جاء إقدام الكيان الصهيوني علي إغلاق المعابر الموصلة لغزة ومنع الوقود والغذاء والدواء عن أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني لعدة شهور متوالية سببا لإثارة جدلا واسعا بين السياسيين والقانونيين حول مدي قانونية اصرار كبار المسئولين في مصر علي عدم فتح معبر رفح الموجود علي الأرض المصرية والذي من شأن فتحه تخفيف حدة الحصار الاسرائيلي عن فلسطيني غزة الذي تسبب في كارثة انسانية مروعة .
المسئولون المصريون يبررون الاستمرار في اغلاق المعبر بالتخوف من اجتياح الفلسطينين بعشرات الآلاف وتصدير مشكلة القطاع إلي مصر، وأنهم ملتزمون باتفاقية تنظيم المرور عبر المعبر التي وقعتها السلطة الفلسطينية واسرائيل بمشاركة الاتحاد الاوربي عام 2005 م ،وان الاغلاق يبعد الاتهام عن مصر بتهريب السلاح عبر المعبر إلي غزة ، فهل هذه التبريرات حقيقية وصحيحة ؟؟ طرحنا السؤال علي عدد من الخبراء فكانت ردودهم كما يلي ...
الدكتور ابراهيم الزعفراني المدير التنفيذي للجنة الاغاثة والطواريء باتحاد الاطباء العرب يؤكد أن المنظمات الاغاثية العربية والدولية تريد فتح المعبر بصفة دائمة لتسهيل مرور المساعدات الطبية والغذائية إلي شعب غزة المحاصرين منذ شهور طويلة ويتعرضون لجريمة ابادة جماعية علي يد القوات الاسرائيليةلافتا إلي أن الاصرار علي اغلاق المعبر يجعل مصر تبدو وكأنها تشارك في تجويع وقتل اكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون كارثة انسانية غير مسبوقة .
ويؤكد السفير الدكتور عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية السابق ـ أستاذ القانون الدولي ـ بالجامعة الامريكية بالقاهرة علي حقيقة قانونية مفادها عدمَ مسئولية مصر قانونيا ودوليا عن الاتفاق الذي عُقد بين الصهاينة والسلطة الفلسطينية في 25 نوفمبر 2005؛ كونها ليست طرفًا فيه ولم توقع عليه كما ان موضوع الاتفاقية لايخصها من الناحية العملية، مشيرًا إلى أن مصر من حقها ضبط حدودها،وممارسة سيادتها علي ارضها سواءٌ كان هناك اتفاق أو لم يكن .
مصر ليست طرفا في الاتفاقية
وأشارالاشعل إلى أن مصر ليس عليها أي التزامات قانونية في اتفاقية المعابر الموقعة من جانب السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني وطالب باستدعاء المتخصصين؛ ليشرحوا للقيادة السياسية حقيقة الموقف، لافتا إلي أن الكيان الصهيوني وقَّع الاتفاقية مع السلطة الفلسطينية لمدة عام كانت السلطة الفلسطينية خلاله تلعب الدوْر الصهيوني بكل مهامه حتى بعد انسحابه من غزة من ملاحقة المقاومين وتسليم اسلحتهم والابلاغ عنهم وفق التنسيق الامني فيما بين ابو مازن والاسرائيلين .
واعتبر الأشعل أن الكيان الصهيوني ما زال محتلاًّ لقطاع غزة بسيطرته الفعلية التي تحيط القطاع من الجو والبحر والأرض، مؤكدا علي ان القانون الدولي يفرض علي دولة الاحتلال الصهيوني تأمين احتياجات شعب الدولة التي يحتلها وليس قتلهم جوعا وقصفا بالصواريخ ، لافتا إلي أن اتفاقية المعابر جاءت كمحاولة لإيهام الآخرين بأن غزة تحُرِّرت وتسائل : كيف تكون غزة قد حُرِّرت ويريد الكيان الصهيوني أن يشترك في اتفاقية معبر يخص الأرض المحررة وتعطيه الحق في مراقبة من يدخل إلي غزة من الجانب المصري ؟!.
