يتحدى الشاب العشريني خالد السعدي اعاقته الناجمة عن مرض نادر ادى الى بتر اربعة من اصابع يديه ليعمل في مجال صيانة الاجهزة الالكترونية بالاستعانة باسنانه وبقية اصابعه بحسب قوله .
ويضيف الشاب لوكالة الانباء الاردنية انه لم يكن ليستكين الى مرضه الذي بدأت بوادره بالظهور وهو في السابعة من عمره حين داهمت الكسور اطرافه السفلى دون ان يشعر بها وبدأت عضلاتها تضعف وتضمر مبينا انه استطاع انهاء دراسته الثانوية ضمن الفرع الصناعي في تخصص صيانة الاجهزة الالكترونية رغم مرضه الذي اقعده على كرسي متحرك .
ويشير الى انه تجاوز اعاقته حين انتظم بالعمل في احد محال صيانة الاجهزة الالكترونية في منطقة الجوفة -حيث يسكن- راضيا بما قسمه الله سبحانه وتعالى له من رزق يتأتى كنتاج لحصيلة مادية يأخذها مناصفة وصاحب المحل لقاء صيانة القطعة الواحدة .
ويتابع انه وبسبب فقدانه لعدد من اصابعه فانه يستعين باسنانه اثناء تعرية الاسلاك الكهربائية او محاولات تربيطها وفكها مؤكدا ان اسنانه القوية تمكنه من انجاز عمله بسرعة اكبر .
ويقول انه نادرا ما تخلف عن عمله الا في ايام ما بعد خضوعه لعمليات البتر المتعددة والتي كان يعيش خلالها حالات من الالم لم تكن تشفع معها الادوية المسكنة .
وحول جدوى عمله يقول : لا اجني اكثر من دينارين او دينار في اليوم الواحد , واحيانا لا احصل عليها غير انني مقتنع بقسمتي مضيفا ان احد الزبائن اعطاني بدل صيانة جهاز له ( طير حمام ) ولم اناقشه حول ماهية هذا الثمن فقد يكون هذا الطير جل ما يملكه .
ويعمد السعدي الى استخدام مفكات وادوات مختلفة بمواصفات خاصة بحيث تكون اكبر من حجمها الاعتيادي ليتمكن من امساكها براحة يده.
ولم يتوقف المرض النادر الذي يسمى بحسب مصادر طبية ( الشاركو, ماري, توت ) على الشاب السعدي بل نال من شقيقه علي البالغ من العمر ثلاثين عاما فيما بدأت بودار ضعف في الاطراف السفلية لشقيقته الصغرى سندس 14 عاما في الوقت الذي نجا منه شقيقها رامي 31 عاما في ظل تصاعد مخاوف والدتهم لاحتمالية اصابة ابنها انس 16 عاما بذات المرض كما تقول ل ( بترا ) .
تضيف الوالدة الارملة (ام رامي) انها فخورة باولادها الذين يسعون بكل قواهم للبحث عن اعمال تقيهم شر السؤال مثنية على قيام خالد بالعمل باسنانه متحديا اعاقته .
وتوضح ان ابنها علي الذي فقد احد اطرافه السفلى واثنين من اصابع يديه جراء المرض ذاته لم يرضخ لواقعه حيث كان يعمل في مجال صيانة الاجهزة الالكترونية غير انه واجه صعوبات جمة حالت دونه والعمل اذ انه لا يستطيع التنقل بلا كرسي متحرك مشيرة الى ان امله ينحصر بالتحاقه بعمل يتلاءم وظروفه الصحية.
وتحمد الام الصابرة الله سبحانه وتعالى على نعمه وتقول ان ( من يرى مصائب الناس تهون عليه مصيبته ) غير انها تتمنى على استحياء المساندة حتى تؤمن لابنتها سندس المتفوقة في دراستها جهازا لتقويم اطرافها السفلى وطرفا اصطناعيا لابنها علي مؤكدة انها تعيش على الراتب التقاعدي لزوجها المتوفى والذي قد لا يكفي في بعض الاحيان لتأمين الادوية لابنائها .
وتقول ان ما يؤرقها هو ان يتسلل المرض لاولادها الاصحاء اذ انها والحالة هذه اسيرة الخوف والانتظار من اختبارات اخرى بفلذات اكبادها الذين تراهم يذبلون امام ناظريها واحدا تلو الاخر .
ويكافح الانسان الذي يعاني من اعاقة او عقدة ما من اجل تحقيق الذات بكل الوسائل والسبل المتاحة بحسب مستشار الطب النفسي الدكتور نايف الطعاني الذي يؤكد ان اعتماد الشاب السعدي على اسنانه انما يندرج في اطار التعويض عن فقدان وظيفة اليدين والطموح نحو اثبات الذات عبر الانتاجية .
ويشير الى ان اعاقته شكلت تحديا حقيقيا له ودفعته باتجاه الانجاز والتفوق على الواقع موضحا ان امثاله يستحقون الاحترام والتقدير من المجتمع بل انهم يشكلون قدوة حسنة لبعض الاسوياء العاطلين عن العمل لاسباب مختلفة .
ويرى الدكتور الطعاني ان امثال خالد وعلي من ضمن الذين تجاوزوا مرحلة الصدمة الاولى التي يتلقاها اي انسان الى مرحلة التكيف والاعتماد على الذات بعيدا عن استدراج عطف المحيط وذل السؤال .
ويشعر الانسان الذي يعمل رغم اعاقته بمعاني العيش بكرامة واستقلالية وفقا لاستاذ علم الاجتماع في جامعة اليرموك الدكتور عبد العزيز الخزاعلة الذي يشير الى ان العمل للمعوق يعزز من فاعليته في المجتمع .
ويؤكد ان قدرة الانسان بوجه عام والمعوق خاصة على الانتاج والعمل غير محدودة اذا شفعت بالارادة والتحدي والاستجابة للواقع منوها الى ان الشاب السعدي يمثل نموذجا رائعا للشباب الطموح بل انه قدوة لشباب يستلذون البطالة وهم في كامل قواهم العقلية والجسدية .
ويصيب مرض ( الشاركو ,ماري, توت ) واحدا من بين 2500 شخص بحسب اخصائي جراحة العظام والمفاصل في مستشفى البشير الدكتور عماد القريوتي الذي يؤكد ان هذا المرض - المسمى بذلك نسبة الى الاسم الاول لمكتشفيه الثلاثة في عام 1886 - يصيب الاطراف فقط ويؤثر على اعصابها وحسها بالاهتزازات والصدمات بحيث لا يشعر المريض باي الم اذا ضرب عليها او ارتطم بجسم صلب بل ان عظام مفاصله المستهدفة تكون عرضة للكسر والالتهابات .
ويشير الدكتور القريوتي الى ان الشفاء من هذا المرض معدوم لغاية الان , ويبقى المصاب به عرضة للكسور والالتهابات بحيث ينحصر علاجه من خلال معالجة الاعراض الناجمة عنهما عبر المسكنات مؤكدا ان مرض ( الشاركو, ماري, توت ) وراثي احيانا وناجم عن طفرة في احيان اخرى .