قنوات مكشوفة تنساب فيها مياه عادمة وتفيض على منازل المواطنين ومياه عادمة تتسرب الى شبكات مياه الشرب وفي المحصلة بيئة ملوثة تصيب سكان مخيم غزة بمحافظة جرش بأمراض لا تجرؤ الجهات المعنية الكشف عنها.
وفي آخر دراسة أعدتها عيادة المخيم التابعة لوكالة الغوث الدولية وحصلت عليها "الغد" تبين أن حالات الإصابة بجرثومة الأميبا والتي سببها التلوث المائي أو الغذائي أو البيئي وتسبب الإسهالات والمغص المعوي ونقص الوزن عند الأطفال، بلغت 394 إصابة من أصل 954 أخذت عيناتهم في العام الـ2009 ونسبتهم 41%.
فيما بلغت عدد الإصابات 527 من أصل 1123 أخذت عيناتهم للفحص العام 2008 وهم بنسبة 47% فيما كانت النسبة أقل في العام 2007 إذ بلغت حينها 36% وكان مجموع عدد العينات 1513 عينة.
تلك الأرقام تتحدث عن عينات لمرضى كانوا يراجعون العيادة وهم يعانون من آلام وتبقى غيض من فيض عندما نتحدث عن تجمع سكاني يبلغ عدد سكانه حوالي 20 ألف لاجئ غزي، بحسب دراسة أعدتها وكالة الغوث الدولية "الأونروا" في العام 2007 بتمويل من الاتحاد الأوروبي.
وتكشف سجلات العيادة عن ارتفاع ملحوظ في عدد المصابين بمرض الأنيميا (فقر الدم)، بحسب مصدر مطلع في العيادة أشار الى أن "نسبة المصابين من مراجعي العيادة تتراوح بين 40-70% وتختلف النسبة من شهر الى آخر".
ويؤكد المصدر ذاته أن قاعدة بيانات أعدتها العيادة في النصف الأول من العام 2009 كشفت عن وجود 700 حالة تعاني من أمراض مزمنة ومستعصية ويتطلب علاجها متابعة صحية مستمرة فيما تعجز العائلات عن توفيرها نظرا لأنهم غير منتفعين بالتأمين الشامل والإعفاءات الطبية.
وسجلت قاعدة البيانات ارتفاعاً ملحوظا في أمراض معينة على رأسها أمراض العظام، إذ بلغ عدد المصابين 76 حالة يليها المصابون بأمراض العيون وبلغ عددهم 59، فيما الحالات التي تعاني من أمراض القلب بلغت 56 حالة، أما السرطانات فبلغت 23 حالة.
وبين المصدر أن مكتب تنمية المجتمع المحلي في المخيم استطاع أن يؤمن إعفاءات طبية مدتها 6 أشهر لـ 80 حالة مرضية من خلال مكتب الأمير رعد بن زيد خضعت للعلاج في مستشفى المدينة الطبية مضيفا "هؤلاء بحاجة الى علاج متواصل قد يمتد لسنوات" في إشارة منه الى أنه مع انتهاء مدة الإعفاء الواقعة في 6 أشهر تصبح صحة المريض على المحك.
مدير برنامج الصحة في وكالة الغوث الدولية الدكتور شتيوي أبو زايد نفى أن تكون هناك دراسات أعدتها الوكالة حول الوضع الصحي، مضيفا أن الرصد الصحي في المخيم "غير لافت" والأوضاع شبيهة بالمخيمات الأخرى.
وأضاف أن من يراجعون عيادة الوكالة وينتفعون بخدماتها بلغ عددهم 18638 فردا في العام 2009 وهم من أصل حوالي 22 ألف نسمة يسكنون المخيم وهؤلاء ترصد العيادة أحوالهم الصحية و"لا يوجد مؤشرات تؤكد وجود مرض وبائي".
وبين أن عيادة الوكالة مجهزة بكوادر طبية وطبيب أسنان واختصاصي نسائية يتردد عليها مرتين في الأسبوع، فيما لا يتوفر أطباء من مختلف التخصصات.
سكان المخيم يدركون أن الأوضاع البيئية الآخذة بالتردي هي أبرز أسباب إصابتهم بتلك الأمراض، يقول يحيى أبو عاذرة مدير مدرسة في المخيم إن صغار السن معرضون أكثر للإصابة بالأمراض "فالزقاق التي تتوسطها القنوات المكشوفة هي فسحتهم الوحيدة للعب".
ويقول إن الصغار لا يترددون باللعب بمياه هذه القنوات، والأسوأ أنهم يتناولون السكاكر أثناء اللعب، وهو ما قد يتسبب بإصابتهم بالديدان المعوية وجرثومة الأميبا وهي أمراض يعاني منها غالبية الأطفال.
