صحيفة العرّاب

اقتصر على فئة أصحاب المال..النمو الاقتصادي فشل في ملامسة حياة الناس

تبتعد أرقام النمو الاقتصادي عن ملامسة حياة المواطن العادي، فانعكاسات النمو في الغالب مقتصرة على فئة أصحاب رؤوس المال وكبار المستثمرين، فيما متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ 6% خلال السنوات الست الماضية تقابله أرقام بطالة وفقر وتضخم مرتفعة وآخذة في الازدياد هي الأخرى، وفق ما أكده خبراء اقتصاديون.

 وتسيطر حالة من سوء توزيع الدخل في المملكة الأمر الذي يحول دون أن تنعكس نسبة النمو الجيدة بالقدر على المواطنين، فيما يرى الخبراء في متوسط الدخل الفردي رقما مضللا لا دليلا على حسن توزيع الدخل مشددين على ضرورة تحقيق توزيع أكثر عدلا للدخل والثروة من خلال تحقيق سياسات اقتصادية تسمح بذلك، في إطار التركيز على أنموذج اقتصادي يراعي المعطيات المحلية.
 
وكان الناتج المحلي الإجمالي سجل بالأسعار الثابتة في العام 2002، العام الذي بدأ فيه تنفيذ برنامج التحول الاقتصادي، نموا بلغت نسبته 5.8%، فيما تراجع النمو في العام الذي تلاه ليسجل 4.2%، ثم عاد ليقفز في العام 2004 إلى نحو 7%، وواصلت نسب النمو ارتفاعها في 2005 لتسجل 7.1% ثم عادت في العام 2006 إلى مستوى 6.3% وفي 2007 إلى 6% وواصلت تراجعها في العام 2008 حين بلغت 5.6%، بحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة التي أشارت إلى أن نسبة النمو بلغت في الربع الثالي من العام الحالي 2.06%.
 
وتشير إحصاءات رسمية إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي ارتفع تدريجياً من 1235 دينارا للفرد سنوياً في العام 2000 ليصل إلى 1961 دينارا للفرد في العام 2007.
 
ويرجع مختصون النمو السريع والكبير للناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الأخيرة إلى الاستثمارات الانتقائية في قطاعات محددة وبشكل خاص العقار، ما أبقى نتائج ذلك النمو محصورا في فئة محددة من رجال الأعمال.
 
الخبير الاقتصادي منير حمارنة يؤكد أن هناك فرقا بين حساب الناتج المحلي والدخل القومي وبين توزيع هذا الدخل على السكان، "فالنمو قد يكون في عدة قطاعات وعائد هذا النمو يمكن ان يتوزع على قطاعات سكانية واسعة او قليلة".
 
ويرجع حمارنة السبب في أن متوسط دخل الفرد لم ينم بوتيرة نمو الناتج المحلي ذاتها إلى أن الدخل نما في قطاعات أثرها الاجتماعي ضعيف، "فهناك مثلا نمو كبير في قطاع البنوك المملوك لفئات محددة وتأثيره قليل".
 
كما يرى أن متوسط الدخل الفردي ليس دليلا على إعادة التوزيع "فهو دائما رقم مضلل"، لأنه ليس دليلا صحيحا على حسن توزيع الدخل على المواطنين، داعيا إلى قراءة مؤشرات أخرى لمعرفة أثر نمو الدخل، وتلك المؤشرات هي "كيف نما معدل الأجور الحقيقي في المجتمع".
 
ويقول "نحن في آخر عدة سنوات بلغت الأجور نحو 90% من العاملين في القطاعين العام والخاص 300 دينار فما دون شهريا، وهو دخل قليل لا يتناسب مع نمو الأسعار خلال السنوات الماضية ولا مع معدل التضخم العالي الذي تم تسجيله في عامي 2007 و2008".
 
ويضيف أن نسبة عالية من السكان تعيش في حدود خط الفقر أو دونه رغم تسجيل نسب نمو مرتفعة، ما يعكس حالة من سوء توزيع الدخل محليا وهو سبب في أن "نسبة النمو الجيدة لا تنعكس بالقدر ذاته على المواطن".
 
