صحيفة العرّاب

طاهر حكمت: أهم أخطاء الحكومات السابقة تمثلت في اختلاط الأدوار

عند الحديث عن مسألة الإصلاح في الأردن لا يفضل الوزير الأسبق لعدة حقائب وزارية طاهر حكمت التوقف في حديثه عند أشخاص، وإنما الوقوف مطولا عند أفكار، ويرى أن في الأمر فلسفة تخدم الرؤية الشمولية، وليس الرؤية من الزاوية الضيقة.

 ويوائم حكمت في مواقفه من الإصلاح كيساري قديم، ورجل دولة، ولا يجد في الشأنين تناقضا يُذكر، ما دامت النظرية استطاعت الوقوف على أرض الواقع.
 
ويرفض حكمت في حواره مع "الغد" أن يتوقف عند تجربته الذاتية عبر سني عمره، ويقول هناك ما هو أهم للحديث عنه، وهو الأردن وضرورات الإصلاح في المرحلة المقبلة، ولا يعتبر في تطويع الحداثة لخدمة الأصالة ما يضر.
 
يبدأ حكمت في سرد مبررات المرحلة الإصلاحية، التي يعتبر انطلاقتها مع حل مجلس النواب بتأييد شعبي، لكنه بذات الوقت يتساءل عن أي مشروع إصلاحي نتحدث، ونريد؟ حتى نعرف أي الخطوات سنقطع لكن من دون حرق المراحل أو القفز عنها.
 
ولا يطالب القاضي والحقوقي طاهر حكمت بغير تفعيل التشريعات وتطبيقها بالروح، من أجل الإصلاح، فبرأيه أن التشريعات الأردنية متينة إلا أنها بحاجة إلى التطبيق بالروح والنص لتفادي أي تراجع.
 
وما يذهب إليه حكمت من تشخيص لوصفة إصلاحية أردنية تحافظ على روح الإصلاح من جهة، وخصوصية الحالة الديمقراطية الأردنية من جهة أخرى، ويؤكد أن الحكومات مؤخرا استسلمت لأن يكون القرار السياسي ليس قرارها، وتركت فئات أخرى من المفترض أن تكون تابعة لها، أن تقوم ببعض الإجراءات ذات الأهمية والتي تنعكس على الدولة الأردنية ومسؤوليات الحكومة.
 
 حكمت وهو يؤكد ضرورة قلب الصفحة الماضية، يشدد على مبدأ الاستفادة من الأخطاء فيها، "لنغادرها تماما ونحن نكتب صفحة جديدة في كتاب الوطن، أبرز سطوره أن يكون الإصلاح نهجا ورؤية وليس برنامجا مؤقتا، ويستند في ذات الوقت إلى تراثنا الفكري والحواري المرصود في الوثائق الوطنية" مثل الأجندة الوطنية، وكلنا الأردن ولجان الأردن أولا، والتي سبقها الميثاق الوطني.
 
 يتحدث حكمت في كثير من الحقول ويقول: إذا أردنا الإصلاح لا بد من السير فيه، بدءا من تنمية المال السياسي، وصولا لقراءة الأردن أرضا وشعبا، وصولا للتحذيرات من الحاجة لوقت اكبر للإصلاح إذا فشلنا هذه المرة، وفقدان الصدقية والجدية بعد ذلك.
 
ويحذر حكمت من الاستعجال في اتخاذ مواقف أو تشريعات تأتي كردة فعل سلبية على أخطائنا السابقة، ويحذر من أي حالة انتقامية تؤثر في قانون الانتخاب، وبالتالي التأثير على واحد من أهم مصادر الحياة السياسية.
 
وفيما يلي نص الحوار:
 
 وسط الإجراءات الأخيرة التي طالت ملامح رئيسية في الحياة السياسية الأردنية، نتذكر كلام جلالة الملك عبدالله الثاني عشية ذكرى عيد الجلوس العاشرة، والتي تحدث جلالته فيها عن مراجعة شاملة. من وجهة نظرك هل ما يحدث الآن بداية لمراجعة شاملة، وفق ما طلب جلالته؟
 
-باعتقادي أنه الآن اصبح الوقت ملائما جدا لإعادة النظر في المسيرة السياسية والاجتماعية. واستند في اعتقادي هذا بالإجراء الاستثنائي بحل مجلس النواب بإرادة جلالة الملك، ومن دون تنسيب من الحكومة على ما يبدو.
 