وأشار إلى أن الفترة التي قضتها قوات الحرس الرئاسي الفلسطيني على المعبر كانت فترةَ اختبار لسلطة عباس ومدى سيطرتها على المقاومين وتصفيتهم، قائلاً: "لقد كانت فترةَ تقييم لسلوك السلطة الفلسطينية قادتها التقارير الأمنية الصهيونية والأمريكية، ونجحت السلطة برئاسة ابو مازن في الاختبار، والدليل على ذلك اصرارها على تجديد الإتفاقية في الوقت الحالي رغم انتهاء وجودها في غزة !!.
عبد الله الاشعل مساعد وزير الخارجية السابق
وأضاف: "بعد الحسم العسكري لحماس في غزة انتهت الاتفاقية تمامًا على أرض الواقع، بعد أن انتهت بالأساس بسبب عدم تجديدها، مشيرًا إلى أنه كان من المفترض أن تجدَّد كل ستة شهور، وهذا ما لم يتم .
وشدَّد على أنه من المفترض أن تقام اتفاقية جديدة مصرية فلسطينية فقط تراعي مصالح الجانبين وتراعي الأمن القومي لمصر، موضحًا أن معنى الرجوع إلى الاتفاقية القديمة كما يريد عباس أن تقوم مصر بغلق الباب امام الفلسطينيين، والمشاركة في تجويع القطاع وابادة اهله وبذلك نخضع للرؤية الصهيونية التي تريد لنا أن نكون شركاء لها ضد الفلسطينين .
ويتفق الدكتور حسن نافعة استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والامين العام لمنتدي الفكر العربي مع الدكتور عبد الله الاشعل في ان اتفاقية 2005 الخاصة بمعبر رفح ليست ملزمة لمصر لانها ليست طرفا فيها كما انها لم توقع عليها إلي جانب ان تلك الاتفاقية منتهية قانونيا لانها لم يتم تجديدها بين الاطراف الموقعة عليها وهي سلطة ابو مازن واسرائيل والاتحاد الاوربي كما أن الطرف الاوربي انسحب منها فتعطل تنفيذها علي ارض الواقع .
وابدي تعجبه من قول المسئولين المصريين بأن المعبر لن يعاد فتحه وتسليمه الا للسلطة الفلسطينية ( ابو مازن ومن معه )وتسائل اليست حماس التي تدير قطاع غزة هي جزء من السلطة الفلسطينية بموجب اغلبيتها داخل المجلس التشريعي التي اعطتها الحق في تشكيل الحكومة بعد فوزها في الانتخابات باغلبية قاربت 65% من اصوات الفلسطينين ؟؟مؤكدا علي أن حماس تشكل وفق القانون الدولي سلطة الامر الواقع في غزة التي من حقها ادارة معبر رفح من جهة غزة بدون تدخل اسرائيل .
اتفاقيات باطلة
وقال محمد عصمت سيف الدولة الناشط السياسي والمتخصص في الشأن الفلسطيني إن جميع الاتفاقيات التي وُقِّعت مع الكيان الصهيوني هي اتفاقيات باطلة وملغاة؛ لكونها تمت مع كيان غير مشروع قام علي أساس اغتصاب ارض فلسطين وتشريد شعبها منذ أكثر من ستين عاما.
ولفت إلي أنمعبر رفح هو أحد خمسة معابر سمحت بها السلطات الصهيونية لقطاع غزة، وهو المعبر الوحيد بين غزة ومصر، حيث أن هناك معبرًا آخر بين غزة ومصر يخضع لسلطات الاحتلال هو معبر كر أبو سالم ومنه يدخل سيناء يوميا وبدون تاشيرات عشرات الآلاف من اليهود ليمارسوا الدعارة وتهريب الدولارات المزيفة ويهددون الامن القومي لمصر من خلال اعمال التجسس وغيرها وتسائل لماذا تفتح المعابر لدخول الصهاينة إلي بلادنا ونغلقها امام الفلسطينين؟؟!!
وأشار إلي أن هناك 30 دولةً تخنق المعبر؛ هي: الكيان الصهيوني، والسلطة الفلسطينية، والحكومة المصرية، والاتحاد الأوروبي بدوله السبع والعشرين، موضحًا أن هناك أربع اتفاقيات لتنظيم العبور من الناحية الفلسطينية هي: اتفاقية المعابر الصهيونية الفلسطينية الموقَّعة في 15 نوفمبر 2005م، واتفاق صهيوني أوروبي فلسطيني لمراقبة المعبر وهي اتفاقيات منتهية لعدم تجديدها إلي جانب أن مصر ليست طرفا فيها لانها لم توقع عليها .