ويشير الى أن ذوي الأطفال لا حيلة لهم لدرء مسببات الأمراض عن أبنائهم، فالوحدات السكنية ضيقة مساحتها إذ لا تتجاوز الـ 98 مترا، ويعيش داخلها ما لا يقل عن 13 فردا لذا يصبح الشارع الملاذ الوحيد أمام صغار السن لتمضية أوقاتهم.
ويضيف في الساحات الخارجية لا يمكن متابعة ومراقبة الأطفال في وقت تنشغل فيه الأم بتدبير المنزل والأب بالعمل ليعود وفي جعبته ما يسد جوع الأولاد.
ويصبح انتقال الجرثومة من المصاب أمرا واردا فالجميع يجلسون في غرفة واحدة ويتشاركون الأكل والفراش وفقا لما يقوله أبو عاذرة، مضيفا أن سبل العناية غير متاحة.
ويستطرد كيف لعائلة لا يزيد دخلها على الـ 3 دنانير أن تقوم بتعقيم المنزل من حين لآخر.
ويتساءل أما حان الوقت لدق ناقوس الخطر، مشيرا الى أن البنية التحتية للمخيم مدمرة فالقنوات مندثرة وتفيض مياهها العادمة لتتسرب الى المنازل والشوارع وأسواق الخضار، مشددا على أن 90% من الأمراض مصدرها القنوات المكشوفة.
ويوضح قائلا إن شبكات المياه مهترئة وصدئة وبسبب قربها من القنوات المكشوفة فإن تسرب المياه العادمة من الأخيرة يمكن مشاهدته "ولا حيلة لنا لمعالجته، فالشبكات جميعها بحاجة للتغيير، ونحن ننتظر تنفيذ مشروع الصرف الصحي رغم تعثر إنجازه".
ويؤكد أبو عاذرة أن قرابة الـ 40% من طلبة المدارس مصابون بالديدان المعوية وأن الوكالة ومن خلال مدارسها تزود الطلبة بعلاجات وقائية ينبغي استخدامها مدة 6 أشهر إلا أن عائلات كثيرة تمتنع عن استخدامها من باب التخوف.
وتجهد فريال نصّار في منع أطفالها من الخروج للشارع خاصة في أشهر الشتاء حيث تختلط مياه الأمطار ومياه القنوات المكشوفة وتصبح بيئة ملوثة، إلا أن احتمالية الإصابة بالأمراض تبقى واردة بمجرد سير أطفالها في تلك الطرقات ذهابا وإيابا لارتياد المدرسة.
تقول نصّار "أعاني أنا وأطفالي من أمراض جلدية، طرقنا أبواب العيادات الخاصة وخضعنا للفحوصات التي أكدت وبحسب الأطباء أن سببها طبيعة البيئة التي نعيشها"، في إشارة منها الى التلوث الجوي الناجم عن حاويات النفايات الملاصقة للمنازل ورطوبة الوحدات السكنية التي تأويهم.
الوحدة السكنية التي تقيم فيها الأم وأبناؤها لا تخترقها أشعة الشمس بحكم تجاور الوحدات وضيق المساحات التي تفصلها عن بعض، وتشير الى أن الرطوبة تتسلل في فصل الشتاء، سيما وأن المنزل مسقوف بصفائح الزينكو.
مياه الأمطار تجد لها دوما مدخلا الى زوايا المنزل رغم الأغطية البلاستيكية التي يستخدمها السكان ويفترشونها فوق الزينكو.
وكانت دراسة أعدتها وكالة الغوث الدولية "الأونروا" في العام 2007 بتمويل من الاتحاد الأوروبي أشارت الى أن 65% من سكان المخيم وعددهم حوالي 20 ألف لاجئ غزاوي يعيشون في منازل أسقفها من صفائح الزينكو والإسبيست.
وبينت الدراسة أن 25% فقط من المساكن في مخيم غزة أسقفها مبنية من الإسمنت و9% من ألواح زينكو وإسمنت.
وتبقى جهود الوكالة في إعادة إعمار الوحدات السكنية في المخيم متباطئة بحسب فريال، في وقت يؤكد فيه مدير الوكالة لمنطقة إربد المهندس داوود دواس أن "مجموع المساكن التي أعادت إعمارها الوكالة في عامي 2007 و2008 بلغت 96 وحدة منها 68 وحدة نفذت بتمويل من الاتحاد الأوروبي و28 بتمويل من "الأونروا" فيما "لا وحدات سكنية أقيمت في العام 2009" على حد تعبيره.
وتصف نصّار الغرف التي تجمعها وأطفالها بأنها "غير صحية" فسقفها من مادة الإسبيست وهي مادة تتسبب بسرطانات وأمراض عديدة على حد تعبيرها.