ان أداء مجلس النواب مهما كنا مقدرين للظروف التي اشتغل فيها، لم يكن بالسوية الرقابية والتشريعية الناضجة، ولذلك حل المجلس جاء وكأنه مطلب شعبي حاز على موافقة الجميع بحسب ما اعتقد.
 
على أية حالة، ما دامت حصلت هذه الانعطافة بالمسيرة، وأصبح هناك تعبير واضح عن الإرادة السياسية، وكشفت انه ثمة خلل ويجب تداركه بالإصلاح والتصحيح، فهذا يجب أن يكون مدخلا لعملية إصلاح وطني شامل.
 
 لكن عملية الإصلاح الشامل ضمن مشروع وطني، لا بد من رسم ملامحها وخطوطها وسط توافق وتفاهم، ما هو المشروع الإصلاحي الوطني الشامل الذي نريد؟
 
-نعم، كنا قد سمعنا في الأسبوع الأخير من عمر الحكومة السابقة، تصريحا جريئا لوزير التنمية السياسية موسى المعايطة، يفيد بأن العام 2010 عام الإصلاح السياسي، وسمعنا عبارات وإشارات كثيرة عن الإصلاح السياسي خلال المرحلة المقبلة، لكن هذا في نفس الوقت يجعلنا نتساءل ما هو الإصلاح السياسي الذي نريد؟ هل هو مجرد رغبات عابرة في الهواء أو في المناسبات المعنية؟ أم أن الإصلاح السياسي يقتضي برنامجا محكما، له أهداف طويلة ومتوسطة المدى وقصيرة المدى، تضمن إجراء تغييرات على النهج السياسي والاجتماعي أيضا الذي ساد مؤسسات الدولة والإدارات الحكومية في تعاملاتها مع الناس لفترة متوسطة وهي الفترة التي أخصها بالذكر بالسنوات الخمس الأخيرة، التي اعتقد أنه كان فيها شعور بوجود أزمة، صحيح أن وسائل الإعلام ضخمت أحيانا بعض الأمور، لكن هذا لا يمنعنا من القول إن هناك أزمة في الإدارات وهذه الأزمة يجب وضع حد لها، ومعرفة المسؤول عنها.
 
 وإذا كنا لسنا في معرض تقييم ذلك، واعتقد انه لا يوجد ضرورة للنظر للوراء كثيرا، لكن يجب أن نقرأ جيدا الصفحة السابقة التي طويناها، ونفتح صفحة جديدة لكن مع الاستفادة من الأخطاء التي قرأناها في الصفحة السابقة.
 
 ما هي أبرز أخطائنا في الصفحة الماضية وماذا تقول عنها؟
 
-برأيي أن أهم أخطاء الحكومات السابقة والمتعاقبة في الفترة الأخيرة تمثلت في اختلاط الأدوار فيما يتعلق بالمهام الدستورية المنوطة في أجهزة الدولة.
 
وأعتقد أن مردّ الضعف لهذا الاختلال أن الحكومات استسلمت لبعض مراكز القوى الداخلية وبؤر النفوذ في الإدارات المحلية واستسلمت لرغبتها في أخذ حيز محجوز للحكومة أساسا.
 
 فكان هناك نوع من التدخل ولا نريد القول أنه وصل في بعض الأحيان للتغول على صلاحيات الحكومة لأن التغول فيه الكثير من القسوة ولأنه أيضا يشترط وجود مقاومة من الحكومة وهذا ما لم يحدث.
 
