يصيح المخرج "مشهد 33 من فيلم السكرتيرة والمدير، 4،3،2 آكشن ...". تدخل الممثلة (س)، التي تجسد دور السكرتيرة إلى مكتب مدير الشركة، حاملة ملف البريد والوارد، بعد أن تأكدت من خلال مرآتها الصغيرة أن ماكياجها متقن.
تتودد (س) إلى مديرها، الذي يغازلها ويمتدح هيئتها، ويقول في سرّه إنه محق في إصراره على إبقائها في الشركة، رغم انقباض قلب زوجته منها!
هذا المشهد يتكرر في أفلام عربية بتنويعات متعددة واختلافات بسيطة في الشكل والحبكة، وهو مشهد "يرسم صورة مشوهة إلى حد كبير عن طبيعة مهنة السكرتيرة في المجتمع العربي" بحسب أستاذ علم الاجتماع في جامعة اليرموك الدكتور منير كرادشة.
ويؤكد ذلك صاحب إحدى شركات الملابس في عمان الذي يرى أن "هذه الصفات السلبية الظالمة التي تلصق بالسكرتيرة أمر لا يستحق الوقوف عنده"، معربا عن أسفه من "علامات الاستفهام والاستنكار لدى بعض الشرائح الاجتماعية التي تطاول أغلب المهن التي تعمل بها المرأة، وليس فقط وظيفة السكرتيرة".
وتزدحم الصحف ووسائل الإعلام بإعلانات تطلب "سكرتيرة شابة، حسنة المظهر، قادرة على التحدث بلباقة مع العملاء، ولا يشترط وجود خبرات"، وهو أمر حرم السكرتيرة نهى سعادة من التمتع بحياة طبيعية، كما قالت لـ"الغد"، موضحة بأنها تحظى، داخل أسوار مؤسستها، بنظرات احترام وتقدير وتفهم، "لكنني وفور تعرفي على شخص معين يعرف مهنتي، فإن ملامح وجهه تتغير فجأة"!.
ويعود ارتباط مهنة السكرتيرة بنظرة اجتماعية "منفرة" أحيانا، إلى أن بعض السكرتيرات "يتطفلن على هذه الوظيفة المهمة والضرورية"، وفق أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي الذي يلفت إلى أن"التبرج المبالغ فيه، إضافة إلى ممارسات أخرى، ساهمت في تشويه صورة السكرتيرة في المجتمع، أو على الأقل لدى شرائح اجتماعية معينة، وذات طبيعة محافظة".
"السكرتيرة هي واجهة الشركة"، هكذا يقول صاحب شركة في عمّان فـ"المظهر الحسن أمر لا بدّ منه، تماما كما اللباقة، لتكون السكرتيرة قادرة على عكس وجه مشرق للشركة لا ينفر الزبائن".
ويعد حصول المرأة على وظيفة سكرتيرة في المؤسسات الأوروبية أو الأميركية، وحتى في المؤسسات المهمة والراقية في البلاد العربية "ترقية ومكافأة للموظفة على جهودها"، بحسب رأي السكرتيرة دانا حجازي التي تعمل منذ سنتين في إحدى المؤسسات الخاصة في عمان.
وتعزو حجازي "التشكيك" في طبيعة مهنة السكرتارية إلى "الإعلانات الوظيفية التي تتفنن في وضع شروط تقديم طلب العمل".