وفي ذات السياق هنالك العديد من البحوث العلمية محليا ودوليا أثبتت أن مادة الإسبيست شديدة الخطورة وتسبب الأمراض السرطانية في كل أجزاء الجسم وبخاصة الجهاز التنفسي، وهذا ما أكدته الوكالة الدولية لبحوث السرطان بعد إجراء العديد من الأبحاث والدراسات العلمية والتي أكدت علي خطورة هذه المادة ليس فقط على العمال في مجال صناعتها وإنما أيضا على كل من يتداولها وكذلك على البيئة والسكان المحيطين بأماكن تصنيعها وقد شددت الوكالة الدولية لبحوث السرطان علي ضرورة حظر استخدامها والتعامل بحذر عند إزالتها أو التخلص منها حيث يتطاير من هذه المادة ألياف صغيره جدا "ألياف الإسبيست" عند استنشاقها تسبب مرض التحجر الرئوي وهو ما يعرف بمرض الإسبيست.
من جانبه، يقر دواس أن الوضع البيئي والصحي في المخيم "غير مثالي وهو الأقل جودة مقارنة بالمخيمات الأخرى" وذلك يعود لخصوصية أوضاعهم القانونية فهم لا ينتفعون بالمكتسبات والامتيازات التي يحصل عليها اللاجئ الفلسطيني في بقية المخيمات.
ويبين أن عدم تحسن الأوضاع المعيشية يأتي انعكاسا لقلة الدخول ونسبة المتعلمين وعدم توفر فرص العمل إذ "يبقى المستقبل غير مفتوح أمام ساكنيه بشكل يجعلهم غير قادرين على النهوض بأوضاعهم".
ويؤكد دواس أن الوكالة تقدم خدماتها للاجئين الفلسطينيين في جميع المخيمات بنفس المستوى إلا أن قلة الفرص الحياتية لأبناء المخيم وضيق الأفق وتدني المستوى التعليمي والاجتماعي تنعكس بطبيعة الحال على الوضع العام في المخيم فتبقى أحوالهم كما هي رغم جهود الوكالة في تحسينها.
إسماعيل عمل متطوعا في دراسة ميدانية في المخيم وكانت طبيعة عمله تتطلب منه زيارة العائلات التي يوجد فيها أطفال مصابون بتشوهات خلقية وإعاقات مؤكدا أن بعض الوحدات السكنية كان يتجاوز عدد المعوقين فيها الـ 3 أفراد وهؤلاء يفتقرون إلى الرعاية الصحية بسبب الفقر والعوز.
وتشير الدراسة ذاتها التي أعدتها وكالة الغوث أن 64% من سكان مخيم غزة يعيشون تحت خط الفقر المتمثل بأقل من 2 دولار أميركي للشخص في اليوم، فيما يبلغ متوسط دخل الأسرة الشهري 186 دولارا من دون المساعدات و217 دولارا مع المساعدات.
من جانبه، بين دواس أن عيادة المخيم تقدم الرعاية الصحية الأولية وتشتمل على الكشف وصرف الأدوية العلاجية والتحويل الى المستشفيات فيما مرضى السكري والضغط يفحصون ويحصلون على العلاج مجانا.
وأكد عدم استفادة أبناء المخيم ممن يعانون من الأمراض المستعصية كالقلب والكلى من خدمات المستشفيات كونهم غير مؤمنين صحيا ولا يحملون الجنسية الأردنية.
وكانت وزارة الصحة في شهر أيار (مايو) من العام 2008 اتخذت قرارا "لا عودة عنه" بوقف معالجة مرضى السرطان غير الحاصلين على إعفاء بأي شكل من أشكال الإعفاء المؤقت وشددت على نيتها الاستمرار في قرار تحويل المرضى كل حسب تأمينه الصحي الى مستشفيات وزارة الصحة والعسكرية، وبدئ العمل بهذا القرار في الأول من نيسان (ابريل) الماضي.
ولا يتمكن أبناء غزة من الحصول على تجديد لإعفاءاتهم بعد أن تسلمتها وزارة الصحة مشترطة ضرورة إبراز الرقم الوطني للانتفاع من الإعفاءات، بيد أن مدير برامج الصحة أبو زايد أكد أن الوكالة توصلت الى اتفاق مع وزارة الصحة في مطلع العام 2009 خلص الى معاملة مرضى الكلى والقلب معاملة الأردني القادر وفي حال تبن أنه غير قادر من خلال دراسة لأوضاعه المعيشية ينتفع حينها من الإعفاء ويحصل على العلاج.
وفيما يتعلق بالمرضى الآخرين فيتم تحويلهم الى المستشفيات ولأنهم مؤمنون صحيا من الوكالة وتأمينهم غير شامل تتحمل الوكالة 75% من قيمة العلاج للاجئ الغزي على أن لا يتجاوز سقف العلاج 100 دينار، فيما اللاجئ غير المقتدر تتحمل الوكالة 95% من قيمة العلاج على أن لا يتجاوز سقفه 100 دينار. الغد