فأعتقد أن الحكومات استسلمت لأن يكون القرار السياسي ليس قرارها، وتركت فئات اخرى من المفترض ان تكون تابعة لها، أن تقوم ببعض الإجراءات ذات الأهمية والتي تنعكس على الدولة الأردنية ومسؤوليات الحكومة، فتركت الحكومة لتلك الفئات جزءا من صلاحياتها، والتي أثرت بالتالي على كل شيء، وبالتحديد على عمليات الانتخابات وما أفرزته وما تبعها من إنشاء مجلس نيابي فيه طعن كبير بمستوى مصداقية تمثيله، وإجراءات انتخابه، أدائه، وفي كفاءة معظم أعضائه، مع التسليم أن هناك عددا من أعضاء المجلس كان قادرا على العطاء في المجالين الرقابي والتشريعي.
 
فتراجع أداء كثير من النواب أثر في أداء السلطة التشريعية وهنا اركز على الأداء التشريعي للمجلس وليس الرقابي لأن الدور التشريعي هو الدور الأساسي للمجلس النيابي.
 
فنظرة واحدة لقانون المالكين والمستأجرين الجديد من رأي قانوني منصف تعطيك فكرة عن مدى تدهور الطاقات التشريعية التي صاغت هذا القانون.
 
 قبل الدخول إلى مثالب العمل التشريعي، فتحت شعار الإصلاح السياسي من حيث الزمان والأشخاص، كيف يصل لنا شعور الجدية والإرادة في هذا الشأن؟
 
-أولا، أريد أن أعلق على الإصلاح بآمال كبيرة، والإعلان عن إصلاحات سياسية كلام جميل ونرحب به وكلام شجاع، ولكن الأهم أن يكون هذا الكلام يُعبر عن رأي السلطة السياسية وليس عن رأي أشخاص فيها أو تمنياتهم.
 
ولكن السؤال الذي نطرحه، هل هناك فعلا حاجة لإصلاحات سياسة؟ فإذا كان نعم، فإن الإصلاح السياسي شعار سيبقى معلقا بالهواء إلا إذا رافقته إجراءات معنية بالإصلاح السياسي ضمن المشروع الإصلاحي، الذي يحتاج إلى مشروع وبرنامج عمل واضحين.
 
وهنا لا بد من أن نسأل ماذا سيتناول هذا الإصلاح وما هي علاقة الإصلاح الاجتماعي بالإصلاح السياسي؟ فالإصلاح السياسي إذا كان متعلقا بالتشريعات والبنية الدستورية والنظام القانوني، فأنا أقول لا يوجد داع للإصلاح، لأن القوانين بحسب ما هي كافية إذا فعلت واستخدمت، وهذا لا يعني إصلاحا سياسيا. فالإصلاح السياسي أبعد من ذلك، فهو أن تتبنى الدولة الأردنية بكافة عناصرها المؤثرة الأساسية، رؤية مستقبلية لما تريده من هذا المجتمع وكيف تفكر أن تسد مكامن الخلل والثغرات.
 
 البعض يخشى من أياد ترسم أبجديات الإصلاح، وتكون غير عارفة لخصوصية المجتمع الأردني، وتطبق عليه معادلة الإصلاح المستوردة، فالبعض يخشى من خريطة الإصلاح أن لا تكون واقعية؟
 
-لا تستطيع جهة بمفردها أن ترسم ملامح المشروع الإصلاحي، لأنه عبارة عن رؤية مستقبلية. فالأصل أن تكون رؤية القيادة السياسية العليا، وأن تتكون هذه الرؤية، ثم يصير الالتزام بها من قبل الحكومات في الفترة القادمة.
 
وقطعا ساعد هذا في ظهور طبقة سياسية جديدة لا يهمها العمل السياسي، بمقدار ما يهمها العمل الاستثماري وجمع المال السياسي ويصير العمل السياسي ليس له من العمل السياسي غير جمع المال فقط الذي مصدره السياسة.
 
وصار أيضا السياسي السابق ونتيجة ابتعاده عن العمل السياسي يلجأ لمجالس إدارات الشركات الخاصة، وهذا أسوأ ما يمكن أن يمارسه رجل السياسة.
 
