اشتكى المركز الوطني لحقوق الانسان من عدم اهتمام الحكومة لتقاريره بالقدر الكافي. وقال مفوضه العام الدكتور محي الدين توق في مؤتمر صحافي امس للاعلان عن تقرير المركز الأول حول التوقيف الإداري: إن الحكومة تسارع في التعليق على تقارير حقوقية لمنظمات اجنبية ولكنها لا تفعل الكثير إزاء توصيات تقاريرنا المحلية.
وكان التقرير كشف عن ارتفاع أعداد الموقوفين إداريا في العام 2009 والذي وصل إلى 16 ألفا و50 موقوفا فيما وصل عددهم في العام 2008 إلى 14 ألفا و46 موقوفا إدارياً.
ووصف التقرير التوقيف إجراء خطيرا يؤدي إلى سلب الفرد حريته وله العديد من الانعكاسات على حياته وسلوكه.
وطالب المركز بالغاء قانون منع الجرائم او تعديله. وأعلن الدكتور توق عن دراسة لابرز التعديلات المطلوبة على قانون منع الجرائم, وقال: ان المركز سيخاطب بخصوصها الحكومة عن طريق اصدار مشروع قانون معدل لقانون منع الجرائم.
وطالب تقرير المركز حصر صلاحيات التوقيف بالجرائم الخطيرة (الجنايات) مثل جرائم القتل والزنا والسفاح وهتك العرض والاغتصاب على سبيل الحصر تحت اشراف السلطة القضائية بما يتوافق مع قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية والذي حد من حالات التوقيف وبعدم جواز تجديد التوقيف إلا بموافقة المحكمة المختصة ووضع حد أعلى لها.
وفي توصياته ايضا طالب بكف يد الحاكم الإداري عن إجراءات التحقيق التي تقوم بها الشرطة بحيث لا يسمح بالإستمرار بحجز الأشخاص والتحقيق معهم لمدد طويلة بالإستناد لمذكرات التوقيف الصادرة عن الحكام الإداريين, وضرورة إحالة المشتكى عليهم والمشتبه بهم للإدعاء العام ضمن المدة المحددة في قانون أصول المحاكمات الجزائية, وبحيث يصبح بذلك قرار التوقيف الاداري قابلاً للاستئناف امام محكمة البداية المختصة بصفتها الاستئنافية.
كما أوصى بتحديد حد أعلى للكفالة المالية وعدم المبالغة بقيمة الكفالة المطلوبة لأنها تشكل عبئاً على كاهل الموقوفين وذويهم وتشكل سببا للإستمرار في التوقيف لعجز الشخص أو ذويه عن تنظيم هذه الكفالة مما يمنح للحاكم الإداري صلاحية إبقاء هذا الشخص موقوفاً لحين تنظيم هذه الكفالة.
وطالب بتعديل نص المادة (3) من القانون بوضع ضوابط لصلاحية فرض الإقامة الجبرية ونقل تلك الصلاحية الى السلطة القضائية, وقصرها على وجود حالة التكرار الجرمي في مجال الاعتداء على الأشخاص وتحديدا جرائم القتل وهتك العرض والإيذاء البليغ وجرائم السرقات الموصوفة (الجرائم الخطيرة) وفي حالة التكرار ايضاً.مع الأخذ بمبدأ ملاءمة الإجراء الضبطي مع الخطورة الجرمية عند فرض الإقامة الجبرية.
ودعا الى إنشاء سجل عدلي لدى وزارة العدل مبني على أحكام قضائية مبرمة بدلا من الاعتماد على السوابق لدى الجهات الأمنية,من اجل التنفيذ السليم لأحكام القانون. كما دعا الى بسط الرقابة القضائية على قرارات التوقيف الإداري وصلاحيات الحكام الإداريين الضبطية وهذا من شأنه ان يحقق ضمانات الطعن بالقرارات الإدارية امام المحاكم النظامية وعلى اكثر من درجة ويسهل على الأفراد تكاليف التقاضي.
وطالب ضرورة احترام القرارات الصادرة عن السلطة القضائية بالبراءة أوعدم المسؤولية أو باخلاء سبيل الموقوف باعتبارها عنوان للحقيقة وحجة على الجميع وعدم جواز اصدار اي قرار مخالف لما يقضي بتوقيف الأفراد ما لم يكونوا مطلوبين لقضايا اخرى.
