منفضة سجائر تتصدر مكتب اختصاصي أمراض القلب، طبيب عيون يقابل المريض بارتدائه نظارة، في الوقت الذي يجزم له أن إجراء عملية "الليزك" هي الحلّ الأمثل لتصحيح البصر، اختصاصية تغذية تعاني من البدانة أو فقر الدم، ومدربة لياقة لا تبدو عليها الرشاقة، عديد من المشاهدات المتناقضة التي تعترض الشخص لدى طلبه النصح والمشورة من أصحاب مهن تتناقض أفعالهم وهيئتهم مع ما يدعون إليه.
"باب النجار مخلّع"، بهذا المثل بدأ الثلاثيني إسماعيل ناجي حديثه عن طبيب أمراض صدرية قام بزيارته عندما شعر بصعوبة في التنفس، مبينا أن الطبيب أكّد له أن "الإقلاع عن التدخين أول خطوة للبدء في العلاج".
غير أن تلك النصيحة لم تقنع إسماعيل الذي يقول إن "الطبيب لم يكفّ عن التدخين طوال مدة زيارتي له"، مستنكراً "أن ينهى الطبيب عن تصرف ويأتي مثله"، متابعا من باب أولى أن يلتزم بالإرشادات الصحية التي يقدمها للمريض عن مضارّ التدخين قبل إعطائها لغيره.
من جهته يؤكد الطبيب العام الدكتور مروان زيادي، أن مثل هذه التصرفات تعد "مناقضة لمهنة الطبيب وغير مقنعة للمريض"، مضيفا أن الطبيب قد يكون مارس التدخين قبل امتهان الطب لتصبح عادة لديه لاحقا مع علمه بمضارّ ومخاطر التدخين".
وعن تأثير ذلك في العلاج يقول الزيادي "لا شك أن اقتناع المريض بنصائح الطبيب له دور كبير في العلاج، وتصرفات الطبيب قولا وفعلا لا بد أن تكون متطابقة حتى يكون مثلا يحتذى به من قبل المرضى".
وفي الإطار نفسه تقول العشرينية سوسن محمد إنها قامت بالذهاب إلى اختصاصية تغذية بعد إصرار من حولها على ضرورة لجوئها لذلك حتى تضبط لها وزنها.
غير أن سوسن وفور رؤيتها للاختصاصية الممتلئة رفضت أن تجري لها أي فحوصات أو تخضع لأي برامج غذائية، مبينة أنها لم تتقبل أو تقتنع بأنّ من تكون على هذه الهيئة ستكون قادرة على تخفيف وزنها.
وتخالفها الرأي الطالبة الجامعية نور عمر التي ترى أنه "لا علاقة لشكل الشخص بطبيعة عمله"، لافتة إلى "أنه في حال تبين أن المختص على دراية ومعرفة كاملتين بعمله وأنه سيحقق النتائج المرجوة لطالب الخدمة أيّاً كانت، فلا ضيْر من الاقتناع به وإن كان غير ملتزم شكلياً بما ينصح"، مبينة أن "للمختص حريته وحياته الشخصية التي لا شأن للآخرين التدخل بها".
وفي ذلك تلفت استشارية التغذية آية مراد إلى أن "هناك فرقا بين المعرفة وبين تطبيقها وتنفيذها"، مبينة أن عدم مطابقة الشكل لطبيعة المهنة لا يعني بأن الشخص المختص لا يعي مهام مهنته، مضيفة
"أن الدراية الكاملة بالاختصاص وإيصال المطلوب للمنتفع بطريقة مناسبة هو الجانب الذي يفترض التركيز عليه"، مشيرة إلى أن النتائج هي ما تثبت ذلك".
وعن تجربتها الشخصية تقول آية "أنا ممتلئة بالرغم من خضوعي لأنظمة غذائية رغبة في تخفيف الوزن، إلا أن ذلك لا يعني أني لا أجيد مهنتي"، لافتةً إلى أن الشخص الذي يحكم على الآخر من شكله "مخطئ وبهذه الحالة يقحم نفسه بحياة المختص الإنسانية"، موضحة أن "ما يهمّ الزبون بالدرجة الأولى هو أن يخرج بنتائج إيجابية من دون التدخل في الحياة الشخصية لصاحب المهنة".
وفي السياق نفسه ترى خبيرة مهارات الاتصال زين غنما أن "النظرية وحدها لا تكفي ولا تعطي نتيجة إذا لم يجد الشخص تطبيقا لها ونتائج إيجابية عليها".
وتضيف بأنه من الصعب جدا أن يتقبل المتلقي نصائح من قبل ذوي الاختصاص في حين يرى ممارسات ومشاهدات منافية للتي تقدم له، حتى وإن كان مقدِّم النصيحة حاول تطبيق ما يقوله على نفسه غير أن محاولاته باءت بالفشل لظروف معينة حالت دون نجاحها.
ولتحقيق عملية الإقناع في هذه الحالة تبين غنما أنه يجب على المختص أن يجد طرقا عديدة للتأثير في الأشخاص الذين يلجؤون إليه بقصد الاستفادة العلاجية أو الخدماتية، واصفة تلك العملية "بالصعبة".
هيئة المختص والنتائج والإثبات هي أهم عوامل الإقناع، وفق غنما التي تشير إلى أنه في حال لم يتحقق المطلوب شكليا على المختص تبرير تصرفاته التي تظهره متناقضا وإلا فإن الشخص المتلقي سيشك بمقدرته المهنية، وذلك سيؤثر في النتائج العملية والمادية لصاحب العمل".
الإقناع من أقوى العوامل في الجانب النفسي، بحسب اختصاصي الأمراض النفسية الدكتور حسين المجالي الذي لا ينفي أن درجة إقناع الشخص المختص ستكون أقل تأثيرا في حال كان سلوكه أو شكله غير مطابق لمهنته من آخرين يتقيدون بما يقدمونه من نصائح بخاصة أن الإقناع "عامل مهم وهو قوة بحد ذاته".
غير أنه يشدد على ضرورة الاعتماد على قناعة الشخص نفسه بالفكرة وشعوره بأهميتها من دون أن يربطها بصاحب المهنة، حيث ينظر للمقصد والمراد والمنفعة الذاتية.
ويتابع أن الإنسان الذي يربط بين الشخص والفكرة ويأخذه مبررا لعدم قيامه بالشيء هو فرد ارتباطه بالشيء الذي يريده "ضعيف جدا"، فالأصل أن ينظر إلى مصلحته والشيء الذي يريد تحقيقه ويقبل عليه من دون النظر إلى سلوك الشخص المعطي أو الناصح.