"المعالجة تحتاج جملة أشياء"، على رأسها ربط الأسعار بالأجور وربط الأجور بمعدلات التضخم السنوية بحيث يحصل العاملون بأجر على أجور تتناسب مع تكاليف الحياة، وفقا لحمارنة الذي يضيف "يجب مراجعة الحد الأدنى للأجور باستمرار ومراجعة الخدمات المقدمة للمواطنين".
 
ويشير إلى أن المراجعات الاقتصادية عادة ما تأتي نتائجها لصالح كبار المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، مشددا على وجوب "تحقيق توزيع أكثر عدلا للدخل والثروة" ولتحقيق ذلك يجب توفر سياسة اقتصادية تسمح بذلك.
 
ويتساءل الخبير مازن مرجي عن أسباب عدم استفادة الشريحة الواسعة من المواطنين من نسب النمو المسجلة، ويقول "هل هذا النمو أصلا حقيقي أم أنه رقم مبتدع"، ويضيف "أنا أشك بالأرقام فهي إما أرقام تجميلية أو مبالغ فيها".
 
ويستطرد مرجي "إذا كانت أرقام النمو صحيحة ورغم ذلك لم تنعكس على الناس فذلك لأن هذا النمو تم في قطاعات تم الاستيلاء عليها من قبل فئة محدودة من كبار الرأسماليين بشراكة أجنبية أو محلية".
 
ويقول "عصر الخصخصة والمشاريع الكبرى لم تخلق فرص عمل"، فتلك المشاريع كانت غالبا في مجال العقارات وهي لم تشغل الأردنيين بل استقطبت عمالة أجنبية وافدة.
 
ويضيف أن بعض الاستثمارات الجديدة لم تدخل رؤوس أموال كبيرة لتحريك الاقتصاد واعتمدت في كثير من الأحيان على الاقتراض الداخلي، وفي حالات أخرى لم يتحقق النمو المرجو، بل اقتصر على الأرقام؛ لعدم انتشار الفائدة إذ لم تسهم تلك المشاريع في رفد قطاعات مكملة ورديفة من الخدمات المرافقة ولم تولد فرص عمل بالقدر المنشود.
 
ويرى مرجي أن المشاريع الكبرى تم احتكارها من قبل "مجموعة محدودة من الجهات الاقتصادية المسيطرة على مقدرات البلد الاقتصادية والتي حالت دون نمو القطاع الاقتصادي المتوسط والصغير"، ما أبقي فتات المشاريع لتتوزع على باقي الجهات، كما أن هناك احتكارا للقطاعات الأكثر مساهمة في النمو من قبل أفراد معدودين.
 
ويوضح "الشركات الكبرى تستثمر لصالحها لا لصالح البلد، ولا تختار المشاريع التي تخلق فرص العمل وتحرك الاقتصاد".
 
ويؤكد "المصالح الذاتية والفردية تقدم على مصلحة الوطن في ظل غياب البعد الاجتماعي والمسؤولية الوطنية للشركات في ظل غياب تشريعات ناظمة لذلك"، مضيفا أنه يفترض بتلك الشركات المساهمة في تقييم الفائدة المرجوة من المشاريع.
 
ويدعو مرجي لاتخاذ مجموعة إجراءات قد تسهم في عكس الصورة الحالية كاعتماد المشاريع والبرامج والخطط الاقتصادية الموجهة لتصل إلى المواطن العادي، ودعم وتشجيع المشاريع المتوسطة والصغيرة وتفعيل اتفاقيات التجارة الخارجية والحرة.
 
كما يدعو إلى إيجاد آلية لتعزيز الصادرات الوطنية كإنشاء تجمع للصادرات يضم مختلف القطاعات بدعم من الحكومة والقطاع الخاص والجهات الأجنبية المعنية بحيث يسهل على أكبر شريحة من التجار دخول الأسواق العالمية واختراقها لإيجاد قدم للصادرات الأردنية ورفع أرقامها على المستوى العالمي.
 