فلا يجوز لرئيس وزراء مثلا أن يبحث عن كيفية تنمية مصادر دخله، أو أن يفكر بامتلاك البيوت، وكيف يسكنها. فالمنصب الرفيع أهم من كل هذه الأموال.
 
 هل أنت بصدد تعريف تطورات استخدام المال السياسي، وأوجه إنفاقه، وأين وصل نفوذه؟
 
-عندما نتحدث عن المال السياسي، فهو ليس الرشوة السخيفة التي يضعها المرشح بيد الناخب، فالمال السياسي هو ما يمكن أن نتجنب دخوله لمنافذ التأثير على السلطة. في فترات سابقة كان المال السياسي يبذل المستحيل ليقترب من صاحب النفوذ والسلطة، أما الآن صار المال السياسي وصاحبه يجلس على كرسي النفوذ ويفرض ما يريده، وأحيانا يوظف صاحب السلطة، وهذا للأسف أقوله لانه حدث مؤخرا في الساحة الأردنية.
 
 إذن أنت الآن تقيم المرحلة الماضية؟
 
- في الواقع لا ننكر أن أداءنا في المرحلة الماضية لم يكن يتناسب مع دولة حديثة ليست بطارئة ولها من العمر 100 عام، فآن الأوان أن تكون القواعد التي أرساها المؤسسون قواعد قابلة للحياة والتطبيق وبنفس الوقت مستعصية على الهدم.
 
فهناك محاولات من العالم لها نية مبيتة أو غير مبيتة تقول إنه وفي ظل العولمة يجب خلق كيانات تمر عبر القطرية، لأن العولمة عملية ومفهوم عابر للكيانات والأقطار وله هيمنة تسهيل انتقال الأموال والأشخاص.
 
 في الحياة التشريعية هل تقدمنا، أم تراجعنا، وإذا كان ثمة تراجع إلى ماذا تعزو أسبابه؟ وهل أثر هذا التراجع في ضعف السلطات الثلاث؟
 
- أود هنا أن اذكر بكتاب لمن يحب أن يقرأ اسمه (امركة القوانين) صدر بفرنسا وهو كتاب ضخم ويتحدث الكتاب عن محاولة الفرنسيين إنقاذ تشريعاتهم وقوانينهم من سيطرة الاتجاه الأميركي في التشريع.
 
إذن هذا ما يجري في فرنسا أم القانون التي تصرخ الآن من مشكلة أمركة قوانينها وتشريعاتها، وتحاول الانفلات من الأمركة، والتي بدورها تسعى أميركا لنقلها لدول العالم وإلزام العالم بها.
 
أما فيما يتعلق بالمنظومة التشريعية الخاصة بنا، فيكفي أن نختار قانون المالكين والمستأجرين الذي وضع العام 1982 والذي وضعه المجلس الاستشاري الوطني ونقارنه بحلوله السلسة، ولغته الجميلة، مع القانون الجديد، الذي أتحدى أي قانوني أن يعطي فيه فهما شاملا أو أن يستطيع أن يحسب الحسابات التي رتبها على الناس.
 
أنا برأيي أن هذا انعكاس طبيعي لتدخل بعض الجهات وعبر بعض الأشخاص غير المؤهلين في معظمهم للتشريع وقيامهم بمهمة الترجمة التي قاموا بها بشكل سيئ.
 
وأنا استمعت لعدد من بعض أعضاء مجلس النواب أن مشروعات القوانين التي تقدم لهم تقدم بلغة عربية غير مفهومة، أو لا تؤدي إلى المعاني التي تكون الهدف من تقديم التشريع أو التعديل عليه.
 
لا شك أن بعض الحالات تحتاج إلى معالجة واستعانة بالخبرة الدولية فيها، لكن تلك الخبرة لا تقتضي منك اكثر من القراءة والمطالعة والمراجعة لتجارب الآخر، لكنها لا تقتضي منك الترجمة فقط لبعض القوانين التي تنقلها بصرف النظر إذا كانت ملائمة لنا او غير ملائمة، ثم نلجأ إلى تعديلها لأنها غير مفهومة أو من الصعب تطبيقها.
 
