يشكو القطاع العام تضخم عدد العاملين فيه، بحسب خبراء، اكدوا ان الجهاز الحكومي الضخم لا يتناسب مع الموارد المحدودة للمملكة، وهو الامر الذي يثقل كاهل خزينة الدولة ويرهق الموازنة.
ويدعوا هؤلاء القطاع العام الى التخلي عن دوره التقليدي كموظف اساسي للباحثين عن عمل من خلال وضع معايير جديدة للتوظيف واعادة هيكلة الرواتب واصلاح القطاع، وحفز القطاع الخاص من اجل توليد مزيد من فرص العمل عبر تعديل التشريعات اللازمة وتحسين مخرجات النظام التعليمي.
ويعزوا الخبراء تدني جودة خدمات ومخرجات الدوائر الحكومية في كثير من الاحيان الى ان نسبة لا يستهان بها من موظفي الجهاز الحكومي هم من ذوي المهارات المتدنية ممن يبحثون عن وظيفة روتينية تمتاز بالأمان الوظيفي وعدد ساعات العمل المحدودة.
يذكر ان الحكومة كانت طالبت في بلاغ الموازنة للعام 2010 بوقف التعيينات خارج جدول التشكيلات العام المقبل باستثناء التعيينات في وزارتي التربية والتعليم والصحة، وذلك بهدف توفير حوالي خمسة ملايين دينار للخزينة العامة.
وزير التخطيط الاسبق تيسير الصمادي يعتبر ان القطاع العام يجذب بشكل رئيسي من لا يملكون مهارات كبيرة ولا مؤهلات مميزة والباحثين عن الوظيفة المريحة، كما يعاني من ضياع الكفاءات بسبب استقطابها من قبل القطاع الخاص المحلي والعربي على حد سواء.
ويلفت الى ان القطاع العام يشكو من البطالة المقنعة والتضخم، في ظل نظام خدمة مدنية طارد للكفاءات، وهو ما لجأت الحكومات المختلفة الى التحايل عليه بتوقيع العقود الذي يتيح لها مرونة في تحديد المنصب والراتب لصاحب العقد.
ويضيف انه رغم التضخم الذي يعاني منه الجهاز الحكومي الا انه من غير الممكن تعميم الامر ، فهناك وزارات بحاجة الى تعيين "مهارات".
ويؤكد الصمادي ان من المهم لتجاوز المشكلة ضرورة العمل على محورين اولهما اعداد الخطط التدريبية القائمة على تحديد احتياجات الدولة المختلفة والاهداف المطلوبة من الوظائف المختلفة، والثاني تمكين القطاع الخاص من النمو بشكل صحيح ولعب دور اكبر في مجال التوظيف واجتذاب المهارات والايدي العاملة.
غير انه يقر بأن المشكلة ستظل قائمة طالما استمرت مخرجات التعليم العالي والتدريب المهني والتقني على حالها، داعيا الى تحسين مستويات الخريجيين بما يحقق الكفاءة في العمل لاحقا، مشددا على ضرورة تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وفيما يخص التشريعات، يقول الصمادي "التشريعات جيدة نوعا ما انما هناك مجال لتحسينها"، خصوصا التشريعات الضريبية، لافتا الى ضرورة عدم تعديل أي تشريع دون دراسته بشكل معمق بما يحدد الاثار المستقبلية للتعديل.
ويدعو الى ما اسماه "استقرار التشريعات" وعدم جعل التغيير في القوانين نهجا دائما لما يسببه من حالة عدم التيقن لدى المستثمرين، و"التمعن قبل اصدار القوانين الجديدة".
وزير تطوير القطاع العام الاسبق ماهر المدادحة يقول إن "الاصل اعادة النظر في القطاع العام من حيث حجمه وعدد مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي"، داعيا الى اختصار عدد المؤسسات الحكومية من خلال دمج الدوائر المتشابهة للحفاظ على كفاءة القطاع العام".
ويشير الى ان حجم القوة العاملة في الجهاز الحكومي والتي تتجاوز 200 الف عامل تشكل عبئا كبيرا على موازنة الدولة وضغطا على الخزينة، لافتا الى استراتيجية لتطوير القطاع العام تم وضعها قبل عامين، ولم يتم الاخذ بها.
ويقول "هناك حالة توظيف غير مدروسة في ظل موارد دولة محدودة".