ولفت الانتباه إلي أن المعدات التي تتحكم في المعبر وفق اتفاقية 2005 المنتهية هي عبارة عن عددٍ من الكاميرات وأجهزة الفحص للأشخاص والسيارات والبضائع التي فرضها الكيان الصهيوني لمراقبة المعبر، موضحًا أن الكيان شدَّد طوال أكثر من عامين على عدم العبور بدون مراقبين أو بدون أجهزة مراقبة اللذين يتحكَّم فيهما الكيان الصهيوني بدرجةٍ كاملةٍ؛ مما مكَّن الكيان الصهيوني من غلق المعبر بصفة شبه دائمة ما عدا أيام معدودة .
وأوضح أن مصر لديها ترسانة قوانين ومؤسسة أمنية قوية من شأنها تمكينها من السيطرة على معبر رفح ، بما يبطل الذرائع التي يتذرع بها المسئولون المصريون بان من شان فتح المعبر توجيه الاتهامات لمصر بانه قد يتم تهريب السلاح إلي غزة متسائلا هل يمكن تهريب اي شيء مخالف في وجود التفتيش الدقيق للداخلين والخارجين من المعبرالذي يصل إلي حد التفتيش الذاتي للعابرين ؟؟وهل يتصور عاقل ان المعبر يمكن الا يكون خاضعا للتفتيش اسوة بالنقاط الحدودية بين مصر والدول المجاورة لها مثل السودان وليبيا ؟؟
وطالب بالتركيز على أمن مصر لا الكيان الصهيوني عند عقد أي اتفاقيةٍ تخصُّ الحدود المصرية، وأن تتحرَّر السلطة المصرية من الافتراضات الصهيونية والأمريكية التي تعتقد أن الخطر هو الخطر الفلسطيني، داعيا إلي استمرار الضغوط الشعبية على الحكومة المصرية لحثها علي فتح المعبر والتصدي للضغوط الخارجية التي لا تريد إلا أمن الكيان الصهيوني .
سيادة مصر علي المعبر مطلقة
ومن جانبه شدد المستشار حسن عمر خبير القانون الدولي علي أن جميع الاتفاقيات التي وقِّعت مع الكيان الصهيوني هي اتفاقيات باطلة يستغلها الكيان الصهيوني لمصالحه والترويج لنفسه أمام العالم علي أنه الطرف المعتدي عليه بالخداع والغش والتدليس مؤكدا علي صرورة عدم خضوع مصر لوصاية أحد وأهمية بسط النفوذ المصري على سيناء، موضحًا أنه بموجب المادة 78 من ميثاق الأمم المتحدة لا تخضع مصر لأي ترتيباتٍ أمنية أو وصاية من أحد .
د/حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية
وتسائل لماذا نتعلل بالاتفاقيات ونلتزم بها في الوقت الذي يرفض فيه الكيان الصهيوني منذ انضمامه للامم المتحدة تنفيذ أي من اشتراطاتها اوقراراتها الدولية المتعلقة بالصراع العربي الصهيوني أو اشتراطات العضوية ؟؟
وأشار النائب الدكتور أحمد دياب عضو مجلس الشعب أن المطلوب ليس عبور الفلسطينين بالآلاف من غزة إلي مصر كما يزعم المسئولون المصريون مشيرا إلي تصريحات قيادات حماس التي تؤكد أنه لا احد يريد مغادرة القطاع وان الفلسطينين متمسكون بالبقاء في وطنهم وأن المطلوب هوفتح المعبربصفة دائمة لعبور المساعدات الانسانية والطبية إلي غزة والحالات الانسانية والطلبة الفلسطينين إلي داخل مصر وفق النظم واجراءات التفتيش المتبعة في المعابر الاخري الموجودة علي الحدود بين مصر والدول المجاورة .
وحذر من خطورة دعوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي يطالب بالعودة إلى الاتفاقية القديمة التي تجعل لإسرائيل الحق في تنظيم العبور وفتح وإغلاق المعبر رغم وقوع المعبر علي ارض مصر وهي دولة ذات سيادة لافتا إلي ان تنفيذ اقتراح عباس يعني أن تشارك مصر في حصار شعب غزة ويعد خضوعا للرؤية الصهيونية التي تريد لمصر أن تسير في حلقةٍ مفرَّغة .