أعتقد أن هذا الانفتاح التشريعي لم يكن من ذنب المجالس النيابية، بل كان بتأثير من الحكومات التي لا تعرف بأن التشريع هو بنية فوقية، يفترض فيها أن تتناسب مع البنية التحتية مع المجتمع، بمعنى أن يكون التشريع مناسبا لمقتضيات وحاجات المجتمع وملبيا لها، لا أن يكون قافزا عليها.
 
 فيما يتعلق بنضج المناقشة بين طرفي المعادلة التشريعية، الحكومة والنواب، هل لمست ذلك من خلال عامين تشريعيين؟
 
-معظم القوانين التي تم إقرارها مؤخرا تفتقر إلى الدقة وتفتقر إلى الخبرة في تقييم النتائج للنصوص، وحتى في كتابة النصوص. فهناك نصوص تقدم مترجمة فقط. وبترجمة حرفية سيئة، وبمقابل أجور ضخمة تأخذها المكاتب التي تترجم.
 
فهذا كلام غير معقول، ولا بد من وجود نواة قانونية في المجالس التشريعية، نواة صلبة ذات خبرة وتكون بمعزل عن أي تأثيرات وتكتلات أو نخب مالية أو سياسية، ويأتي واضع التشريع ليقول: هذا هو المطلوب من القانون واسندوني كمجلس نواب ومجلس تشريعي برأي وخبرة، وأقروا القانون بالشكل المناسب من دون أن يقع ضرر أو خلل في المجتمع جراء تطبيقه. وهذا ما افتقدناه في الفترة الأخيرة.
 
 هل هناك ضمانة للمواطن الأردني أن القوانين المؤقتة التي يمكن أن تصدر في المرحلة الانتقالية هذه، وفي غيبة مجلس النواب، ستنظم العمل التشريعي وتخدم الرؤية الإصلاحية؟
 
-أنا شخصيا لست متفائلا، ولذلك أنا أدعو إلى التريث في إقرار أي قانون، وبخاصة قانون الانتخابات الذي يجب أن ينضج على نار هادئة، وليس بانفعال اللحظة، أو بروح ثأرية من المجلس السابق، ويجب أن يُؤخذ القانون بشكل حيادي وعقلاني، وتدرس كل السيناريوهات، التي تترتب على أي صيغة من الصيغ أو البدائل المطروحة، والمطلوب تعديلها في القانون الجديد.
 
ولذلك اعتقد أن سلق قانون الانتخابات في فترة بسيطة سيكون عملية تعود بالضرر اكثر مما تعود بالمنفعة والفائدة.
 
 برأيك وأنت بيت خبرة، أي قانون انتخابات يناسبنا، فمن المعروف انه لا يوجد قانون عصري بل يوجد قانون اقرب للحياة الأردنية والحالة الديمقراطية الأردنية؟
 
-نعم، لا يوجد قانون عصري، بل هناك قانون مناسب أو قانون غير مناسب، والمواءمة من أهم عناصرها ان تراعي العناصر التالية، والتي تجعل أي مشروع أو أي قانون مناسبا او غير مناسب:
 
أولا الزمان: والقصد منه، أن لكل زمان استحقاقاته، ورجاله، ولكل زمان عقليته، ومشاكله.
 
ثانيا المكان: بمعنى أن تراقب جغرافية البلد، جوارك ومصالحك، لأن الجيران ليس كما السابق حدودك فقط، فالآن جوارك ومن تتأثر به إيران وأميركا، بالإضافة الى حدودك، ومع أن هذه الدول لا حدود لنا معها لكننا مضطرون للتأثر بها.
 
والجغرافيا يترتب عليها ان ننظر الى الانسان بتركيبته الإثنية والعقائدية الفئوية الجنسية للناس الموجودين في البلد، فهل هم منصهرون ضمن أصول واحدة أم اصول متعددة؟ وهل هذا التعدد هو نوع من التنوع البريء الطبيعي فقط، فيجب أن نعلم أن التنوع أحيانا يقاوم الاستبداد، بمعنى أن القوى تحيد بعضها.
 