وشدد على اهمية إدخال تعديلات جوهرية على نص المواد 101 و102 من قانون العقوبات التي تعطي القاضي الحق بالتشديد على اصحاب السوابق وبالتالي فأن هاتين المادتين شملت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون منع الجرائم المتعلقة بالتكرار واعتياد اللصوصية,اما الفقرة الأولى من المادة الثالثة التي تدخل تحت بند على وشك ارتكاب جريمة شملتها المادة 389 من قانون العقوبات, وأما الفقرة الثالثة من المادة الثالثة فهي تتعارض مع الاصل العام والقاضي بأن المتهم بريء حتى تثبت ادانته.
واشار التقرير إن قانون منع الجرائم هو قانون مرحلي أملته ظروف اجتماعية وتاريخية في بداية إرساء دولة القانون والمؤسسات, وان هذه الظروف لم تعد قائمة في وقتنا الحالي, وذلك بتطور المجتمع الأردني ونضوج دولة القانون والمؤسسات, وتعزيز دور القضاء وتطبيق الأحكام الواردة فيه وهذا كله يتنافى مع توجه الدولة الأردنية نحو تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية ومبدأ الفصل بين السلطات مما يجعل هذا القانون حريا بالالغاء أو تعديله.
ابرز انتهاكات العام الماضي
ورصد المركز الوطني لحقوق الإنسان انتهاكات وصفها بالجسيمة ناجمة عن بعض الإجراءات والقرارات الضبطية بحق عدد من الأفراد على مدار الاعوام 2005-2009 كما وردت بالشكاوى التي تلقاها المركز, والتي اثرت سلباً على أسر هؤلاء وحملت حزينة الدولة اعباء مالية اضافية, كما وتسببت بعدد من المشكلات داخل مراكز الاصلاح والتأهيل وابرزها مشاكل الاكتظاظ والاضراب عن الطعام وايذاء النفس (بعض نزيلات سجن النساء جويدة والموقوفين في مراكز الاصلاح والتأهيل) وغيرها.
واشار التقرير ان قضية الموقوفات اداريا في مركز اصلاح وتأهيل النساء/جويدة تحت مسمى قضايا الشرف واللواتي لا يتجاوز عددهن 13 موقوفة ادارية تبرز مشكلة خاصة فقد مضى على توقيف بعضهن فترة توقيف اداري تتجاوز العشرة سنوات بدعوى الحفاظ على حياتهن, الا انهن بحاجة للرعاية والحماية بدلا من وضعهن داخل اسوار السجن, ولا يعتقد المركز الوطني ان وضعهن بالسجن هو الحل الوحيد, اذ ان معظمهن ضحايا التفكك أو العنف الاسري.
ويضم المركز الوطني لحقوق الإنسان صوته الى القطاعات النسائية للدفع باتجاه تحويل الموقوفات ادارياً للرعاية والحماية في دار الوفاق الأسري.
وتجدر الاشارة الى ان هذا التقرير لم يعرض جميع الانتهاكات لعام 2009 والتعرض اليها بالتفصيل, بل تم الاكتفاء بالاشارة الى ابرز تلك الانتهاكات.
ومن بين هذه الانتهاكات اصدار مذكرة توقيف بحق اثنين من النشطاء السياسين بتاريخ 9/6/2009 من قبل محافظ الزرقاء على خلفية اتهامهم للحكومة بتزوير الإنتخابات البلدية, واصدار مذكرات توقيف ادارية بحق (32) شخصاً بتاريخ 19/8/2009 من قبل محافظ العقبة بحق بعض العمال وذلك خلال فترة اعتصام عمال الموانئ, ومن بينهم ايقاف الناطق الرسمي باسم لجنة عمال الموانئ بتهمة التشهير, والتعدي الواضح على اختصاص المحاكم النظامية, الا انه تم اطلاق سراحهم جميعا في نفس اليوم.
واشار الى إحدى الموقوفات اداريا اردنية الجنسية الموقوفة اثر قضية زنا من قبل متصرف لواء الرصيفة من تاريخ 20/3/2008 وحتى تاريخه لحين تقديم كفالة مالية, علماً بان تكفيلها لا يشكل عليها خطراً وان موضوع التكفيل متوقف لعدم قدرة ذويها تقديم الكفالة المالية.
اما النزيلةA. K.D / سيرلانكية الجنسية فهي موقوفة ادارياً من قبل محافظ العاصمة من تاريخ 25/1/,2009 ولحين انتهاء اجراءات الابعاد بسبب عدم قدرتها على توفير قيمة تذكرة السفر.
واشار الى النزيل ح.ا.غ. الموقوف من قبل متصرف لواء قصبة السلط, وهو من اصحاب القيود الجرمية ومنذ عام 1998 علما انه لم يرتكب أي جرم, مشيرا انه موقوف رغم انه قبل ايقافه كان يعمل ويمارس حياته بشكل طبيعي ومعتاد.
