاص رغم معرفتها بعدم جدية الموضوع.
يذكر ان الاردن يشهد نحو 400 محاولة انتحار سنويا بلغت ذروتها في العام 2007 الذي شهد نحو 700 حالة وينجح منها فعلا نحو 35 - 40 محاولة وغالبية المحاولات تتم في صفوف الشباب.
وشهد العام 2009 عدة محاولات استرعت انتباه وسائل الاعلام والاشهر كانت للشابة جيهان التي حاولت القاء نفسها من أعلى بناية على دوار الداخلية وكانت ذات البناية شهدت في العام 2007 محاولة ناجحة لفتاة القت بنفسها من اعلاها وتوالت المحاولات بذات البناية التي سميت في أعقاب عدة محاولات بناية الانتحار وحصلت على كل مطالبها.
وشهدت مدينة إربد هذا العام كذلك عدة محاولات أبرزها لشاب تسلق أعلى برج للاتصالات وفتاة صعدت لاعلى خزان مائي, وفي الطفيلة حاول شاب الانتحار من اعلى بناية في مصنع الرشادية للاسمنت, وفي الرمثا حاول شاب الانتحار بالقاء نفسه من أعلى بناية بنك الاسكان هناك.
العرب اليوم