وكل عنصر هنا يؤثر في العملية الديمقراطية، هذا إذا كنا نريد تغييرا حقيقيا يقدمنا، فالنظرة الواقعية هي التي تحكم أي تشريع نريد أن نطبقه على الأرض ونريد منه تنظيم علاقات الناس ببعضهم البعض وبالدولة أيضا.
 
فالتشريع عملية يجب أن تنضج على نار هادئة وليس على عجلة وانفعال، وبالتالي المحاولات لإصدار قوانين في غيبة البرلمان، حددتها كل دساتير العالم في أن تكون في أضيق الحدود وفي حاجات شديدة الإلحاح.
 
 الاجندة الوطنية، لجان الأردن اولاً، وكلنا الأردن قدمت رؤيتها في الإصلاح الشمولي، لكن ما مصير تلك الأبجديات الإصلاحية؟
 
-أنا أقول تلك المشاريع الوطنية قدمت شيئا جميلا جدا، وكلامي بصفتي واحدا من الذين أسهموا في هذه العملية، من خلال رئاسة محور التشريع والقضاء، والرائع في هذه الطروحات الوطنية أنها كانت ممثلة من كل الاتجاهات، ولم تقتصر على لون واحد، والكل اجتمع تحت رغبة إنشاء منظومة قانونية جديدة وإصلاحية، ووصلنا إلى حلول معقولة جدا، وأنا برأيي انه يجب الرجوع إليها، وهذا يمكن أن نعتبره تراثا حقيقيا، صرفت عليه مئات الساعات في البحث، وحتى في اكثر المواضيع إشكالا كان هناك حلول متزنة وراقية، وقابلة للحياة والتطبيق برضا وتوافق الجميع، فهل يعقل أن تهمل الحكومات هذا الجهد الوطني التوافقي؟
 
وكذلك الميثاق الوطني، ولا يجوز برأيي أن نغفل هذه الجهود الوطنية، ونقول علينا أن ننطلق من الصفر، بل علينا أن ننطلق من الثوابت، ومن المعروف أن ثوابتنا يجب مراعاتها وصونها وحفظها.
 
لكن نستطيع الحديث عن مفهوم تداول السلطة، وهو ليس له علاقة بشكل المملكة الدستوري، وتداول السلطة هنا المقصود به تنظيم آلية انتقال من يحكم، من الحكومات، من فئة لأخرى في الأوقات المحددة دستوريا، وتطوير آلية تداول السلطة بحيث تنتج عندنا قوى جديدة، وتقوم برئاسة الحكومة إداريا وسياسيا.
 
ونحن مملكة ارتضت حكم الهاشميين كمصدر للحكم، وفيصلا بين كل السلطات، وهذه ثوابتنا. والثابت الآخر الوحدة الوطنية، وهي ثوابت راسخة، وتجعل أي خطوة أخرى والحديث عنها من قبيل التفاصيل وليس أكثر.
 
أما ما تبقى من أمور نختلف عليها فهي ما يندرج تحت عنوان الحراك السياسي، وهنا أود أن أشير أن طروحات المعارضة يجب الأخذ بها، فهي جزء من نسيجنا الوطني، وفلسفة المعارضة هي البحث عن حصة في المسؤولية، فالمعارضة ليست ديكورا، وليست جزءا من ضرورات تكملة المشهد المسرحي، فدورها الحقيقي هو الكشف عن أخطاء التنفيذ، من أجل أن تصحح المسيرة قبل أن تتفاقم المشكلة.
 
 هل المعارضة جاهزة لمثل هذه المهمة؟
 
-عليها ان تكون جاهزة، لكن معارضتنا تعاني من ازمات، اولها انها لا تشكل إلا لونا واحدا، وهو لون الاخوان المسلمين، بينما القوى الأخرى الموجودة في المجتمع؛ اليسارية الماركسية، الوطنية، القومية العربية والمتأثرة بالناصرية، الليبراليون المحترمون، كل هؤلاء ضعفت أهميتهم الاجتماعية وعلاقاتهم الاجتماعية وبالتالي وجودهم وتأثيرهم انحسر.
 