واشار التقرير الى هذا الانتهاك فقال أثناء تنفيذ حملات التفتيش الأمنية من قبل الشرطة, فبتاريخ 29/10/ 2009 تم التدقيق على اسم المذكور وتبين بأنه من اصحاب القيود الجرمية, فتم اصطحابه بسيارة الشرطه الى مديرية الشرطة, ومن ثم الى مبنى المحافظة, وتم إعلامه بأنه يجب عليه تنظيم كفالة بقيمة عشرة الاف دينار وأنه سيبقى رهن الاعتقال حتى تنظيم هذه الكفالة.
ونقل التقرير على لسان النزيل أنه لا يستطيع احضار هذا الكفيل كون المبلغ المطلوب قيمته عالية جداً ويحتاج الى نفقات كبيرة لتوفيرة وهو ما زال موقوفا من تاريخ 29/10/ 2009 في سجن البلقاء, كما وافاد ايضاً بأنه عند احضاره الى المحافظة من قبل الشرطة, لم يشاهد المتصرف او يقابله وانما بقي في سيارة الشرطة في الخارج ولم يتم سؤاله عن الجرم او التحقيق معه بأي شيء, علماً بأن المذكور متزوج ولديه طفلان وهما في الصفوف الإبتدائية.
انتهاكات خاصة بتطبيقات قانون منع الجرائم
وحول الشكاوى والانتهاكات الناجمة عن تطبيق قانون منع الجرائم الواردة للمركز الوطني لحقوق الانسان قال المركز إنه تلقى ومنذ تأسيسه عددا من الشكاوى والاخبارات المتعلقة بالتوقيف الإداري وربط الاشخاص بالاقامات الجبرية نتيجة عدم التمكن من تقديم التعهد أو الكفالة المطلوبة ومن الواضح من هذا الجدول ان هناك توسعاً في استخدام صلاحية التوقيف الاداري.
واضاف ان معظم هؤلاء الموقوفين جرى توقيفهم بعد تنفيذ فترة العقوبة حيث تتم اعادتهم بعد ذلك واما ان تفرض عليهم الاقامة الجبرية أو تقديم كفالة أو تعهد, واذا عجز الشخص عن تقديم الكفالة أو التعهد يصار الى ايقافة اداريا مرة اخرى حفاظا على الامن والنظام العام.
ووفق تقرير المركز فإذا كان الهدف من هذا التدبير هو منع الجريمة فإن الواقع العملي لا يثبت انه ساهم في خفض معدل الجريمة في الأردن أو زيادتها, ووفق احصائية المكتب الفني في وزارة العدل فقد شهدت محكمة الجنايات ارتفاعاً طفيفاً في اعداد القضايا المسجلة في المحكمة بنسبة 2% عام ,2009 وبلغت اعداد القضايا المسجلة خلال السبعة اشهر الأولى من نفس العام الى (708) قضية في حين كانت في عام 2008 (629) قضية.
واضاف, بالنظر لهذه المؤشرات الرقمية للوهلة الاولى فإنها تصور الواقع العملي لنمو الجريمة وزيادة الاجرام مما يبرر حق الحكام الاداريين في الصلاحيات المطلقة في اتخاذ الإجراءات الإدارية وضرورتها لحماية الامن والنظام العام. الا ان نتائج الدراسة التي قامت بها إدارة البحث الجنائي وإدارة المعلومات الجنائية في مديرية الامن العام عام 2009 اشارت الى انخفاض نمو الجريمة خلال الثمانية شهور الأولى من العام الحالي بنسبة (-6%) مقارنة مع ذات الفترة من العام 2008 في حين شهد زيادة بنسبة (9ر4%) مقارنة مع عام .2007
واشار ان فلسفة الإجراءات المتعلقة بضبط الاشخاص وحجز حرياتهم في قانون منع الجرائم تتنافى مع فلسفة الاصلاح والتأهيل التي تنادي بها السلطة القضائية والتنفيذية معاً بوصم الاشخاص بالخطورة مدى حياتهم اذا علمنا بأن بعض الدول العربية ومنها مصر قد قدرت مدى خطورة واهمية الإجراءات الضبطية, حيث منحت صلاحية فرض الاقامة الجبرية للقضاء وفي جرائم خطيرة ومحددة وفي حالة التكرار والتي تملي على المشرع الجزائي الاردني ان يحذوا حذوها في هذا المضمار.- العرب اليوم