ويركز مرجي على "زيادة إيرادات الدولة الضريبية من القطاعات الأكثر تحقيقا للأرباح من خلال تنفيذ قانون ضريبي فعال يعمم الفائدة"، ويشرح "يجب زيادة حجم الضريبة التي تحصّلها الدولة من القطاعات الناجحة والمربحة والتي تحقق ايرادات كبيرة ومعروفة".
 
وفي السياق ذاته يدعو مرجي إلى رفع إيرادات الدولة من خلال إلغاء بعض الإعفاءات الضريبية، وعكس ذلك على الموظفين في الدولة وتطوير برامج الحكومة الهادفة إلى التنمية وتوليد فرص العمل وتوفير مستوى أرفع للحياة والخدمات الخاصة والعامة وتحسين حياة المواطنين.
 
ويقول "النمو الحقيقي يجب أن ينعكس ويتجلى من خلال شؤون الحياة" بدوره، يرجع الخبير حسام عايش سرعة نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الأخيرة إلى الاستثمارات الانتقائية في قطاعات محددة خصوصا العقار ما أسهم في تضخيم حجم الناتج المحلي الإجمالي لكن نتائج ذلك النمو بقيت مقصورة على فئة محددة من رجال الأعمال "ولذلك لم ينعكس ذلك على الأفراد رغم ارتفاع حصة الفرد السنوية من الناتج المحلي".
 
ويقول عايش "أعتقد أن معدلات النمو هي معدلات إحصائية وليست معدلات حقيقية"، ويتفق مع حمارنة بقوله "هناك سوء توزيع في الناتج المحلي لحساب بعض القطاعات"، ويضيف أن الارتفاع المسجل كان نتاج اسثتمارات وجدت الاستقرار في الأردن الذي تلقى أيضا هبات ومساعدات وردت إليه.
 
ويوضح أن هذا النمو لم يكن متحسنا ومتواصلا بشكل مستمر بل كان متذبذبا ما يحد من آثاره على المجتمع، ويضيف "كي يحدث تأثير النمو يجب أن يكون متواصلا وبنسبة لا تقل عن 6 - 7% على مدار عشرة إلى خمسة عشر عاما متتالية.
 
ويقول عايش إن "النمو له حدود"، ويلفت إلى ما تقوله الدراسات الحديثة في هذا الخصوص فالمطلب العالمي الآن يتمثل في الازدهار المستدام ومستوى المعيشة الجيد وتخفيض البطالة والفقر وتحسين الصحة والتعليم.
 
ويوضح "الحديث يجب أن يكون عن تنمية مستدامة بدل نسب النمو فقط"، ويستدرك بأن النمو في قطاعات معينة قد يهدر موارد البيئة لصالح الأجيال الحالية على حساب أجيال المستقبل.
 
ويؤكد عايش ضرورة مراعاة تفاوت دور القطاعات الاقتصادية في تحقيق نمو الناتج المحلي الإجمالي، ووجوب إيلاء القطاعات ذات الدور المستدام مزيدا من العناية، كقطاعي الزراعة والصناعة.
 
ويقول "كان على الاستثمار أن يكون في القطاعات المساهِمة في نمو أكثر استدامة ولها أولوية في التحريك والتطوير ولكن ما حدث أنه استعيض عنها بقطاعات أكثر سرعة في تحقيق العائد وأقل تأثيرا في النمو المستدام كالعقار والاتصالات".
 
ويضيف "ما يبقى لصالح الناس المشاريع المستدامة والتي تخلق قطاعات مرافقة تفتح أفاقا جديدة للقطاعات الاقتصادية"، لذلك لا بد من التركيز على أنموذج اقتصادي يراعي الخصوصية الأردنية ويركز على المحيط العربي بعيدا عن مخاطر الاندماج بالاقتصاد العالمي، ويتمثل ذلك بالتركيز على ما يحتاجه المواطن ورفع الاهتمام بقطاعات الأمن الغذائي كالزراعة والصناعة التي تشغل الأيدي العاملة.
 
وبحسب أرقام البنك المركزي بلغ مجموع الناتج المحلي الإجمالي بأسعار السوق الثابتة 9.36 بليون دينار في العام 2008 مقارنة مع 8.67 بليون دينار في العام الذي سبقه.الغد