ويجب أن تتحدد المعارضة من خلال برامجها ورؤية كل فئة من فئات المعارضة، وأن لا توضع المعارضة كلها في سلة واحدة، كما أن المعارضة تعيش مشكلة أن ليس لها برامج، وأخص بالذكر هنا الحركة الإسلامية، التي احترم عددا كبيرا من رموزها الذين يستحقون الاحترام، لأنهم على الأقل ليس لهم علاقة بالفساد، وبأغلبهم، يستحقون الاحترام لذلك، لكنهم يشكون من عيب كبير جدا يجب تداركه، وهو انه ليس لهم برنامج عمل سياسي حقيقي لمعالجة المرحلة القادمة، وليس لهم رؤية محددة للمرحلة القادمة وما هي متطلبات العمل السياسي فيها.
 
وإذا استمروا بقصة عدم القدرة على المشاركة بموقف بناء أو تقديم نقد بناء واقعي يمكن أن يعيش على الأرض، سيظلون في موقف الهدم بالضرورة.
 
 ماذا لو لم تفلح الجهود بتحقيق مشروع إصلاحي، وبقينا مكاننا؟
 
-إذا ما سرنا ضمن خطة مرسومة وواضحة المعالم، والإفصاح عن إرادة سياسية حازمة في هذا الموضوع، فإننا سنبذل جهدا أكبر بكثير وسنعاني صعوبات كثيرة جدا، إذا تأخرنا عن المشروع الإصلاحي في المستقبل. وأنا اقصد أن مصداقية الأمر في هذا المشروع ستتآكل.
 
"جعفر طاهر" "مصطفى حكمت" العياشي
 
من مواليد معان 1940
 
• تلقى تعليمه الجامعي في القانون في دمشق مع بداية 1956  
 
• 1984-1985 وزيرا للنقل ثم وزيرا للثقافة والسياحة والآثار
 
•2/12/1993 -7/6/1994 وزيرا للعدل
 
• رئيسا للمجلس القضائي ورئيسا لمحكمة التمييز 1999
 
• عضو مجلس أعيان أسبق
 
• نائبا لرئيس مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان
 
• شقيقته القاضي تغريد حكمت
 
اهم أخطاء الحكومات السابقة تمثلت في اختلاط الأدوار
 
برأيي أن اهم أخطاء الحكومات السابقة والمتعاقبة في الفترة الأخيرة تمثلت في اختلاط الأدوار فيما يتعلق بالمهام الدستورية المنوطة بأجهزة الدولة.
 
واعتقد أن مردّ الضعف لهذا الاختلال أن الحكومات استسلمت لبعض مراكز القوى الداخلية وبؤر النفوذ في الإدارات المحلية واستسلمت لرغبتها في أخذ حيز محجوز للحكومة أساسا.
 
فكان هناك نوع من التدخل ولا نريد القول إنه وصل في بعض الأحيان للتغول على صلاحيات الحكومة؛ لأن التغول فيه الكثير من القسوة ولأنه أيضا يشترط وجود مقاومة من الحكومة وهذا ما لم يحدث.
 
فأعتقد ان الحكومات استسلمت لأن يكون القرار السياسي ليس قرارها، وتركت فئات اخرى من المفترض ان تكون تابعة لها، أن تقوم ببعض الإجراءات ذات الأهمية والتي تنعكس على الدولة الأردنية ومسؤوليات الحكومة، فتركت الحكومة لتلك الفئات جزءا من صلاحياتها، والتي أثرت بالتالي على كل شيء، وبالتحديد على عمليات الانتخابات وما أفررته وما تبعها من إنشاء مجلس نيابي فيه طعن كبير بمستوى مصداقية تمثيله، وإجراءات انتخابه، وأدائه، وفي كفاءة معظم أعضائه، مع التسليم أن هناك عددا من أعضاء المجلس كان قادرا على العطاء في المجالين الرقابي والتشريعي. الغد