وتشير الأرقام إلى أن عدد العاملين في القطاع العام بلغ 275 ألف عامل في العام 2007، ومن الجدير ذكره أن البيانات المتعلقة بالقطاع العام تشمل كافة العاملين فيه باستثناء أولئك المندرجين تحت مظلة الجيش ودائرة المخابرات العامة ومديرية الدفاع المدني والعاملين في القطاع الزراعي.
ويؤكد ضرورة تراجع القطاع العام عن دوره التقليدي حتى في مجال تقديم الخدمات، وتحويل ذلك الدور الى القطاع الخاص بعد وضع شروط تضمن الحفاظ على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، الامر الذي سيوفر الكثير من النفقات التشغيلية ورواتب الموظفين وكلف السيارات واجور المباني.
ويشدد على انه للحد من حجم الجهاز الحكومي "لا يجوز تسريح الناس" لكن المطوب اعادة هيكلة المؤسسات بما يحد من قدرتها على التعيين الجديد، ودعا الى تدريب الموظفين ليصبحوا اكثر كفاءة وانتاجية بما يسهم بتخفيض اعباء الموازنة.
ويرجع المدادحة تصدر القطاع العام لدور الموظف الاكبر الى ضعف السياسات الاقتصادية التي تشجع القطاع الخاص على النمو، مؤكدا انه في ظل وجود قطاع خاص ضعيف تكون النتيجة الطبيعية التوجه الى القطاع العام، داعيا الى تحفيز القطاع الخاص.
من جانبه، يوضح الخبير الاقتصادي يوسف منصور ان الخلل الرئيسي في القطاع العام يتمثل في دفعه رواتب عالية لذوي المهارات المتدنية وبساعات عمل اقل واستقرار وظيفي وهو امر لا يقدمه القطاع الخاص، كما انه في ذات الوقت يدفع رواتب قليلة لذوي المهارات العالية والكفاءات وهي اقل مما يمكن لهؤلاء الحصول عليه في القطاع الخاص ما يسبب خللا.
ويعتبر ان القطاع العام "جاذب لمهارات متدنية ولمن لا يرغبون بالعمل لساعات طويلة ولا يحكم بقاؤهم في عملهم الاداء الجيد او الكفاءة"، كما اعتبره (القطاع العام) طاردا لذوي المهارات العالية ممن يريدون العمل ساعات طويلة مقابل اجر كبير ومخاطر التنقل من وظيفة الى اخرى.
ويتفق منصور مع الصمادي في وجود مشكلة في مخرجات التعليم والتوظيف الحكوميين، داعيا الى اعادة النظر في اسس تقييم الاداء وانظمة المحاسبة على نتائج تقييم الموظفين في القطاع الحكومي.
ويلفت هنا الى ان القطاع الحكومي يجذب النساء العاملات، وهن في هذه الحالة "يخالفن القاعدة ويتميزن بالمهارات الاعلى، غير انهن يبحثن عن عمل بساعات قليلة ومنغصات عمل اقل اضافة الى اجازة امومة اطول".
ويؤكد منصور ان قيام الحكومات باستقطاب كفاءات عبر عقود خارجية مؤقتة برواتب عالية تمولها الجهات المانحة وبشكل تعجز عنه شركات القطاع الخاص يشكل منافسة غير عادلة على الكفاءات كما انه يجعل اثر توظيفها محدودا على القطاع العام.
ويدعو منصور الحكومة الى خلق وظائف دائمة برواتب جيدة لاصحاب الكفاءات المرتفعة بدلا من العقود المؤقتة التي تحد من ادائهم لانها "تدفع بهم ليشكلوا نخبة بعيدة كل البعد عن ثقافة العمل في البيئة التي يعملون فيها ما يؤدي الى محاربتهم من قبل ذوي الرواتب المتدنية".
ويرى ان الحل يتمثل في ربط رواتب القطاع العام بالمؤهل والاداء، الى جانب اعادة هيكلة الرواتب، بحيث تخفض رواتب العاملين من ذوي المهارات المتدنية ورفع اجور ذوي المهارات العالية واستقطابهم للعمل بشكل دائم في الوظائف الحكومية.
ويقترح منصور من اجل خفض حجم الجهاز الحكومي العامل الاستغناء عن الهيئات الرقابية جميعا، وتحويل مديرية المنافسة الى هيئة منافسة، اذ يمنحها القانون حق مراقبة المنافسة في كافة القطاعات وجعلها مربوطة برئيس الوزراء، ويمكن من خلال ذلك ايضا توفير "ملايين ان لم يكن مئات الملايين من الدنانير".